قال الطبيب وليته لم يقل !.. خرجت من عنده وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة.. وكأن ذاكرتي نسيت كل شيء عدا صوت الطبيب وهو يخبرني بمرضي.. خرجت أخبئ دمعي في يدي حتى صارت أصابعي تقطر دمعا.. ضاقت كل المساحات التي تحمل أحلامي وتطلعاتي.. وماتت زهور الفرح التي كنت أسقيها كل يوم بتفاؤلي أن القادم أجمل.. فصرت أرى من خلال مرضي موتي القادم.. وأتخيل طفلتي وهي ترتمي في حضني وتهمس لي بأنها لاتستطيع العيش بدوني وأني أثمن مافي حياتها.. وابني الذي خطط أنه حين يكبر سيصطحبني لأشتري له السيارة التي يحلم بها.. ضاعت فرحتي التي كنت أخبئها لابنتي التي أحلم أن أمسك بيدها وهي ترتدي فستانها الأبيض وأزفها إلى زوجها.. ياالله ماأصعب هذه اللحظات حين يصبح الكون من حولك كله أسود فلا شيء حولك يملك إسعادك ولا رسم الابتسامة على محياك.. لقد تساقطت كل أحلامي وكأنها لم تجل يوما في خاطري بقيت أمسح دمعة وأمسح خلفها أكثر من حلم.... وتعلمت أننا كلنا في هذه الحياة نقف خلف ساعات الانتظار فالغيب في علم الله وربما يأتي الخير غدا.. ماأثقل همي وما أضعفني !! وأنا الذي كنت أظن بأنني قوي مهما اعترضني وأني أستطيع أن أذلل كل الصعاب.. إنه المرض.... فغياب العافية كفيل بأن يروي وسادتي بالدمع كل ليلة ويضمخ ذاكرتي بالتفكير في أمور لم تكن من قبل ألقي لها بالا.. أصبحت أتقبل كل شيء فلا شيء مستحيل يختبىء خلف الواقع لا الليل يحضن إغماضة عيني ولا النهار يشع في ساعتي لا شيء يتوقف عند لحظة ألم أعيشها كل شيء يسير حولي بشكل طبيعي فلا أحد سيموت أو يضيع إذا فقد شخصا فالكل سيعيش حياته وسينسى.. ثم ماذا ؟! أنوار الشوارع مضيئة.. والأقدام تروح وتغدو ليل نهار.. وجاري كل صباح يغادر داره إلى عمله ويعود في الظهيرة.... كل شيء على حاله لم يتغير، لكني أنا فقط تغيرت فصرت أرى الأشياء حولي بشكل لم أرها عليه من قبل.. يمر الوقت سريعا وكأن حياتي علبة كبريت صغيرة أيامها أعواد ثقاب احترقت ولم يبق منها إلا القليل.. أو كأمنيات طفل ابتلعها الزمن عندما كبر.. أو كأقراص صداع مهدئة نفدت فصار الصداع يفترس متعاطيها.. هاهي اللحظات السعيدة تمضي ألمحها في عيون الناس من حولي وترحل من نظري سريعا.. ما أحوجني الآن إلى اتصال يخبرني أن التقارير الطبية التي أخبرني الطبيب بنتائجها كانت خاطئة.. ماأحوجني إلى البكاء في حضن أمي وإلى صوت أبي وهو يطمئنني ويقرأ المعوذات وينفث في صدري.. ما أحوجني إلى يد أخي وهي تربت على كفي.. ماأحوجني إلى قلب نقي صادق يحبني بصدق ويبكيني بلهفة ويرفع كفيه بالدعاء لي في كل صلاة.. إلى روح لاتنساني حين أغدو وتظل تحن إلي وتحمل بقاياي في صدرها... لقد أتعبني التفكير بالمرض وغير حياتي وكأنني لم أعش كل السنين الماضية... مؤلم حد البكاء أن ترى أطفالك يلهون أمام ناظريك بسعادة وأن أيامك القادمة لا تضمن تلك السعادة لأبنائك. كل الذكريات تعود في لمح البصر... أتصفحها على عجالة وكأني طالب متجه إلى قاعة الامتحان... وأنا لا أضمن الوصول للغد !... أشياء كثيرة لا أعرف من سيحملها خلفي... وأشياء أكثر لا أعرف لمن أقولها قبل أن يختفي صوتي للابد. هاأنا أكتب هذه الأحرف وكأني أسابقها ولعل المرض لا يلبث أن ينادي الموت قبل أن أنشرها... ( كل نفس ذائقة الموت) ولن أكتب لكم عن طعمه فالأموات لا يكتبون !...