لا أكتب حرفاً ... ورقة بيضاء أمامي، وأشياء كثيرة تعتمل في صدري، وقلم حبر جاف في يدي، ولا أكتب حرفاً!... أتذكر السنين الماضية، والحظ العنيد، يذهب فكري بعيداً ويرتد، وفي ملامحه كدر وحزن، ولا أكتب حرفاً !... وأخاطب نفسي أن تعودي للواقع، وتنصاع لأمري بكل هدوء، ويصدمني الواقع الذي يشبه ما قبله، وأنا لا يشبهني أحد، ولا أكتب حرفاً!... وتظل الصفحة البيضاء ... بيضاء، إلا من دمعة ذرفتها عيني حين عشت مع نفسي أبحث عن ما أكتبه!... لماذا أنت حزين ؟!... لماذا الحزن يتعقب خطواتي، ويسبقني إلى مكاني ؟!....حين كنت صغيراً مات عصفوري الصغير ... مات حينما خبأته عن يد أخي في حضني ونمت، لأصحو صباحاً وأجده ميتاً في حضني .... وحينما كبرت تمنيت بنت خالي زوجة لي ، لتغلق بابها على زوج غيري !... وصديقي الذي قرر أن يكمل دراسته في الخارج، عاد من غربته بشهادة وفاة !.. وأبي الذي انتظرته أن يعود من سفره ليبتاع لي سيارة كما وعدني ، عاد بكفنه وابتاع غيره السيارة لي!... وأمي التي ذهبت لشراء دهن العود الذي تحبه احتفالاً بخروجها من قسم العناية المركزة كما وعدنا الطبيب خرجت إلى قبرها !... وبعد كل هذا ... هل هناك من يسألني لماذا أنت حزين ؟!... النقيضان لأول مرة يجتمعون في مجلسي .... كثيرا ما تمنيت أن أرى ما غاب منهم واليوم أجدهم جميعا هنا حولي، ابتسمت لهم وفي داخلي حفلة لوجودهم، تحقق حلمي بأن أراهم جميعا هنا، ولكن كعادة العطاء معي فدائما يأتي ناقصا لم تكن معهم بحثت عنها بين وجوهم الضاحكة وفي داخلي نفسي ولم أجدها ، انكسرت فرحتي بصمت، لملمت خيبتي وجاوبت ضحكتهم بابتسامة غريبة على وجهي، حتى لا يشعروا بما اشعر في وجودهم بنقص ، وبعد فينة غادروني جميعا تركوا ضحكاتهم معلقة على جدران مجلسي ودعتهم بنفس الابتسامة الغريبة، جلست لوحدي أفكر بها واتت بعدما تيقنت من رحيلهم أتت كعادتها أن تأتي وحيدة فرحت بها ومسحتها من خدي، ليكون هذا اليوم مميزا لي فقد اجتمع النقيضان في يوم واحد !.... غداً غداً سيأتي كيوم جديد، وغداً ستكثر أخطاؤنا !... غداً سيأتي كيوم جديد، وسيستعمل نفس دموع الأمس!... لم أعد أخاف من الغد، لأني أصبحت أعرف جيداً أن جيوبه ممتلئة بالحزن، سيكافئني على صبري ودمعي ليلة البارحة بحفنة من حزن !... غداً سيأتي بحول الله وقدرته، وسيجدني كما عودتني الأيام جالساً على رصيف الوحدة، أطرز من وقتي الطويل قميص الفقد وألبسه ، لأستر عري جسدي وعري روحي !... غداً سيطرق نافذتي، أن أزيح ستارتها، ليخبرني أن الظلام قد رحل، وبدأ يوم جديد، وغداً يجهل أن الظلام قد سكنني وأن الأنوار في عيني تبدو باهتة لا تنير أمامي !... غداً سيخرج الكل إلى عمله، وسأخرج أنا من حزن إلى حزن، فمستودع قلبي قد امتلأ، وليس هناك مكان شاغر لأنجو منه !... وغداً سأعتذر لكل أحزاني التي لم أبكها، وسأعتذر للفرح أن لا مكان له في غدي !... غداً ربما يأتي بصديق جديد يقدر دمعتي وقد يبكيها معي !... وغداً سيأتي ... وربما يخلف كل مواعيدي ... وأحلامي !... غداً سيأتي لا محالة ... وربما يأتي غداً ولا يجدني !... أصدقائي ... هناك من بكى على فقد صديق ، وهناك من انتابه الحزن لرحيل صديق ، أما أنا فحزني يأتي دائماً مختلفاً، فأنا حزين لوجود صديق يعرف جيداً ضحكتي، يعرف أسمي كاملاً، وعنوان داري، ولكنه يجهل من أنا !... مللت من من يعرفوني، مللت من نصف الحقيقة، مللت من عرض وجهي في عيون الأصدقاء، مللت منهم جميعاً، وهربت ... هربت حينما وجدتهم أكثر من الحزن في قلب عربي، يحادثوني كل يوم وأحادثهم، وحينما يطبق الصمت علينا، يعود السؤال الذي لم ينفك مني، ماذا يريدون مني ؟!... فرحي دائماً يأتي السؤال ليمحي كل الأجوبة التي قيلت سابقاً ، فبعض الاسئلة تبدو جميلة في طرحها ولكنها مؤلمة في إجاباتها !... وأجبرني الزمن أن تكون أسوء ذكرياتي هي أجمل ذكرياتي حين رحل بي العمر بعيداً عنها، عاندت نفسي كثيراً وابتسمت في ذكراها ، فعاندني الزمن وأبكاني ببعدها عني !... هذه هي حالي، أخاف أن أفرح لأني أخاف بما سيأتي بعد الفرح، أظل بفرحي مترقباً، خائفاً لدرجة أنني ندمت إني فرحت يوماً !... فللفرح حكايات معي، أتذكرها كلما تعاظم حزني وأغلق نوافذ الأمل، ويوما ما خبأت فرحي في مكان قصي حتى لا يسرقه الحزن ..... ونسيت أين خبأته !... كتابات (1) كتبت لها « قلبي لم ينبض لك ولا أريد أن أجرحك.... وكتبت لي « يكفيني أن قلبك ينبض في صدري!... (2) كتبت : ربما أكون هناك حيث تكون كلماتي فلا تسألوني لماذا أنا حزين .... (3) كتبت ذات يوم عن طفل يتيم عاش في كنف عمه وحلم بقطعة حلوى كالتي مع ابن عمه فضربه عمه، واليوم أجد نفسي وحيداً أجوب الشوارع أبحث عن من أحببته ولم أحلم قطعة الحلوى !.... (4) كتبت ما أشعر به في داخلي وحين قرأت ما كتبت أدرك، إني قد سجنت نفسي في داخلي، وبنيت على باب سجني جداراً عظيماً لا ينفث منه الهواء !... (5) كتبت عن روعة الصداقة وروعة الوفاء وروعة التضحية، وأدرك إني كتبت عن ما لا اعرفه!... (6) كتبت لها حين صمت لساني، وكتبت لها عن شوقي وحبي ، وعن حياتي بدونها ، وعن وحدتي الطويلة، وللأسف ونسيت انها لا تعرف لغتي !..... (10) حين أكتب لم أكن حزينا ولم تكن أحرفي كذلك، وقد كانت الدمعة تتعب كثيراً حتى تصل إلى عيني لم تفارقني البسمة فيما مضى، فقد كان قلبي مرتعا خصبا لها، وكسرني الزمن في غفلة مني أوجعني الالم وأقعدني العجز فلم تستطع السعادة أن تجبر كسر قلبي وتعود بي كما تعودت منها، فالتفت يمينا وشمالا ولم أجد صاحبي، فاستودعت نفسي للحزن بعدما خانني الفرح فحفظ الحزن ودائعه فاستوطنت فيه.... (7) كثيراً ما كذبت على نفسي حتى أصدق أقوال الاخرين، وقررت أن أرحل عن مدينتي، منذ أن رحلت لم يعد أحد يخبئ لي في قلبه الفرح، كما كان عهدي في مدينتي، فعاش معي الحزن مستغل غياب الفرح، حتى نسيت أن أفرح في لحظات فرحي !.