عندما تغافل الغرب في البداية عن تجمع الإرهابيين في مالي ظننت أن في الأمر سراً. لا يمكن أن يُترك بلد ضعيف يستولي عليه هؤلاء الكارهون لكل شيء بما ذلك حياتهم. طافت بي عدة توقعات. من خلال معرفتي بالغرب لا يمكن أن يتسامح بهذه السهولة. حاولت القياس على الصومال المهمل فلم يستقم القياس. تطاحُن الإرهابيين في الصومال الذي يدفع تكاليفه الشعب الصومالي المسكين. الأمر يختلف في مالي. ثمة تداعي للإرهابيين من كل مكان في العالم. على غرار ما يحدث في سورية والعراق اليوم. ظننت وهو ظن أقرب إلى التفكير الرغبوي، أن الغرب قرر أن يتغافل عما يحدث حتى يضمن تجمع أكبر قدر منهم ثم يمسحهم ويزيل شرورهم. في مسألة داعش والنصرة بدا لي الأمر شبيهاً بذلك لولا كثرة التعقيدات التي سببتها المصالح المتشابكة حول القضية السورية. تلحظ من خلال تعليقات العدميين في تويتر واستعداداتهم لاستقبال الحرب على داعش الذي تعده لها واشنطن بالتعاون مع دول المنطقة تلحظ تشابهاً كبيراً مع التكنيك الإعلامي الذي استخدموه في حرب فرنسا على الإرهاب في مالي. خلط الأوراق وعقد المقارنات المغرضة وإعادة تذكير العالم بالصليبيين والصهيونية ودماء المسلمين المهدرة. تأكد العدميون أن العالم مصمم على تدمير داعش فعادوا إلى تكتيكهم الإعلامي الذي طالما حققوا من ورائه مكاسب. كانوا يراهنون على ضعف أوباما وتردد الزعماء الأوروبيين. كما صمموا أحلام يقظتهم على الأقاويل التي تتردد عن الخسائر المالية التي تكبدتها أمريكا في حربيها الخاسرتين على العراق وأفغانستان وما صاحبها من تحليلات تشير معظمها أن أمريكا لم تعد قادرة على خوض حرب جديدة. تصاحبت هذه الآمال مع الانتصارات الإجرامية التي يحققها داعش في العراق وسورية وإعلان البغدادي الدولة التي كانوا يحلمون بها. كل شيء كان يسير وفقا لآمالهم وأحلامهم فتخلوا عن دعم داعش المباشر بل في بعض الأحيان صاروا يوجهون له نقداً هو أقرب إلى النصيحة والتوجيه البناء: كالنصيحة الشهيرة التي قدمها أحد إخوانهم بأن يفعلوا ما يشاؤون بضحاياهم على أن يخفوا هذه الأفعال عن الإعلام. مع تصاعد موجه الاشمئزاز الشعبية التي أثارتها الجرائم التي ترتكبها داعش باسم الإسلام، والخوف من الافتضاح، اضطر العدميون إلى التوقف عن دعم الإرهاب والترويج له بالصورة العلنية الصريحة. صاروا يستخدمون تكنيك الخلط والتباكي. يضعون داعش في سلة واسعة مع أعداء آخرين ( بشار وحزب الله وإيران وروسيا الخ) بهدف إرباك الموقف الشعبي من داعش لإجبار البسطاء أن يكون داعش خيارهم بين السيئين بفرق سنيته. في كل مرة يضعهم الإرهابيون في مأزق كقتل عدد من أفراد حرس الحدود السعودي الأبرياء تجدهم ينتقدون الإرهابيين بطريقة رفيقة ثم يسارعون إلى تبرير عملهم بالتباكي على المدنيين والأطفال الذين راحوا ضحية القصف الأمريكي. في كل نقد اضطروا لقوله ضد جماعات القاعدة في اليمن يصحبونه فوراً بالتنديد بأمريكا وطائرات الدرون التي تقتل الأبرياء. اليوم مع اقتراب الحرب على داعش أصبحنا على موعد مع حملة مشابهة للحملات السابقة بدأت طلائعها في تويتر. لنقرأ هذه التغريدة: (التحالف الدولي ضد دواعش تنظيم الدولة فقط. أما دواعش البراميل المتفجرة ومجازر الحولة وداريا وقصف الكيماوي ومن قتلوا 150 الفاً فليسوا إرهابيين!) رغم فساد المنطق والتشبيه إلا أن هذا التشويش يسهم في بناء تعاطف مع داعش وكأن التخلص من مجرم يعتبر ظلماً إذا لم يتم التخلص من المجرم الآخر. التلاعب بقيمة مقاومة الظلم. ضم هذه الجهات الإرهابية الأخرى لجعل الحرب على داعش غير أخلاقية بل وتستهدف السنة دون غيرهم. في السنة الماضية أخفوا تأييدهم المباشر لداعش والنصرة. فالانتصارات التي يحققها داعش لا تحتاج إلى وقفاتهم المشهودة مع الإرهاب الدولي. سيجدون في دخول الغرب وأمريكا إلى المواجهة فرصة للعودة مرة أخرى للوقوف من دولتهم الشابة. جوهر الدفاع سيكون شيطنة أمريكا وتذكير الناس بالصليبيين والصهيونية لكسب تعاطف العامة لمصلحة الإرهابيين وأخيرا الإساءة لكل حكومة إسلامية تشارك في هذه الحملة.