باتت سرعة تقلب أمزجتنا حالة شبه يومية وروتينية، لا نعلم سببها ولا ماهيتها، فهي تمر بنا ساعة من نهار أو تستمر لعدة أيام، نبتهج بسرعة ونبتئس أسرع، لكنها ما تلبث إلاّ أن تزول لنعود بعدها لطبيعتنا. يطلق غالبية أفراد المجتمع على تقلبات المزاج السريعة ب"نفسية" أو "نفسنة"، أو ربما يشخصها العديد بعد ردة فعل عند طرح أي موضوع أو فكرة مخالفة لرأيه، أو أية سلوك مخالف لطبيعة المحيط به، فالجميع يخشاه خوفاً من سلاطة لسانه أو هدوئه المخيف، وكل ذلك يجعل الناس حذرةً من التعامل معه. لا ننكر أنّ صاحب هذه السمة يتضجر ويزمجر حينما ينتقد، محولاً الموضوع إلى مشكلة لا حل لها، لا يبتسم ولا يختلط بالآخرين، فيفقد المرونة في تصرفاته والموازنة بين أفكاره، مزاجي لأبعد درجة، فلا يستطيع التحكم بعواطفه وعلاقاته، تجده تارةً القريب الصديق وأخرى الشخص الذي لا تعرفه. الضغوط المجتمعية والأسرية وحالة الملل والطقس والرغبة في الانعزال ليست مبررات مقنعة للتنفيس على الآخرين ضغوط وارتباطات واعتبرت "لطيفة الشلاش" -طالبة جامعية- أنّ الشخصية "النفسية" نصف طبيعية ونصف مرضية، فمتى ما زادت حدة المزاج انقلبت إلى مرض يحتاج إلى علاج، فهي تحتاج إلى نوع من أنواع العلاج النفسي والتعامل المثالي، مضيفةً: "إذا كنت أعرف الشخص جيدا باستطاعتي مجاراته، لكن أحياناً قد ينفذ صبري وأقرر أن لا أجاريه؛ فتحدث المشاكل العويصة والخلافات العقيمة، أما إذا لم أكن اعرفه فلست مجبرة على مجاراة أمزجته وتحمل فضاضته ومجاملته، فالأمر يعتمد على قرابته لي". ورأت "عبير السيف" -موظفة حكومية- أنّ طبيعة المزاج المتقلب موجودة في الجميع، فهي تكوين طبيعي لنفسية الإنسان، ففي اليوم الواحد يتقلب مزاج الإنسان أكثر من مرة؛ تبعاً لما يجري حوله من ضغوط وارتباطات قد تدفع الشخص أحياناً للغضب الصامت أو المتفجر، فنحن كبشر كلمة واحدة كفيلة بأن تقلب كياننا من حزين لسعيد أو العكس تماماً، وقد تكون هذه الكلمة مزاجنا طوال الأربع وعشرين ساعة القادمة، فمراعاة الأشخاص مهم جداً وترقب كلماتنا حتى لنعكر مزاج الآخرين أهم. وبيّنت "نوف الجامع" -معلمة أطفال- أنّ الشخص ذو الطقوس الغريبة والتصرفات غير المفهومة وصاحب الشخصيات المتقلبة والذي يعتبر نفسه طبيعي جداً هو انسان غير ناضج، والتعامل معه صعب، ويفضل الكثيرون معاملته كطفل؛ لأنّ الطفل فقط هو الذي ليس القدرة في التحكم بمزاجه، معتبرةً أنّ وجود "المنفّس" في العائلة ضروري؛ لأنّه يضيف نكهة يومية، حيث من الممكن تغيير هذه التعكير إلى لحظات جميلة. حاجز تأقلم ولفت "وليد عبدالله" إلى أنّ سلوك "النفسية" شخصية ربما تعاني من مرض نفسي سواءً كان على شكل قلق أو اكتئاب أو أي مرض نفسي آخر، معتبراً أنّه لا يجب أن نطلق وصف "نفسيّة" على الإنسان المتقلب، فربما عدم قدرته على التأقلم تضع حاجزاً تكيفه مع بيئته، ولا يعاني من أية أمراض أو اضطرابات عقلية، مشيراً إلى أنّ تقلبات النفس ذكرت في القرآن، فهناك: النفس اللوامة والمطمئنة، والأمارة بالسوء، مضيفاً: "أعتقد أنّها جزء لا يتجزأ من تكويننا الفطري، فجميعنا نصاب بها من فترة على أخرى، فلا أظن أنها مرض أو اعتلال". واشتكت "فاطمة سيد" من معاناتها مع زوجها ومزاجه، حيث تجده أحياناً متقبلاً للمزاح، فيما يغضب منها من غير سبب واضح في أحيايين أخرى، مبيّنةً أنّه يميل دائماً إلى تضخيم الأمور وإعطائها أكبر من حجمها تبعاً لنفسيته إذا ما كان متضايقا أو يشعر بالرضى، كما أنّه يتخذ قرارات مصيرية ويعدل عنها في يوم وليلة؛ مما يسبب لها عدم وضوح الأمور التي تهمهم كأسرة واحدة، حيث أصبح فهمه صعب جداً، مضيفةً: "في مرة اتفقنا أن نحزم أمتعتنا لنسافر في رحلة عائلية نحلم بها أنا والأطفال مدة طويلة، ووضعنا حقائبنا في السيارة وجلسنا ننتظر أمره بأن نركب، ليفاجئنا بأنّه عزف عن الذهاب، وألغى الرحلة إلى السنة القادمة من غير سبب، سوى أنّه لم يعد يريد أن يسافر، متجاهلاً بذلك رغباتنا وتعبنا في التحضير". تغيّر مفاجيء وذكرت "فلوة سعد" أنّه كان لديهم زواج ابن عمهم الذي حضروا له منذ أشهر، بجلسات العناية بالبشرة والجسم، ومشاوير البحث عن فستان لائق، ومجوهرات مكلفة، والساعات، وساعات من الانتظار عند المشغل من أجل تصفيف الشعر، وحينما ركبوا السيارة مع إختها أخبرتهم أنّ لن تنزل، ليجن جنونهم، ويبدأ الشجار بينهم في الشارع، مستدركةً: "في الحقيقة لا سبب في ذلك إلاّ أنني لم أعد أرغب بالحضور"، مبيّنةً أنّه من بعدها وهم يطلقون عليها لقب "النفسية". ووصفت "أماني عبدالله" حالة والدتها بأنّها تميل إلى عدم الرضى عن نفسها وذاتها، فتجدها دائماً تعتذر عن المناسبات بحجة مرضها والذي هو وهمي هو الأخر، مرجعةً سبب نفسيتها المضطربة إلى كرهها لشكلها وحجم جسدها، والتي تحاول أن تخسر الوزن الذي تظنه يفسد شكلها، فأحياناً كثيرة تمتنع عن شراء الملابس الجديدة، عذراً من أنّها ستنحف يوما ما، وأحياناً أخرى تقول إنّها لا تريد الذهاب لأنّها لا توجد ملابس لها في الخزانة، وهكذا أعذار غير مفهومة، وإذا ما أحبطت بدأت توجه طاقتها السلبية وكرهها لنفسها نحو أبنائها، فتبدأ تعاير الآخرين بسمنتهم، وما إن تمتنع أو إخوتها عن الأكل تجن وتقلق وتأمرهم بالأكل مرة أخرى، معتبرةً أنّ اضطراب مزاجها يزعجها ويزعج الآخرين. حب الانعزال نوّهت "أريج صالح" -موظفة حكومية- بأنّ العديد يتهمونها بأنّها "نفسيّة"، فتارة تكون الشخص الاجتماعي الذي يفقد إن غاب، ويجلس بصدر المجلس إذا حظر، وتارة أخرى تفضل الانعزال حتى من زوجها أقرب الناس لها، موضحةً أنّه لا سبب في ذلك ولا تستطيع تغيير هذه الحالة، مضيفةً أنّها لجأت في المرة الأخيرة لاستئجار غرفة (15) ليلة في فندق لتبتعد عن الناس، معتبرةً أنّها كانت من أجمل الأيام التي عاشتها وحيدة، لتعود على حياتها الطبيعية بنفسية متجددة؛ مما صدم الجميع. وبيّن "عبدالله العبدالرحمن" أنّ الإنسان وإن كان يجبل على طبيعته، إلاّ أنّ هناك عوامل تساعد على ظهورها، فالطقس مثلاً يؤثر على المزاج، والطبيعة الصحراوية الحارة والشمس الحارقة تجعل الشخص يخرج من طوره، فلا أحد يتحمل درجة حرارة تصل (48) درجة مئوية وما فوق، كما أنّ الازدحام واكتظاظ الناس في المدن وفوضى القيادة والعشوائية بالطرق كفيلة بإخراج الإنسان عن طوره، موضحاً أنّه دائماً يعود بعد الدوام للمنزل بنفسية سيئة لزوجتي وأولادي، والذين ينتظرونه بفارغ الصبر ليصدمهم بتعب وعصبية غير مبرر لها. فيما اشتكى "صالح سليمان" -طالب جامعي- من نعته ب"النفسيّة" في المنزل، حيث أنّ الجميع بدأ يخطئ معناها، ولا يعرف لمن تطلق، موضحاً أنّه إنسان يحب القراءة والمطالعة لكل ما هو جديد، لكنه بلي بعائلة لا تقرأ، وينتقدوه حينما يتحدث، وحيث تصيبه حالة صمت من انتقادهم ينعتوه ب"النفسية". ورأت "هيام إبراهيم" أنّ "النفسيّة" أمر لا يستهان به -خصوصاً مع الخدم-، مضيفةً: "حالنا في البيت يعتمد على مزاج الخادمة، فهي التي تدير المنزل بأكمله من تنظيف وغسيل وطبخ، فمتى ما رضت صلح حالنا جميعاً، ومتى ما نفست انتهت الخدمات، وعليك أداء بواجباتك بنفسك، وموضوعها يتعدى حدود المنزل، فنفسيتها أيضاً تؤثر على السائق زوجها، ويتأثر بنفسيتها، فيحبط هو الآخر، وتبدآ معاناة المشاوير التي لن يقضيها لك غير السائق إذا كان رايق". كارثة مزاجية وكشفت "ابتهال خالد" -ربة منزل- أنّ من أصعب المواقف إذا استيقظ زوجها من النوم فنفسيته دائماً ما تكون سيئة، ويحتاج من ساعة إلى ثلاث ساعات ليستعيد طبيعته، حيث لا يبتسم ولا يضحك، وكأنّه قد تلقى خبراً مزعجاً؛ مما يجعلها تجهز قهوته المرة لتصفي أجوائه، وتحبس الأولاد في غرفتهم خشية أن يتصادم معهم، خصوصاً إذا ارتفعت أصواتهم باللعب، حيث يمكن أن تحدث كارثة مزاجية، مضيفةً: "المصيبة لا تكمن بأنها يومية ومرهقة، بل المصيبة إذا كنت على موعد زيارة مع احد الأقارب فإيقاظه من النوم هم بذاته، والإحراج مع أصحاب الزيارة حيث دائما أتأخر كثيرا على الوقت المحدد". وشددت "غادة حمد" -طالبة جامعية- على مراعاة الجميع لشخص الحاد المزاج وتلطيف الأجواء له، موضحةً أنّها تتحاشى كثيراً التجادل مع أخوها، فهو نفسية ويغضب من أي كلمة تقال له، ويأخذها على محمل شخصي، فدائماً ما تبدأ نقاشاتهما بأحاديث جميلة لتنتهي باستجواب "وش قصدك؟"، مبيّنةً أنّه شكاك وحساس من الكلام، ومع ذلك يحب التصادم، وحينما تصدمه يقلب المكان بالزعيق والغضب، ليغادر المكان "بهوشة"؛ مما يجعل أمهم تغضب منهم جميعاً، مداراة له مع أنّها أكبر سناً منه، إلاّ أنّها لا تريد أحد أن يقول له شيئاً؛ مراعاة لمزاجه، فيما يشاركها الرأي والمدارة والدهما، الذي هو الأخر يحسب لنفسية أخوها ألف حساب وعذره أنّ" الولد وحيد داروه". شجارات تافهة ونوّه "بندر عبدالله" أنّ الجميع يمر بظروف تنكد عليه أو تمنعه من الإستمتاع، موضحاً أنّ هذا الأمر لا بأس ولا خلاف به، بعكس التي تكون من غير سبب، مستشهداً بما يمر على زوجته دائماً، حيث يخرجه ذلك من طوره ويدفعه للتساؤل: هل من الصحي أن يتزوج بشخص متقلب المزاج هكذا؟، مضيفاً: "أنا متزوج منذ خمس سنوات وزوجتي تنتابها لحظات وساعات وأيام من المزاجية الغريبة، فتارة سعيدة، وأخرى غاضبة لا تتحدث، والكثير من الأحيان نتشاجر بتفاهة بسبب هذه النفسية، والتي دائماً ما تبرر لها بأنّها هرمونات أنثوية، الأمر الذي لم يعد عذراً لمزاجيتها السخيفة، فليس من الطبيعي أن نبتدئ يومنا بسعادة وننهيه بشجار". ولفتت "أم طلال" -ربة منزل- إلى أنّه حينما يكون أطفالك جميعم في مرحلة المراهقة تجد نفسك وسط تقلبات مزاجية وتيارات نفسية عنيفة وسط المنزل، موضحةً أنّها تعاني كثيراً مع الإناث ومزاجيتهن، خصوصاً ابنتها الكبرى، فهي جميلة ومرحة ومحبوبة من الجميع، لكن لابد وان يأتيها يوماً تنكفئ على نفسها وتحارب الجميع وأولهم أمها من غير سبب، أو تجد أنه سبب تافهة وغير مبرر لتعزل نفسها، فتجدها تحرص على طريقة معاملتها ولا ترضى بالشدة والحزم معها بحجة أنّها الكبيرة، وتارة أخرى تشن هجوماً لفظياً على أخوتها والسبب أنّه زاد وزنها كيلو أو اثنين، مؤكّدةً أنّ كل هذا لا يعطيها الحق بمعاملة الآخرين بازدراء. نفسية الولادة وأوضحت "أم أماني" -ربة منزل- أنّه عادة نكتشف أننا نحيط حياتنا بالسلبية والتشاؤم والتقليل من قدرنا، حيث نميل وقتها إلى الشفقة على أنفسنا فنجد نفسنا قدر تكدرت، ونضطر من غير قصد إلى نقل هذا السلبية لشخص المقابل لك، مضيفةً: "بعد ولادتي لتوأمي والتغيرات الجسمية انقلبت نفسيتي كثيراً، فتارة أكون المرحة والأم الحنونة مع زوجي وأطفالي، وأخرى غاضبةً متضايقة، خصوصاً حينما أنظر للمرآة أو أكون مدعوة لحفلة ما ولم يكن الفستان بمقاسي بسبب وزني الذي ما زال في ازدياد بعد ولادة أطفالي"، لافتةً إلى أنّ معاملتها للآخرين بغضب تؤثر سلباً على زوجها، فبعد جلسات متكررة معه وتوضيح أمور مزاجها المتقلب اكتشفت أنّها من ينكد على نفسها وعلى مزاجها، وأنّه لا داعي لتلك النفسية السيئة أبداً، مادام الجميع حولها بصحة وعافية. المزاج الطبيعي وقال "د. فهد اليحيا" -استشاري نفسي-: "يتغيّر مزاجنا بحسب متغيرات اليوم أي التفاعلية، وهي من صفات المزاج الطبيعي أو الصحي، ولكن قسم من الناس يتميزون بتقلب المزاج من وقت لوقت أو من يوم ليوم أو حتى أكثر من مرة في اليوم الواحد، وهم ما نقول عنهم (مودي) أو يقول كما المصريون (أبو غزالة) وهكذا"، موضحاً أنّه قبل (30) عاماً كان هذا الاضطراب يصنف ضمن اضطرابات الشخصية، وكان يسمى "اضطراب الشخصية المزاجية-الانفعالية-المزاجية"، وعندما تكون اضطرابات في الشخصية فإنّه يعني إن علاجه صعب أو شبه مستحيل!، ولكن من حسن الحظ إنّه اعتبر من اضطراب من اضطرابات المزاج، وعلاجه يتم بتناول أدوية ضابطة للمزاج أو العلاج النفسي أو كليهما معا.ً وأضاف أنّه قد لا ينتبه للاضطراب من يعاني منه إذ يصعب عليه أن يصفه، وكذلك يفوت على الطبيب النفساني أن يسأل عنه، معتبراً أنّه شائع في مجتمعنا -إلى حد ما-، مستدركاً: "هذا انطباع اكلينكي مما أشاهده في العيادة وليس منهجية دراسات مسحية أو غيرها"، مشدداً على أنّه يجب الفحص النفسي قبل تحديد التشخيص. وأشار إلى أنّه عدا هذا الاضطراب ربما يوصف بعض الناس بأنّه "نفسية" لأنّه توجد شخصيات تتسم بالعصبية أوحدة المزاج أو ضيق الخلق أو سرعة الغضب أو عدم القدرة على التحكم بالانفعال، وهنا أيضاً لا بد لنا من تحديد إما إذا كانت هذه فعلاً سمة تتميز به شخصيته أو أنها نتيجة لاضطراب نفسي، كي لا يبدو واضحاً وصريحا كأن يكون قلقاً أو اكتئاباً أو غيرهما، مشدداً مرةً أخرى على أنّه لا بد من الفحص النفسي الدقيق؛ لأنّها ربما تكون نتيجة لاضطراب في النوم أو كثرة استخدام المنبهات وتبدو كأنها ملازمة لطبيعة المرء، وقد تكون نتيجة للمرور بضغوط حياتية في الجانب الأسري والاجتماعي أو المهني وتختفي عند اختفاء المسببات. عدم احترام آراء الآخرين يؤدي إلى العيش وحيداً ودون أصدقاء عادة ما يكون مضطرب المزاج صدامياً مع الآخرين النفسية يزداد ألمه عند العزلة الغضب بسبب التفسير الخاطيء للأمور صفة «النفسيات»