يتحدث أدب اقتصاد النفط دائما عن ذروة إنتاج النفط وانه على وشك النضوب بعد وصول انتاج الولاياتالمتحدةالامريكية الى قمته في بداية السبعينيات، فكانت الشكوك وعدم اليقين تحوم حول مستقبل النفط وارتفاع اسعاره الى مستويات قصوى بتأثير التناقص او توقف الكميات المعروضة وتدني الطاقات الانتاجية في البلدان المصدرة للنفط، ما حفز على إنشاء وكالة الطاقة الدولية (1974) وإدارة معلومات الطاقة الامريكية (1976) لرفع كفاءة استخدام الطاقة واستخدام بدائل الطاقة الاخرى المتاحة النظيفة سواء أكانت غير متجددة ام متجددة من الذري الى الشمسي. لكن الحديث هذه الايام تحول الى المزيد عن ذروة الطلب "Peak Demand" بعد طفرة النفط الصخري في امريكا التي ارتفع انتاجها بأكثر من 1.9 مليون برميل الى 7.4 ملايين برميل يوميا في 2013 ومنذ عام 2008. فقد ادى نضوج الأسواق الصناعية هيكليا في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والتحسن المستمر في كفاءة استخدامها الطاقة ووجود فرصة تبديل النفط بالغاز الى انخفاض الطلب على النفط على الصعيد العالمي، ما نتج عنه احتمال ظهور ذروة الطلب التي توقعها البعض أن تأتي خلال الخمس سنوات القادمة. ان نظرية ذروة الطلب يمكن تطبيقها على الطلب الأمريكي على النفط الذي شهد انخفاضا قبل ان تعصف الأزمة المالية العالمية باقتصادها. فقد كان متوسط استهلاكها 20.5 مليون برميل يوميا خلال الفترة 2005-2008، والذي انخفض بمقدار 1.7 مليون برميل يوميا او ما نسبته 8.3% الى 18.8 مليون برميل يوميا خلال الفترة 2009-2012 (إدارة معلومات الطاقة الامريكية). وكان هذا الانخفاض نتيجة لنمو الاقتصاد الدوري "Cyclical" أكثر من ان يكون هيكليا، حيث نما استهلاكها من النفط بنسبة 1.7% في 2013، أما على مستوى النصف الاول من نفس العام فقد نما بنسبة 3.2%، وعلى مستوى الربع الاخير من نفس العام بنسبة 3.8%، وكان إجمالي الطلب في الأسبوع الذي بدأ في 13 ديسمبر قريبا من 21 مليون برميل يوميا، والأعلى منذ ست سنوات تقريبا. وهذه الارتفاعات مرتبطة بارتفاع النمو الاقتصادي الامريكي، ما يشير إلى ان ذروة الطلب مازالت فكرة قائمة وتعتمد على النمو الاقتصادي ومستوى الامدادات النفطية، حيث ساهم انخفاض الإمدادات في ليبيا وإيران في استقرار الاسعار في عام 2013 ولكن عودة امداداتهما الى ما كانت عليه سوف يخفض الاسعار في الاجل القريب. ان فهم دينامكية سوق النفط ضروري لمعرفة ما اذا كانت ذروة الطلب على النفط قريبة اما لا. فلو قارنا معدل الطلب العالمي على النفط في عام 2000 مع عام 2013 لوجدناه قد زاد بمقدار 15.2 مليون برميل يوميا أو 20%، وهذا حدث على مدى 13 عاما. لكن لو قارنا النمو السنوي من عام 2005 حتى عام 2013، للاحظنا ان متوسط معدل النمو كان 1.1% أو ما يعادل مليون (1) برميل يوميا، وهذا يؤكد ان نمو الطلب في حالة من الثبات وقد يبدأ في الاستقرار ثم الانخفاض في السنوات القادمة. وقد كان متوسط اسعار غرب تكساس في السنوات الاخيرة من عام 2010 وحتى عام 2013 ما يقارب 92 دولارا، ما يشير الى ان بقاء الاسعار فوق 100 دولار لمدة أطول سيسرع من وصول الطلب الى ذروته، بينما بقاء الاسعار في نطاق 90 دولارا سيكون داعما لاستقرار الطلب دون وصوله الى ذروته. بالتأكيد ان ذروة الطلب على النفط قد بدأت ولم يتبق إلا تحديد طول الفترة التي سوف يبدأ بعدها الطلب في التناقص. وعلى اصحاب القرار في البلدان الخليجية المصدرة للنفط، ان تأخذ في الحسبان معدل الحسم لكي تختار بين بيع اكبر كمية من نفطها في المنظور المتوسط او المحافظة على سياساتها الحالية لتبقى كمية كبيرة من نفطها تحت الارض للاستهلاك والصناعات المحلية وقد يكون على حساب ميزانياتها.