مازال البعض يعيش في الماضي يحلل نظرية (هوبرت) ذروة إنتاج النفط Peak of oil production وكأنه في عزلة عما يجري في العالم من تطورات تقنية وبدائل أخرى رفعت من كفاءة استخدام الطاقة وكذلك إنتاج المزيد منها. هؤلاء يحتاجون إلى تحديث معلوماتهم فقد سبقهم الزمن، فالحديث اليوم عن ذروة الطلب Peak of oil demand ولم يعد عن ذروة الإنتاج أو نضوب النفط، بعد أن بدأت مؤشرات ذروته تظهر على المديين المتوسط والطويل. إنها نظرية العصر، فمازلنا نتذكر منذ عقود أن إنتاج النفط العالمي سيصل إلى ذروته وأن الأسعار سترتفع بشكل حاد وقد تفوق 200 دولار للبرميل. ولكن مازالت الاكتشافات وعمليات التكسير والحفر في قيعان البحار مستمرة كمصادر جديدة للوقود الأحفوري التقليدي وغير التقليدي والأسعار في نطاق 100 دولار. أما الآن أصبحت تقارير الطاقة تتحدث بكثرة عن اقتراب ذروة النفط من الاتجاه المعاكس (الطلب)، حيث توقعت سيتي جروب في (26 مارس 2013) أن الطلب على النفط يقترب من نقطة اللاعودة وقد يصل إلى مستوى ذروتة بحلول 2020. فعندما ننظر إلى مستوى الطلب خلال الفترة 2009 إلى 2012 نجد أنه ارتفع من 85.4 مليون برميل يومياً في 2009 إلى 88.1 مليون برميل يومياً في 2010 ولكنه ارتفع بعد ذلك إلى 89.8 مليون برميل يومياً في 2012، أي بفارق 1.7 مليون برميل يومياً أو بنسبة 2% وهذا نمو متدنٍ. كما لم تشهد الفترة السابقة ارتفاعات كبيرة في الأسعار حتى تمارس ضغوط على الطلب العالمي، حيث بلغ متوسط أسعار غرب تكساس خلال نفس الفترة ما بين 62 و 95 دولارا وبرنت ما بين 62 و 112 دولاراً، وإنما من الواضح أن الطلب العالمي على النفط بدأ يقترب من ذروته. رغم ان معدل نمو استهلاك النفط في آسيا تضاعف ولكنه عوض النقص في طلب الولاياتالأمريكية ومازال إجمالي الطلب العالمي قريباً من نفس المستويات السابقة، مما يجعلنا نتوقع أن يكون اتجاهه العام أفقياً. رغم أن هذا الموقف يتعارض مع تنبؤ "وكالة معلومات الطاقة الأمريكية"، التي ترى أن الطلب العالمي سيرتفع إلى 98 مليون برميل يومياً في 2020 وإلى 112 مليون برميل يومياً في 2035. لكن هذه التنبؤات قد تتغير مع ارتفاع كفاءة استهلاك الوقود في المركبات والاستعاضة بالغاز الطبيعي بدلاً من النفط في بعض القطاعات الاقتصادية التي كانت تستخدمه تاريخياً، بما في ذلك المركبات الخفيفة والنقل البحري والسكك الحديدية، وسيلعب مستوى الأسعار دوراً هاماً في تحديد سرعة الانتقال من النفط إلى المصادر الأخرى. كما أننا لا نستطيع تجاهل تغير هيكل مرونة الطلب في الولاياتالمتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم وتجاوبه مع ارتفاع الأسعار عكسياً، ولا استخدام الغاز كلقيم للبتروكيماويات ووقود لتوليد الكهرباء في الشرق الأوسط، كمحاولة للدول المنتجة زيادة صادرتها من النفط. كما أن الصين بدأت تغير من إنتاجيتها الصناعية ذات الكثافة العالية لاستخدام النفط إلى قطاعات أخرى أقل كثافة لاستخدامه دون المساس بمكونات نموها الاقتصادي. علماً أن النقل مسؤول عن 60% من الاستخدام العالمي للنفط، ولكن التغييرات الهيكلية في استعمال الطاقة سيكون لها أثر كبير على الاستهلاك العالمي. ففي الولاياتالمتحدة تم الاتفاق مع مصنعي السيارات على تحقيق كفاءة اقتصادية لاستهلاك الوقود بمتوسط 54.5 ميلا لكل جالون من الوقود وذلك بحلول 2025، مما يكفي للحد من الطلب بنسبة كبيرة على حساب وارداتها من النفط. إن ذروة النفط انتقلت من جانب العرض، كما تنبأ البعض بذلك في السبعينات إلى جانب الطلب. ولكن أحد العوامل التي يمكن ان يغير ذروة الطلب هو الانخفاض الكبير في الأسعار مع ارتفاع معدلات الإنتاج. فلا تصدق مقولة (احتفظ بالنفط في باطن الأرض للأجيال القادمة).