يُعد الإرهاب، ظاهرة أممية تسببت ومازالت في الكثير من الأزمات والصراعات التي فتكت بالأمم والشعوب والمجتمعات، قديماً وحديثاً. وبعيداً عن الخوض في فخاخ التعريفات والمصطلحات، يُشكل الإرهاب، اعتداءً صارخاً على كل القيم والحقوق التي نسجت وأطّرت العلاقات الإنسانية القائمة على مبادئ التسامح والتصالح والتوافق وغيرها من القيم والممارسات والركائز التي تُعزز ثقافة العيش المشترك، واحترام حقوق الإنسان، وتغليب سيادة القانون، وإشاعة روح المواطنة الحقيقية، بين مختلف مكونات وتعبيرات المجتمع. الإرهاب، طاعون العصر، وطوفان الحقد والكراهية، لا يجب أن يُترك لكي يتمدد ويُسيطر، لأنه سيُدمر المنطقة، بل العالم بأسره، ولن يُوفر ساحة إلا ويُمارس فيها هوايته الشيطانية بإشاعة الفوضى والدمار. الإرهاب، سرطان العصر الذي لابد من القضاء عليه في بداياته، قبل أن ينتشر في كل جسد العالم، كل العالم. وبالعودة للتاريخ، فقد استطاع الإرهاب بكل صوره وأشكاله ومستوياته، أن يُشعل الفتن ويُدمر الأوطان ويُقسم المجتمعات، لأنه تسونامي بغيض، تقوده جماعات خارجة عن كل الأعراف والقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية. الإرهاب بكل تفاصيله القذرة، يُمثل حالة مختلطة من الجنون والتطرف والانحراف والوحشية. ولكن، كيف ينشأ ويترعرع ويتضخم الإرهاب، خاصة في محيطنا العربي والإسلامي؟. وهنا، لا يجب أن نُلقي باللوم فقط، على المؤثرات والارتدادات الخارجية، ونُهمل العوامل الداخلية كالتعليم الذي يُحاول البعض اختطافه منذ سنين طويلة، وخطاب الكراهية الذي يُمارسه العديد من الرموز والشخصيات، والإعلام المؤدلج الذي يُحرض على العنف والغلو والتطرف، والكثير الكثير من التفاصيل، الكبيرة والصغيرة، التي تصنع بيئة حاضنة للإرهاب. وبشيء من الاختصار والمباشرة، لقد استطاع الإرهاب أن يطل برأسه البغيض، نتيجة حدوث بعض الخلل والاضطراب والالتباس في بنية الفكر والوعي الجمعي، مما تسبب في تمظهر فكر الغلو والتطرف والتوحش، والذي أدى إلى تشكل ظاهرة الإرهاب بكل تنظيماتها المتشددة وتعبيراتها المنحرفة. وللإرهاب، صور وجوانب ومستويات متعددة، كالإرهاب الذي يقوم به أفراد، أو الإرهاب الجماعي الذي تقوم به جماعات غير منظمة لتحقيق بعض الأهداف، أو الإرهاب الذي تقوم به جماعات منظمة تُديرها وتمولها مؤسسات ودول، وهناك إرهاب دولي تُمارسه دولة أو عدة دول. يبدو أن الوقت قد حان، لكي نُعلن جميعاً دولة ومؤسسات ومكونات وأفرادا حالة الاستنفار القصوى، ضد هذه الظاهرة الخطيرة التي تُهدد أمن وسلامة واستقرار الوطن، بل كل الأوطان. لقد مررنا بتجربة مريرة مع الإرهاب، ونجحنا، ولله الحمد بالقضاء عليه، ولكنه أي الإرهاب كالحرباء يتلون ويتحور، ويستغل النقاط والجوانب الضعيفة والرخوة في جسد الأمة. لذا، نحن بحاجة ماسة، لأن نُحصن جبهتنا الداخلية، من خلال التأكيد على قيم العدالة والتسامح والشراكة والمواطنة، ونبذ كل أشكال الطائفية والعصبية والقبلية والفئوية.