ثمة علاقة عميقة بعضها ذاتي واغلبها موضوعية بين ظاهرة التطرف والغلو والتشدد والإرهاب، وبين المشروعات الأجنبية التي تستهدف إسقاط منطقتنا ومجتمعاتنا في أتون الصراعات الداخلية التي تدمر النسيج الاجتماعي وتجعل الكل يخاف من الكل، ما يوفر للمخططات والمؤامرات الأجنبية كل فرص الهيمنة والسيطرة على مقدرات بلداننا والتحكم في مصائرها الراهنة والمستقبلية. ولاشك أن ظاهرة التطرف والإرهاب هي من الظواهر المجتمعية المركبة، التي تعجل في تدمير البنية الاجتماعية الداخلية لأي بلد، وحينما تتدمر البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأي بلد عربي وإسلامي، فإن قدرة الأجنبي في الهيمنة والسيطرة تصبح سهلة ويسيرة؛ لأن التطرف والإرهاب، يوجه كل البوصلات نحو الداخل، وكل طرف داخلي بفعل التطرف والإرهاب، يرى في الطرف الآخر هو عدوه الحقيقي الذي يجب محاربته والقضاء عليه. ولاضير في سبيل القضاء على هذا العدو من الاستعانة بقوة الأجنبي وخبراته وبطشه للتخلص من العدو الداخلي. تعلمنا العديد من التجارب أن الصمت إزاء التطرف والإرهاب للقبض على مصلحة مرحلية وآنية، سيؤدي إلى انقلاب المتطرفين على من صمت إزاءهم. لأن التطرف بكل عناوينه مثل النار تأكل الأخضر واليابس، وإذا لم تجد شيئا لأكله، فإنها ستقوم بأكل القريب منها والمهادن إليها. لأن النزعة الانشقاقية على قاعدة الشرعية ومدى الالتزام بالبدهيات والمسلّمات، ظاهرة ملازمة لظاهرة التطرف وهذه الممارسة هي التي تُدخل الجميع في أتون الدورة الجهنمية التي لا تبقي حجرا على حجر، وتدمر كل أسس ومرتكزات الاستقرار الاجتماعي والثقافي في أي بلد وبيئة إنسانية. لذلك ثمة علاقة عميقة وحقيقية تربط بين ظاهرة التطرف والغلو، ومخططات الأعداء ومؤامراتهم. وهذه العلاقة تارة تكون ذاتية بمعنى أن أجهزة الأجنبي هي التي تقوم بصنع بعض الحالات والوجودات المتطرفة، بحيث تكون هذه الوجودات بمثابة الذراع والقاعدة المتقدمة لتنفيذ مخططات الأجنبي في تضعيف الداخل العربي والإسلامي، وإسقاطه في دوامة العنف والعنف المضاد، وتدمير نسيجه الثقافي والاجتماعي. وفي كل الحالات تكون العلاقة بين التطرف والأجنبي علاقة موضوعية.. بمعنى أن المستفيد الأول في نمو ظاهرة التطرف والإرهاب في أي بيئة اجتماعية هو الأجنبي ومخططاته ومؤامراته. لأن ظاهرة التطرف تفضي إلى انهيار أسس التعايش بين مكونات المجتمع والوطن الواحد، بحيث يعيش المجتمع الواحد حالة من انعدام الوزن على مختلف المستويات بحيث يرى كل شريك وطني في شريكه الوطني الآخر هو الخصم والعدو، وتسقط بفعل عقلية التطرف والعداء المستحكم كل الضوابط الأخلاقية والقيمية، فيتجه جميع أهل التطرف والإرهاب إلى الأجانب لمساعدتهم ومدهم بأسباب القوة للقضاء على عدوهم الداخلي. فما يريده الأجنبي في كل الأوقات هو ضعفنا واهتراؤنا الداخلي، وغياب أدنى مستويات الثقة بيننا، فيأتي التطرف ومتوالياته النفسية والاجتماعية والسلوكية لتحقيق كل ما يحلم به الأجنبي في كل بلداننا العربية والإسلامية. لذلك يقال إنه في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي في إطار منع إسرائيل الولاياتالمتحدةالأمريكية من تطوير علاقتها بعصر الناصرية أن وزير الدفاع الإسرائيلي في عام 1954م (بنحاس لافون)، رعى شبكة تجسس من يهود مصر من دون معرفة رئيس الوزراء (موشي شاريت)، وذلك للقيام بأعمال إرهابية وتخريبية تطاول المصالح الأمريكية في مصر. وذلك من أجل تقوية البرنامج الراديكالي في الناصرية على حساب برنامجها الثاني في تطوير العلاقات مع الغرب. والإسرائيلي كان من مصلحته منع تطور أي علاقة مصرية - غربية وتوسل بخلايا تجسسية تقوم بأعمال إرهابية لإبقاء العلاقات الغربية المصرية متوترة وأقرب إلى حالة الخصومة والعداء منها إلى الصداقة والتعاون. وتم اكتشاف الشبكة وأعدم اثنان من أفرادها وحكم على الآخرين بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، واستقال وزير الدفاع (لافون) من منصبه بعد اكتشاف حقيقة الأمر والمخطط. وهذه الحادثة وغيرها تكشف عن حقيقة أن ظاهرة التطرف والتي تقود إلى ممارسة الإرهاب هي موضوعيا لا تخدم إلا مخططات الأجانب في السيطرة على مقدرات ومصائر البلدان العربية والإسلامية. لذلك ثمة تحالف موضوعي بين التطرف بكل صوره ويافطاته وعناوينه وأيدلوجياته، وبين الأجهزة والمؤسسات الأجنبية التي تعمل ليل نهار للسيطرة على بلداننا والتحكم في مصائرها وراهننا ومستقبلنا. لذلك فإن الوقوف ضد التطرف والإرهاب، هو وقوف ضد الأجنبي ومحاولاته في السيطرة علينا. ولا يمكن على المستوى العملي من مقاومة الأجنبي، دون مقاومة ومجابهة كل محاولات إسقاط المنطقة والمجتمعات العربية والإسلامية في أتون النزاعات والصراعات الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية؛ لأن طريق التحرر من ربقة وهيمنة الأجنبي، هو في تعزيز وحدة وتضامن مجتمعاتنا بكل مكوناتها وتعبيراتها. أما إذا سقطت مجتمعاتنا من الداخل في أتون الحروب الداخلية العبثية، فإن سيطرة الأجنبي على مقدراتنا تصبح تحصيل حاصل. لأنها هي النتيجة الطبيعية لتفتت مجتمعاتنا من الداخل. ولا ريب أن معول التطرف والإرهاب هو أمضى الأسلحة وأفتكها في تخريب البنية الداخلية لمجتمعاتنا العربية والإسلامية. من هنا فإن محاربة التطرف بكل عناوينه والإرهاب بكل يافطاته من الضرورات الوطنية والأخلاقية والدينية والقومية. لأنه لا يمكننا أن نحافظ على ثوابت أوطاننا ومقدساتنا الدينية بدون مجابهة نزعات الغلو والتطرف والإرهاب. كما أن تحررنا الفعلي من ربقة الأجنبي ومؤامراته على وجودنا العربي والإسلامي في هذه اللحظة التاريخية مرهون بقدرتنا على التخلص من آفة التطرف والإرهاب. لذلك فإن كل جهد يبذل في سبيل تجفيف منابع الإرهاب والحؤول دون انتشاره، هو جهد يعزز استقلال البلدان العربية والإسلامية، وقدرتها على مواجهة كل المخططات والمؤامرات. وإن الصمت على ظاهرة التطرف والإرهاب، سيفضي إلى نتائج كارثية على مستوى تماسك مجتمعاتنا العربية والإسلامية من الداخل، كما أنه سيؤدي إلى دخول جميع البلدان في أتون الحروب والمعارك العبثية التي تنهي المكاسب وتؤسس لأزمات مستحكمة في حاضرنا ومستقبلنا. وتعلمنا العديد من التجارب أن الصمت إزاء التطرف والإرهاب للقبض على مصلحة مرحلية وآنية، سيؤدي إلى انقلاب المتطرفين على من صمت إزاءهم. لأن التطرف بكل عناوينه مثل النار تأكل الأخضر واليابس، وإذا لم تجد شيئا لأكله، فإنها ستقوم بأكل القريب منها والمهادن إليها. لأن النزعة الانشقاقية على قاعدة الشرعية ومدى الالتزام بالبدهيات والمسلّمات، ظاهرة ملازمة لظاهرة التطرف، فالجماعات المتطرفة لا تبقى موحدة لاعتبارات متعلقة بطبيعة الفكر والخيارات المتطرفة، وبعضها الآخر لقدرة بعض الأجنبي من السيطرة على بعض الحالات والوجودات المتطرفة. فعلى المستوى الحقيقي والفعلي لا رابح حقيقياً من التطرف والإرهاب إلا الأجنبي الذي يتطلع باستمرار إلى ضعفنا وإسقاطنا في أتون الحروب والمعارك الداخلية. فلا خيار حقيقياً للجميع على مستوى الداخل العربي والإسلامي، إلا بمجابهة خيار التطرف والإرهاب، لأن سيادة هذا الخيار ستفضي إلى انهيار العالم العربي والإسلامي من الداخل.. كما أنه من أجل وحدتنا كعرب ومسلمين، ومن أجل بناء استقلالنا من هيمنة الأجنبي، ومن أجل بناء واقعنا العربي والإسلامي على أسس العدالة والمساواة، تعالوا جميعا نحارب الإرهاب والتطرف، ونبني حقائق الاعتدال والتسامح والوسطية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية..