استوقفني في المحطّة الأخيرة لمشوار "المشي" الصباحي في قرية (السقا) بسودة عسير قائلاً : " فسّر عن ذرعانك " في المحكي النجدي تُقال مثل هذه الجملة لاستفزاز الشخص الكسول ودفعه للعمل لكن صاحبنا لم يك يعني هذا المفهوم حيث أردف : " ارفع أكمامك واكشف عن ساعديك للشمس ". كان هذا مدخلا كافيا لبدء حوار مع رجل ملتح يقف أمام البناية التي أقطن فيها هُناك. حين رأيت بأن الحوار سيطول وكنتُ في مزاجٍ يقبل الاستماع لأي شيء بعد ساعة التريّض فدعوته للجلوس في مكتب الاستقبال واستكمال الحديث. تحدث الرجل عن فوائد المشي ثم عرج على سوء نظافة المتنزهات في السودة ولم يترك جهازا حكوميا إلاّ وأعاب خدماته المعطوبة (حسب قوله) ثم تحدّث عن ضياع شبابنا فسألته بهذه المناسبة عن "داعش" والتحاق بعض المخدوعين بذلك التنظيم الإرهابي المتوحش؟ قال دون تردد : أُخالفك القول بأنه تنظيم إرهابيّ فأنا أحترم فكر داعش ومُعجب بما حققه..!! .... مثل ماذا يا شيخ؟؟ قال: "يقولون" إن داعش يوزع البنزين مجانا على الناس في الرّقة (منطقة خاضعة لسيطرتهم الدموية). .... من هم الذين يقولون ؟؟ قال : جاري أبو (فلان) مصادره موثوقه..! .... ولماذا لا تذهب أنت وتجرّب الحياة هناك مادام البنزين مجانا؟ ضحك ولم يُجب..! .... هل تعرف - لو لا قدّر الله- وكنّا تحت حُكم داعش ما الذي سيحدث لزوجتك وبناتك؟ بل ربما نحروك أنت كالخروف وعلّقوا رأسك في "سوق الثلاثاء" بأبها؟ قال : هذه أكاذيب الإعلام الذي ضخّم أخطاء "الإخوة" وشوّه صورتهم خدمة للغرب والصهيونية. .. طيب، هل تعرف قيمة الأمن في البلاد وأن الانفلات الأمني يعني اضطراب المجتمع وإشاعة الفوضى ومن ثم بداية الانهيار؟ قال : هذا أنتم، تخوّفون الناس بفقدان الأمن وتنسون بأن تطبيق الشريعة كما يفعل داعش كفيل باستتباب الأمن..! .. وهل المناطق التي يحتلها داعش حالياً تعيش استقرارا يأمن الناس فيه على أرواحهم وممتلكاتهم؟ ألا تعرف ماذا حدث للأيزيديين والمسيحيين العراقيين وكذلك للمسلمين من السنة في الموصل والرّقة وغيرها ؟ ( لا جواب) بل بادر بالقول: يا أخي أنا أعذر الشباب بانضمامهم لداعش وغير داعش، حين يرون التهميش والفساد وتبديد الأموال العامة بغير وجه حق أكيد بينقهرون، ألا تعرف بأن كل وكيل وزارة في الأجهزة الحكومية تمنحه الدولة (10) ملايين ريال كل سنة لتحسين الأوضاع ..! .. كأنك تعطي أعذاراً للشباب المخدوع وتبرر جرائمهم. ثم إنكم كنتم تقولون بأن خروجهم كان للجهاد ونصرة المظلومين من المُسلمين لماذا تغير السبب فجأة؟ ومن قال لك بأن كل وكيل وزارة يحصل على عشرة ملايين؟ قال : "يقول" جاري بأن ابن جاره وكيل الوزارة يلعب بالفلوس لعب. عذرت بعدها أبا حنيفة حينما مدّ رجليه.