تحوّل عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص إلى ظاهرة يحتج بها المستفيدون من إعاقة الشباب السعودي عن دخولهم للسوق، بعد أنّ كان مجرد تهمة أطلقها معارضو "توطين الوظائف"، إلاّ أنّ الناظر في الواقع يكتشف الأسباب التي أدت إلى ذلك، حيث أنّ بعض المؤسسات والشركات استخدمت السعودة كغطاء للحصول على المزيد من تأشيرات الاستقدام، وحتى تضمن دوام ذلك لجأت إلى "تطفيش" كثير من الموظفين السعوديين لديها، إما بعدم منحهم أجوراً مجزية، أو زيادة ضغوط العمل عليهم، أو تكليفهم بمهام تدفعهم لتقديم الاستقالة، لتعود تلك الجهات بالدندنة على وتر قلة إنتاجية الشاب السعودي وعدم انضباطه. وعلى الرغم من جهود وزارة العمل في توطين الوظائف، إلاّ أنّ بعض الشركات والمؤسسات لجأت إلى حيلة بتوظيف وافدين وإلزامهم بالتقيد بالزي السعودي، خصوصاً في واجهات المحال التجارية، مبررين ذلك بعزوف الشباب عن العمل في هذه الوظائف بذريعة الهرب من النظرة الاجتماعية لهم، فيما يطالب الشباب بمنحهم فرصاً أكبر وفتح مجالات العمل بشكل أوسع في الأعمال التجارية، وعدم تقييدهم بالعمل في حلقات الخضار والمطاعم، وكان العديد من الشباب قد نجحوا بمشروعاتهم الخاصة، وأصبحوا أنموذجاً يحتذى به في العمل الحر، الذي يوفر مدخولاً يفوق ما يتلقاه الموظف، ويمكن الشاب من ابرام صفقات قد يحصل فيها على أرباح كبيرة، كما أنّه لا يتقيد بدوام محدد. رفض التوظيف ذكر "منصور الرفاعي" أنّ بعض المحال التجارية لا ترغب في توظيف الشاب السعودي، رغم قرارات وزارة العمل التي تطالب بتوطين الوظائف في جميع القطاعات الخاصة، وإذا قبلت به على مضض فإنّها تضعه أمام أمرين أحلاهما مر: إما أن يقبل بالأجر القليل والساعات الطويلة من العمل، أو "يضرب الباب"، موضحاً أنّها أحياناً يكون الوافد مسؤولاً عن مؤسسة يخبر المتقدمين للوظائف أنّهم غير أكفاء للعمل! رغم نداءات توطين الوظائف مازال الطلب على الوافد مرتفعاً أسلوب تطفيش وبيّنت "نوف الزهراني" -موظفة قطاع خاص- أنّ بعض المؤسسات والشركات لا ترغب في الموظف السعودي، موضحةً أنّ نسبة كبيرة من العاملات في المحال التجارية غير سعوديات، وقد تحايل بعض أصحاب المحال على قرار التأنيث بتوظيف نساء من جنسياتهم، لافتةً إلى أنّ بعض المؤسسات التجارية لا تقدم للموظف أمناً وظيفياً، ولا تعطيه الأجر الذي يستحقه ويتناسب مع حجم الجهد وساعات الدوام، معتبرةً ذلك أسلوب "تطفيش" غير مباشر؛ لأنّ المواطن عندما يجد زملاءه غير السعوديين يأخذون أجراً أعلى منه وبجهد أقل يشعر بالغبن والظلم، وهذا قد يدفعه للاستقالة من العمل أو الإهمال والتقصير، وبذلك يتم فصله وإنهاء خدماته. سعودة مزيفة ورأى "فواز القرني" أنّ بعض الجهات جعلت من توظيف الشباب السعودي جسراً للحصول على المزيد من تأشيرات الاستقدام، حيث أنّ هؤلاء لا يهتمون باستمرار من يوظفونه، ولا يقدمون له أجوراً مجزية، ولا يحرصون على تشجيعه للبقاء، متمنياً لو قارنت وزارة العمل بين رواتب العاملين في القطاع الخاص، ودراسة رواتب المواطنين والوافدين، خصوصاً المؤهلين وأصحاب الشهادات العليا، معتبراً أنّ التوطين في غالب الشركات والمؤسسات مجرد "غترة وعقال"، إذ أنّ معظم العاملين غير سعوديين لكن يختفون وراء الزي الوطني. نظرة قاصرة واستطاع "عدنان فقيها" أن يثبت وجوده في العمل الحر، من خلال الاتجاه لمجال صناعة الحلويات والمعجنات، وبدأ بمشروع صغير، ومع الأيام والمثابرة أصبح له عدة فروع في جدة، مطالباً الشباب أن يتجهوا للأعمال الحرة، وينفضوا عنهم عائق الكسل، ويتجاوز النظرة الاجتماعية القاصرة، فما زال هناك الكثير من الأعمال التي يحتكرها الوافدون، والتي تدر أرباحا كبيرة، ولا تحتاج إلى خبرة كبيرة بقدر ما تحتاج إلى صبر، ومثابرة، وتصميم، مبيّناً أنّه سيدرك الكثير من الشباب لو توجهوا للعمل الحر مدى ما سيجنونه من مكاسب ونجاح، ولن يكون في شبابنا عاطلاً، أو من يستجدي الوظيفة ويبقى على رصيف الانتظار زمناً قد يطول أو يقصر. د. أنور عشقي م. جمال برهان الجنسية الواحدة وطالب "م. جمال برهان" بضرورة توظيف كل العاطلين من الشباب؛ لأنّ هذا سيحميهم من الوقوع في مصيدة الجماعات الضالة، سواءً كانوا رفقاء سوء أو غيرهم! منوهاً بضرورة أن يكون للقطاع الخاص دور في احتواء الشباب، مع مراعاة أن يجد الشاب السعودي الأجر المناسب له ليستمر في العمل، مشدداً على ضرورة الحد من الأعذار الواهية التي يرددها القطاع الخاص بأنّ الشاب السعودي غير مواظب وغير منتج، معتبراً أنّ هذه حجج لا أساس لها من الصحة؛ لأنّ الشباب السعودي أثبت اهتمامه وإنتاجيته في الكثير من القطاعات متى ما توفر له المناخ الوظيفي المريح. وأضاف أنّه يجب أن لا يتوقف الشاب عند انتظار الوظيفة، وأن يوظف إمكاناته في مجالات العمل الحر، وأن لا يخجل من العمل في بعض الأعمال، وأن لا يلتفت لنظرة المجتمع؛ لأنه سيجد في العمل الحر مكاسب تفوق مكاسب الوظيفة، مؤكّداً على ضرورة أن تكون مكاتب العمل بحماس وزير العمل في متابعة عملية التوطين، خاصةً في المؤسسات التجارية الكبيرة ومحال العطور والذهب وغيرها، موضحاً أنّ ظاهرة الجنسية الواحدة في عدد من المحال توحي بشك في وجود شبهة التستر، وهذا ربما من الأسباب التي تعيق توطين الوظائف. السعودة في بعض محال الذهب مجرد غترة وعقال أعمال حرة وأكّد "د. أنور عشقي" -مدير مكتب الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية- أنّ الأعمال الحرة مختطفة من السعوديين في الكثير من المجالات، وهذا ناتج لعدة أسباب، من أهمها: أنّ هيئة الاستثمار ارتكبت خطأ فادحا بفتح باب الاستثمار في المشروعات الصغيرة لغير السعوديين، وهذا ما يحاول وزير التجارة وهيئة الاستثمار الآن إصلاحه وعودة الأمور لمسارها الصحيح، بالإضافة إلى أنّ بعض السعوديين يستخرجون سجلات تجارية ويكلفون وافدين بالعمل فيها؛ لهذا لا يحصل المواطن إلاّ على الفتات، موضحاً بأنّه يجب أن تكون لدى الشباب السعودي توعية بأهمية العمل الحر، وأن يباشروا بأنفسهم العمل التجاري بكل مجالاته؛ لأنّ هذه الأعمال تدر دخلاً يفوق دخل الوظائف مهما كانت أجورها، ويجعل للشباب السعودي حضورا ملموسا في السوق ومجالات الاستثمار.