كان مصدرو الحبوب الفرنسيون متفائلين كثيرا قبل بضعة أسابيع بموسم الحصاد. وقد دعمت وزارة الزراعة الفرنسية قبل أيام بالأرقام هذا التفاؤل فأكدت أن فرنسا تظل أول منتج للحبوب على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، وتوقعت أن يبلغ حجم الإنتاج الفرنسي من القمح في أعقاب موسم الحصاد الجاري الذي يوشك على نهايته 37 مليون طن أي بمعدل 75 قنطارا للهكتار الواحد، وهي نسبة أفضل مما كان عليه الأمر خلال الموسم الماضي. أما فيما يخص إنتاج الذرة التي تعد ثاني الحبوب المستهلكة في العالم، فإن وزارة الزراعة الفرنسية توقعت أن يبلغ حجم الإنتاج في فرنسا هذا العام 15 مليونا و400 ألف طن، أي بزيادة قدرت نسبتها ب3% على إنتاج العام الماضي. ولكن الشهادات التي استقيت خلال الأيام الأخيرة لدى غالبية منتجي القمح الفرنسيين تلح كلها على سوء جودة القمح المعد لصنع الخبز بسبب الظروف المناخية. فقد كان الشتاء دافئا ولكن بداية الصيف الحالي شهدت تعاقب عدة عوامل مناخية أثرت سلبا في جودة قمح المطاحن منها تعاقب فترات الحرارة المرتفعة من جهة والمنخفضة من جهة أخرى بنسق سريع، وتزايد نسبة الرطوبة في مزارع القمح جراء هطول أمطار غزيرة تسببت في إنبات حبات سنابل القمح الجاهزة للحصاد، وأدى كل ذلك إلى التأثير سلبا في مواصفات القمح المخصص لصنع الخبز ومنها مثلا نسبة البروتينات والأنزيمات الذوقية التي ينبغي أن تتوافر فيه. والواقع أن تدهور جودة القمح الفرنسي هذا العام بسبب سوء الأحوال الجوية يطرح عدة إشكالات بالنسبة إلى المنتجين وإلى المطاحن الفرنسية، فهذه المشكلة تضطر المنتجين إلى تسويق جانب مهم من هذه القموح باعتبارها أعلافا حيوانية لا كونها مواد غذائية مخصصة للإنسان. ومن ثم فإن الأمر سينعكس سلبا على مداخيل المنتجين نظرا لأن سعر الطن الواحد من القمح المعد للاستهلاك البشري يتراوح اليوم بين 154 و170 يورو بينما يقدر هذا السعر بالنسبة إلى القمح المعد لتغذية الحيوانات بين 110 و120 يورو للطن الواحد. وكان منتجو قمح المطاحن الفرنسيون يعولون كثيرا على عدد من الأسواق الخارجية لبيع منتوجهم بأسعار مغرية، نظرا لأنهم استطاعوا خلال العقود الأخيرة الاستجابة لمواصفات أذواق المستهلكين الأجانب وبخاصة في البلدان العربية، التي دأبت على استيراد كميات كبيرة من قمح المطاحن الفرنسي، وهو مثلا حال الجزائر والمغرب ومصر. ولكن تدهور جودة قمح المطاحن الفرنسي هذا العام من شأنه حمل هذه الأسواق على التزود من بلدان أخرى منها أساسا روسيا وأوكرانيا وما يعزز هذا التوجه، ارتفاع إنتاج القمح في هذه البلدان من جهة وإمكانية استيراده بأسعار أقل من الأسعار الفرنسية من جهة أخرى. ولابد من التذكير هنا بأن آخر تقارير وزارة الزراعة الأميركية يتوقع أن يصل إنتاج القمح في العالم هذا العام إلى 716 مليون طن وأن يزيد الإنتاج على التوقعات في كل من روسيا وأوكرانيا وحدهما بستة ملايين طن من بين 10 ملايين طن إضافية على المستوى العالمي، وتعد هذه التقارير أداة مرجعية في ما يخص سوق المواد الأولية الزراعية لأنها تقدم معلومات شاملة ودقيقة ومحدثة باستمرار. وما يزيد الطين بلة بالنسبة إلى منتجي الحبوب الفرنسيين أن زيادة الإنتاج هذه السنة على المستوى العالمي "حسب إحصائيات وزارة الزراعة الأميركية" لايتعلق بحبوب المطاحن فحسب بل أيضا بغالبية الحبوب المعدة للاستهلاك الحيواني.