أحياناً تقرأ لتستمتع، وأحياناً تقرأ لتعجب، وأحياناً تقرأ لتتعلم، وأحياناً تقرأ لتتسلى وتضحك.. ولكنك لا تقرأ لتكتئب.. وهناك بكل أسف، كتابات تستجلب الهمّ، وتستدعي الغمّ والكآبة.. هناك كتابات معظمها كذب، وتزمّت، وافتراء.. كتابات تنكّد عليك، وتنغّص ذوقك، وضميرك. قد يقول قائل: مالك، ومال هذه الكتابات..؟ فلا أحد يلزمك، أو يجبرك على قراءتها.. وهذا كلام فيه كثير من الصحة.. فلست ملزماً بأن أقرأ ما لا يجعبني، ومن ثم فلست مضطراً لإدخال الكآبة على نفسي، بسبب هذه الكتابات البائسة، والشقية.. هذا صحيح - ولكنني أعتبر ذلك نوعاً من أنواع الأنانية، فأنا لا أتحسر لنفسي، فمثل ذلك الهراء لا يهمني، ولا أعبأ به، ولا أقيم له وزناً، لو كان الأمر يتعلق بي وحدي.. ولكنني أحزن، وأستاء وأتألم لبعض القراء الذين يندفعون وراء هذه الكتابات والتي ينخدع بها، ويصدقها الكثير منهم وهنا مكمن الخطر، ومصدر البلاء. كثيراً ما تحدّث هؤلاء، عن الشرف، والنخوة الإنسانية والعدالة الحقة، وكرامة الآدمي، ولكنهم يمارسون أقبح أنواع الكذب، والتضليل، والمراء، فهم ألدّ أعداء العدل، والخير، وأكثرهم مقتاً للإنسان، ما لم يوافق هواهم، وميلهم، وفكرهم، ومزاجهم.. وهم بذا يتعاطون أسمج وأسوأ أنواع العنصرية الفكرية والغلواء الذاتية، بل والكراهية المقيتة، فقد تغلغل الغل دواخل أنفسهم، لأنهم يرون في أولئك البشر، الذين لا يتفقون معهم، أنمودجاً ممقوتاً، تجب محاربته بكل وسائل الطرد والإقصاء، ومجابهته، وإزالته عن الوجود، حتى ليخيل إليك أنهم يكتبون على افتراض، أنه ليس في هذه الدنيا، أخلاق أو قيم أو تقوى..! وهكذا وبكل هذا الانحلال، والتهدم، فإنهم لا يسمحون للعقل، ولا للزمان، ولا للمكان أن يسع غيرهم، وكأن الآخرين في نظرهم كائنات متدنية لا تستحق العيش والتعايش..!! ولا أريد أن أطرح هنا بعضاً لتلك الأسماء المتزمتة، فهم معروفون لدى القراء.. معرفون بتلك المعاصي الفكرية والأخلاقية التي يمارسونها جهاراً لأن العنان قد أطلق لهم فمارسوا ذلك الشذوذ والسقوط.. ومتى سقطت الكلمة وتهورت، في هذه المستنقعات النتنة فذلك دليل على عري الكلمة، وتفسخها وانحرافها، فتصبح وبالاً على الأخلاق بل وبالاً على الوطن والأمة. ومما يؤلم النفس، ومما يوجع الحقيقة، والمروءة، والسمت الكتابي أن أؤلئك، أُعطوا من البريق، والتلميع، وتهيئة المناخ، وإفساح المجال فوق ما يتوهم الظن، وما يتوقع المرء من قساوة وصلافة الحيف، والضلال في حق المنهج الأخلاقي للكلمة النزيهة، والشريفة.. غير أن الانحراف يظل انحرافاً، كما أن للفساد قانونه الذي يشبه القانون الكيمائي، فالأسن، والزبد الكريه إنما يرتفع في المياه الملوثة بذلك المزيج المنتن المشبّع بالعفن.. وفي زمن النتن تكثر الأحبار الكريهة، وفي أزمنة الانحطاط يعلو صوت القباحة، والرذالة، والسفاهة.. فلا تولوا السفهاء أقلامكم.