برز الكثير من الشخصيات التي ساهمت في تشكيل ملامح الدولة السعودية الثالثة، ورسم استراتيجيها السياسية والاجتماعية خلال القرن الماضي، حيث اختار الملك عبدالعزيز في بداية نشأة الدولة الكفاءات البشرية في مختلف المجالات السياسية والأدبية والفكرية، وكان هذا التشكيل هو النواة الأولى لتنظيم ورسم معالم الدولة السعودية الحديثة وارتباطاتها الداخلية والخارجية. وقدّم أولئك الرجال إنجازات كبيرة وتركوا بصمة محفورة في تاريخ المملكة بمختلف المجالات، وكان اختيار الملك عبدالعزيز لتلك النخب من أبناء الأسرة أو من الرجالات المحيطين به ممن يثق في قدراتهم لتنفيذ المهام الموكلة وتقديم المبادرات البناءة سواء السياسية أو الاجتماعية لجلالة الملك واعتماد ما يراه مناسبا منها. وفي المجال السياسي فقد استقطب كفاءات ساهمت في دفع عجلة الدبلوماسية السعودية وارتباط المملكة بالعالم الخارجي من ذوي الخبرات السياسية والمعرفة، وانخرطت هذه النخب للعمل مع الملك عبدالعزيز، وتقلدوا مناصب في الداخل والخارج، ومنهم منسوبو ديوان وزارة الخارجية والسفراء والقناصل والمندوبون والوكلاء والمبعوثون والوزراء المفوضون ومنسوبو مجلس المستشارين والشعب السياسية بالديوان الملكي.. وأحد أولئك المخضرمين الأمير أحمد بن عبدالله بن إبراهيم بن ثنيان آل سعود، الذي تنبأ له الملك عبدالعزيز بدور فاعل في تحديد ملامح الاستراتيجية السياسية الخارجية، ووجد كفاءة تساعده في إدارة الأعمال الخارجية وكلفه بمهام عدة ونجح في كل ذلك. ولد الأمير أحمد بن عبدالله الثنيان في "اسطنبول" وتعلم في مدارسها وعاد إلى نجد أثناء الحرب العالمية الأولى، ووجد فيه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- كفاءة تساعده في إدارة الأعمال الخارجية، وكلّفه بسفرات عديدة، ومنها سفرته للاشتراك في المفاوضات التي دارت مع الإنجليز في أواخر عام 1333ه، 1915م، ونتج عنها معاهدة دارين أو القطيف، وسافر مع الأمير فيصل بن عبدالعزيز عام 1338ه، 1919م في رحلته الأولى إلى أوروبا، كما سافر إلى الكويت وبغداد واشترك في مفاوضات مؤتمر "المحمرة "عام 1341ه، 1922م بين نجد والعراق، ومن بعدها اعتزل العمل السياسي وأقام بالأحساء، وما لبث أن توفي بالرياض عام 1341ه، 1923م، وبحسب معلومات المؤرخ "عبدالرحمن الرويشد" فإن للأمير أحمد الثنيان من الذكور: عبدالله وعبدالرحمن وعبدالعزيز، ومن الإناث: الجوهرة ومنيرة. الملك فيصل في رحلته إلى لندن وزيارة الوفد السعودي كلية ترينيتي بمدينة إيستبورن المشمسة ويبدو الأمير أحمد الثنيان واقفاً في أقصى يمين الصورة وكان الأمير أحمد الثنيان قد أصيب بإحدى معارك الملك عبدالعزيز، وقد أثّر ذلك على مشيته، حيث كان يعرج بشموخ من جراء هذا الجرح الذي كان يفاخر به في سبيل توحيد وطنه، لا سيما وأنه كان يتزيا بهندامه العربي في العواصم الأوروبية، وكان حينها شاباً في الثلاثينيات من عمره أبيض ذا شعر طويل ومجدل وحتى وهو في بلاد الترك كان كما يبدو لناظريه رجلاً يسري في عروقه دم عربي أصيل، ويبدو لك من خلال زيه وهندامه أنه من أسرة حاكمة من أبناء جزيرة العرب. أسرة آل ثنيان ونقلاً عن "د. عبدالرحمن الشبيلي" -كاتب وباحث سعودي- أن أسرة آل ثنيان، هي فرع من آل سعود، تلتقي معهم في جدهم الأول سعود بن محمد بن مقرن أبو الأسرة المالكة، ووالد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة عام 1744م، وجد كل الأئمة والأمراء والملوك الثمانية عشر، الذين توالى حكمهم منذ بداية الدولة. وكان ممن اشتهر من هذا الفرع الأمير عبدالله بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد الحاكم التاسع في تسلسل حكام آل سعود، إذ حكم نجداً مدة عامين (1842/1841م)، وذلك إبّان الدولة السعودية الثانية، ثم اشتهر منه حفيده: محمد بن عبداللّه بن الأمير عبدالله بن ثنيان، والد الأميرة عفت (حرم الملك فيصل رحمه الله)، كما عرف منه حفيده الثاني: أحمد الثنيان الذي يظن كثير من المؤرخين أنه والد الأميرة عفت والحال أنه عمها المباشر، كما اشتهر منه حديثاً حفيدان: عبدالعزيز بن سليمان الثنيان وكيل وزارة الخارجية الأسبق الذي أصبح سفيراً في إسبانيا (توفي عام 2000م)، وسعود بن عبدالله الثنيان، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع حالياً. يعرج بشموخ بعد إصابته في معارك التوحيد ويفاخر بها أمام العالم.. ويؤكد "الشبيلي" عدم توفر المعلومات الوافية عن سنة ميلاد الأمير أحمد وسيرته، إلاّ أن أسرته كانت قد هاجرت إلى تركيا في حدود عام 1843م، فولد ونشأ في اسطنبول، وتعلّم هناك، وأتقن التركية والفرنسية والإنجليزية إلى جانب العربية، ثم عاد إلى نجد بعد عشرة أعوام من استقرار الحكم للإمام (الملك) عبدالعزيز، الذي كان قد استعاد الرياض عام 1902م. وتكمن أهمية أحمد الثنيان في كونه من أوائل أعضاء الأسرة الحاكمة الذين حصلوا على التعليم الحديث، وعلى إجادة لغات أجنبية سهلت له المهمات السياسية التي كُلف بها. كتب المؤرخين ويشير الباحث "عبدالرحمن الشبيلي" إلى عدد من المؤرخين تناولوا سيرة الأمير أحمد الثنيان وكتبوا عنه وذكر منهم: "خير الدين الزركلي" و"أمين الريحاني" و"جيرالد دوغوري" و"د. عبد الله العثيمين" و"عبدالرحمن الرويشد"، كما أورد الباحث العراقي المعروف "نجدة فتحي صفوة" نبذة مختصرة عن سيرته في المجلد الرابع من سلسلة: الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، (دار الساقي 1999م لندن)، مع الإشارات الكثيرة التي وردت بشأنه في تلك الوثائق. كما يذكر الباحث "الشبيلي" أنه لُقب بعد عام 1925م بأحمد الثنيان آل سعود، وكانت بداية لدخول عدد كبير من المستشارين السعوديين والعرب والأجانب في الديوان الملكي السعودي؛ للإسهام في تسيير مختلف الأعمال الإعلامية والسياسية والإدارية عند تأسيس المملكة العربية السعودية. رحلة الملك فيصل الشهيرة إلى لندن ويبدو الأمير أحمد الثنيان جالساً وجاء تأسيس الشعبة السياسية في الديوان الملكي في أواخر العشرينيات؛ نظراً للحاجة إلى إدارة تساعد في التعامل مع كثرة الوثائق والاتفاقيات، وتتولى هذه الشعبة أعمال (وزارة خارجية)، ولكن بشكل مصغّرة وبمرافقة الملك ومشورته أولاً بأول، ثم بعد ذلك أنشئت وحدة لرصد ما ينشر في الصحف من أخبار ومتابعة التقارير الإعلامية. مرافقة الأمير فيصل كان للملك عبدالعزيز -رحمه الله- رؤية ثاقبة في ابنه الأمير فيصل وقد اختاره وهو لم يزل صغيراً لمهام سياسية كبرى؛ كإجراء المفاوضات مع الأوروبيين بعد الانتصار في الحرب العالمية الأولى لبحث بعض الأمور السياسية، وهدف الملك عبدالعزيز من ذلك تدريب وتأهيل ابنه الأمير فيصل في الجانب السياسي ومعرفة دهاليز السياسة والخوض في معتركها. وقد كلف الملك عبدالعزيز الأمير أحمد الثنيان وعبدالله القصيبي بمرافقته، وكان القصيبي من إقليم الأحساء من عائلة عرفت بالتجار وهو جد الوزير غازي القصيبي وقد أوعز له الملك مهمة أخرى تمثلت في بعض المشتريات لبلاط الدولة، فما أن عاد الوفد إلاّ وقد وصلت أول سيارة للرياض من نوع فورد. رافق الأمير فيصل في أول رحلة سياسية إلى أوروبا ونجح في مهمته رافق الأمير أحمد الثنيان الوفد مع الأمير فيصل في أول رحلة سياسية تاريخية قام بها إلى أوروبا، حيث وجهت الحكومة البريطانية للملك عبدالعزيز دعوة لزيارة لندن في شهر يوليو عام 1919م، ونزلوا في ضيافة ملك بريطانيا (جورج الخامس)، كما أوعز الملك عبدالعزيز للأمير أحمد الثنيان مهمة شرح موقف الملك من نزاع الخرمة أمام وزارة الخارجية البريطانية، كما سبق وأن كلفه بمهمات سياسية في الكويتوالعراق، ومهمة الإشراف على انسحاب الأتراك من مقاطعة الأحساء. ذهب الوفد إلى المملكة المتحدة عبر سفينة بخارية من البحرين إلى "موبي" في رحلة استغرقت عشرة أيام، مكثوا خلالها عشرة أيام أخرى في بلاد الهند زاروا فيها معالم البلاد وأقاموا في مدينة "بونا" بفندق تاج محل، وسافروا بالقطار إلى أن استقلوا باخرة أخرى أقلتهم عبر قناة السويس إلى إنجلتر، ونزلوا بصحبة مرافقهم "همفري باومان" بعدة أماكن وكتبت الصحف البريطانية مثل "ديلي غرافك" و"التايمز" عن مكانة الوفود الزائرة، لا سيما الوفد السعودي الذي حضي بعدها بحفاوة وضيافة الملك الإنجليزي "جورج الخامس" الذي سعى لدعوة ضيوفه السعوديين لزيارته في قصر "باكنغهام" ظهيرة يوم الخميس 30 أكتوبر الذي قدّم فيه الملك فيصل للملك الإنجليزي "جورج الخامس" هدية هي عبارة عن سيف مرصع باللؤلؤ، وغمد ومقبض من الذهب الخالص جرياً على العادات والتقاليد العربية النبيلة، وقد حضر الوفد خلال هذه الزيارة المؤتمرات المعدة له سلفاً وفق ما أمر به الملك عبدالعزيز، وكان الأمير أحمد الثنيان مرافقاً للأمير فيصل في جميع مهامه ومتابعاً لكل ما يدور في الجلسات وفق ما أوصاه به الملك عبدالعزيز، حتى أنه لم يفارق الملك فيصل في الزيارات غير الرسمية والسياحية، حيث زار الوفد خلال الرحلة عدداً من المرافق والمعالم في لندن وحتى العاصمة الفرنسية باريس. الملك فيصل لدى وصوله إلى لندن يرافقه الأمير أحمد الثنيان معاهدة دارين أو القطيف كان الملك عبدالعزيز قد أوفد الأمير أحمد الثنيان للاشتراك في المفاوضات التي دارت مع الإنجليز في أواخر عام 1333ه، 1915م، ونتج عنها معاهدة دارين أو القطيف بين الملك عبدالعزيز و"السير بيرسي كوكس" المقيم السامي في العراق، مصطحباً معه "فيلبي" -في زيارته الأولى للجزيرة العربية-، ونصت المعاهدة على اعتراف الحكومة البريطانية بأن مناطق نجد والأحساءوالقطيف والجبيل تابعة للسعودية، وحدثت هذه المعاهدة عند بلدة دارين في جزيرة تاروت المقابلة لميناء القطيف على ساحل الخليج العربي، ولذلك سميت بمعاهدة دارين أو معاهدة القطيف، وقد أُلغيت معاهدة دارين بتوقيع معاهدة جدة عام 1927م، التي اعترفت بموجبها بريطانيا باستقلال مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها كاملاً. مستشار الملك عبدالعزيز ضم مجلس المستشارين الذي شكّله الملك عبدالعزيز نخبة أبناء الوطن المتعلمين وذوي الدراية إلى جانب بعض النُخب من جنسيات عربية مختلفة، ومنهم -على سبيل المثال لا الحصر- الأمير أحمد الثنيان، الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، خالد السديري، إبراهيم المعمر، فؤاد حمزة، حافظ وهبة، عبد الله الدملوجي، حمزة غوث،وغيرهم، وكان الملك يناقشهم ويشاورهم في الأمر ثم يقرر. الملك فيصل خلال زيارة أوروبا حيث نزل في ضيافة ملك بريطانيا (جورج الخامس) ومعه الأمير أحمد الثنيان مؤتمر المحمرة بإيران أوفد الملك عبدالعزيز عام 1922م، الأمير أحمد الثنيان للمشاركة في مؤتمر المحمرة بإيران الذي عُقد بين سلطنة نجد والعراق إبان الاحتلال البريطاني للعراق للتفاوض حول قضايا الحدود والعشائر المقيمة في تلك المناطق، ولكن الملك عبدالعزيز رفض بعض بنود الاتفاقية ما أدى إلى انعقاد لقاء آخر -سعودي عراقي بريطاني- في ديسمبر، في مفاوضات مباشرة بين الملك عبدالعزيز و"بيرسي كوكس" وبحضور بعض الشخصيات العراقية، أسفرت عن اتفاقية العقير (ديسمبر 1922م). * عمّ «عفّت» زوجة الملك فيصل.. وقصة شقيقه عبدالله لكي تعرف الأمير أحمد بن عبدالله الثنيان لا بد أن تعود إلى أسرة آل ثنيان التي هي فرع من آل سعود، تلتقي معهم في جدهم الأول: سعود بن محمد بن مقرن أبو الأسرة المالكة، ووالد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية عام 1744م، كما لا بد أن تقف عند جده الأمير عبدالله بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد الحاكم التاسع في تسلسل حكام آل سعود، الذي حكم الرياض قرابة عامين قبل عودة الإمام فيصل بن تركي الثانية إلى نجد، حيث سعى الإمام فيصل بن تركي بعد عودته إلى الرياض إلى استعادة كامل إمارته في نجد وخارجها، وكان الأمير عبدالله بن ثنيان قد توفي بعد عودة الإمام فيصل بن تركي، وقد ولد للأمير عبدالله بن ثنيان بعد وفاته ابن حمل ذات الاسم "عبدالله" ليصبح اسمه عبدالله بن عبدالله بن ثنيان، وهو الذي سافر إلى الهند في أعمال تجارية وهناك -كما يقول المؤرخ "أليكسي فاسيليف"- أدرج المسؤول البريطاني اسمه في قائمة القادمين إلى شبه القارة الهندية التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، وقد اتصل هذا المسؤول الانجليزي بممثل الإمبراطورية العثمانية في الهند، وابلغه أن الأمير عبدالله بن ثنيان وصل إلى الهند قادماً من الرياض، وقد خلط هذا المسؤول البريطاني بين الابن وأبيه لتشابه الاسم، ما حدا بالأتراك إلى طلبة في اسطنبول، التي ما أن وصلها إليها إلاّ ويتضح أنه عبدالله الابن وليس الأب الذي كان يحكم نجد قبل سنوات قليلة، ما دعا العثمانيين أن يقرّوا له الإقامة في اسطنبول، وهناك تزوج من امرأة "جورجية" ولدت له خمسة أبناء وبنتاً واحدة اسمها جوهران، ومن أبنائه الخمسة كان الأمير أحمد، الذي سمع بانتصارات ابن عمه "الملك عبدالعزيز" فجاء وكله حماس وعزيمة على مناصرته، وفعلاً استطاع الأمير الشاب أحمد أن يصل إلى الكويت ومن ثم البحرين إلى أن وصل إلى بلاط الملك المؤسس في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان لأحمد شقيق اسمه محمد تزوج من امرأة شركسية اسمها "آسيا" وكان طبيباً وقيل دبلوماساً في اسطنبول، وقد توفي في حرب مصطفى كمال ضد اليونان، وترك ابنته البكر "عفّت" التي تزوجها فيما بعد الملك فيصل "رحمه الله" وأنجبت له أبناءه (محمد، سعود، عبدالرحمن، بندر، تركي)، وبناته (سارة، لطيفة، لولوة، هيفاء)، كما ترك محمد ابناً آخر اسمه "زكي"، أما الابن "أدهم" فكان ابن زوجته التي تزوجت فيما بعد من إبراهيم أدهم، وكانت الأميرة "عفت" امرأة عصامية متعلمة تحملت مع والدتها مسؤوليات أسرتها منذ صغرها وقد أشرفت على تربية أخوتها لا سيما الشقيق "زكي"، وغير الشقيق "أدهم"، ولها رحمها الله أياد بيضاء في تعليمهم وتنشئتهم.