سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السياسة الخارجية للملك عبدالعزيز ارتكزت على "استقلالية الموقف" من الأحداث ودعم الوحدة العربية والتعاون الدولي بما يخدم احتياجات المجتمع التنموية "حكمة المؤسس" جنبت المملكة تداعيات الحروب العالمية والنفوذ الاستعماري
تسعى كل دولة منذ تأسيسها الى خلق سياسة خارجية فعالة، وغالبا ما تتحدد معالم هذه السياسة من تتبع الخط السياسي لها، كما يمثّل التفاعل مع العالم الخارجي أحد أهم عناصر البناء الحضاري للدول، وهو أيضاً أحد أهم الركائز الأساسية التي تسعى من خلاله لتحقيق أهدافها. من هذا المنطلق حرص الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، منذ أن اصدر في 17جمادى الأولى 1351ه/ 1932قراراً يعلن فيه توحيد المملكة ومنذ تحديده يوم الخميس 21جمادى الأولى يوماً لإعلان توحيدها تحت مسمى "المملكة العربية السعودية"، على تعزيز علاقاته الخارجية وتطويرها، خاصة حينما ضم الأحساءوالقطيف والتي بموجبها أصبحت للدولة حدود مع الكويت وقطر والبحرين وما واكب تلك المرحلة من علاقات مع الحكومة البريطانية. وحينما بسط الملك عبدالعزيز نفوذه في كل أنحاء نجد، فرض نفسه قوة جديدة في المنطقة، وشرع في إبرام المعاهدات والاتفاقيات مع القوى الكبرى من أجل تأمين حدود الدولة في محاولة للحصول على الاعترافات الدولية منها. وحين اندلعت الحرب العالمية الأولى، كانت دولة عبدالعزيز أكبر إمارات الجزيرة العربية اتساعاً، وبالطبع لم تكن أراضيه بمعزل عن بقية العالم، فبدأ وضع الدولة الجديدة وملحقاتها يتغير في موازين السياسة العالمية، وبعد الحرب الأولى حينما انهارت دولة الخلافة العثمانية، التي كانت منطقة الحجاز واقعة تحت تأثيرها، أصبح عبدالعزيز قوة جديدة تفرض وجودها " حتى قبل ضمه للحجاز "، و مضى عبدالعزيز قدماً نحو تأكيد تأثيره على المحيطين العربي والإسلامي، ولم يكن الانفتاح على العالم الخارجي يعني بالنسبة له الاعتماد على القوى الأجنبية في توسيع دولته وتعزيز وحدتها. والاتفاقيات التي عقدها الملك عبدالعزيز منذ اتفاقية العقير في أواخر عام 1334ه/1915م إلى اتفاقيتي بحرة وحدة (1925م) تثبت لنا تقدماً ملحوظا في السياسية الخارجية ل"الدولة الجديدة"، والمتابع يلاحظ أن السياسية الخارجية ارتكزت على مبدأي التفاعل مع العالم الخارجي والاستقلال تجاهه في الوقت نفسه. ومن النماذج على تطور وتقدم السياسة ما حدث في عام 1352ه/1933م مع اليمن الشقيق، وتوقيع معاهدة الطائف في 6صفر 1353ه/21مايو1934م، حيث ارتضى الملك عبدالعزيز الحل السلمي الذي نصت عليه معاهدة الطائف، قبولاً منه بمساعي الأخوة العربية وبالعمل الذي يمكن أن يقوم به العرب في حل قضاياهم فيما بينهم. وفي إطار تعزيز علاقاته الخارجية، كلف الملك عبدالعزيز ابنه فيصل بالعديد من المهمات في هذا المجال، فقد أوفده في عام 1338ه/1919م في أول زيارة له لأوروبا، أعقبتها زيارة ثانية في عام 1344ه/ 1926م، بعدما تمّ تعيينه نائباً عاما للملك بالحجاز، ومسؤولاً عن "مديرية الشؤون الخارجية"، النواة الأولى لوزارة الخارجية، التي تولى أعباءها في عام 1349ه/1930م، وقد استقبلته السلطات البريطانية في زيارته الثانية، كما يقول بنوا ميشان، استقبالاً يعبر عن "تقديرها لدور والده، كراعٍ للأراضي المقدسة، وتأثيره في المسلمين التابعين للإمبراطورية البريطانية خاصة في الهند وماليزيا حيث يصل عددهم لمئات الملايين". ومن الأدلة التي لا يمكن اغفالها عن اهتمام الملك عبدالعزيز بالسياسية الخارجية كون ( وزارة الخارجية ) هي أول وزارة يتم انشاؤها في المملكة، وذلك بعد أن اتخذت الإدارات المكلفة بالإشراف على العلاقات الخارجية أشكالاً مختلفة تنهض وفقاً لنهضة علاقات الملك عبدالعزيز بالعالم الخارجي، وفقاً لتطور الأحداث العالمية، ففي بداية تأسيس دولته، كان الملك عبدالعزيز يتولى الإشراف على الشؤون الخارجية بنفسه، وكان يوفد من ينوب عنه في إتمام اللقاءات الدولية، وعقد الاتفاقيات مع الدول الأخرى، فقد مثله- على سبيل المثال- الأمير أحمد بن ثنيان في عقد معاهدة القطيف، المعروفة باسم "معاهدة دارين" الموقع عليها مع الإنجليز، وفي التوقيع على "معاهدة المحمرة" بين نجد والعراق، وفي عام 1338ه/1919م، أوفد الملك عبدالعزيز ابنه فيصل في زيارته الأولى لأوروبا، ثم تتالت بعد ذلك الاتفاقيات التي وقعت عليها المملكة، وتعززت علاقاتها مع العالم الخارجي. وفي عام 1344ه/1926م، تمّ إنشاء "مديرية الشؤون الخارجية" في جدة، وظلت تعمل إلى أن تأسست "وزارة الخارجية" بموجب قرار ملكي صادر في عام 1349ه/1930م ينص أيضاً على تولية مهماتها للأمير فيصل بن عبدالعزيز، لتصبح أول وزارة يتم إنشاؤها في المملكة، وقد كان الملك عبدالعزيز يولي هذه الوزارة اهتماماً خاصاً، وظلّ الأمير فيصل يتولى مهماتها بعد وفاة والده الملك عبدالعزيز وحتى عند ولايته للعهد، وبقيت "تحت نظره حتى بعد توليه عرش أبيه". عربيا أثبت عبدالعزيز اهتمامه وحرصه على المشاركة في حل قضايا العرب وسعيه لدعم الوحدة العربية، فحينما اندلعت ثورة فلسطين ضد البريطانيين في عام 1355ه/1936م سارع الملك عبدالعزيز بتقديم العون المادي للمنكوبين، واتصل بملك اليمن وملك العراق وأمير شرق الأردن يطالبهم باتخاذ موقف عربي موحد من أجل حل القضية المشتعلة نارها بين الفلسطينيين والحكومة البريطانية حقناً للدماء العربية، ولبّى أهل فلسطين دعوة ملوك العرب، وابتداءً من عام 1355ه/1937م تمت مراسلات عديدة بين الملك عبدالعزيز والحكومة البريطانية وممثليها من جانب، وبينه وبين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت من جانب آخر، من أجل الوصول لحل للقضية الفلسطينية، معبراً في لقاءاته بهم عن وجهة النظر العربية والإسلامية. وفي 27أكتوبر 1357ه/1938م، اتصل الملك عبدالعزيز بالملوك والحكام العرب من جهة، وبالحكومة البريطانية من جهة أخرى، وأبرق لممثليه لدى مصر وبقية الحكومات العربية تمهيداً لعقد "مؤتمر لندن"، الذي توصل للاتفاق على عقده لدى الزيارة التي قام بها للرياض السير بولارد مبعوثاً من الحكومة البريطانية، وقد شارك وزير الخارجية الأمير فيصل بن عبدالعزيز، في محادثات هذا المؤتمر في لندن على رأس الوفد السعودي حاملاً رسالة من الملك عبدالعزيز لرئيس الحكومة البريطانية في ذلك الوقت (تشمبرلين). وفي يناير 1945م/1364ه بعث روزفلت برسالة للملك عبدالعزيز يعرب فيها عن رغبته في لقائه، فأجاب الملك عبدالعزيز فوراً بالموافقة قائلاً: "هذه مصلحة ننتهزها لمساعدة فلسطين وسوريا ولبنان". فوصل الملك عبدالعزيز إلى قناة السويس ثم إلى البحيرات المرة، حيث تمّ الاجتماع بينه وبين الرئيس روزفلت يوم الخميس الثاني من ربيع الأول 1364ه/ 15فبراير1945م. وعبر الرئيس الأمريكي عقب هذا اللقاء عن إعجابه بشخصية الملك عبدالعزيز، وأبدى حرصه على اغتنام مثل هذه الفرص التي تسمح لرؤساء العالم بالتفاهم والتعاون لحل ما استعصى من قضاياهم، وتحدث الملك عبدالعزيز في بيان مستفيض حول ما تعانيه سوريا ولبنان من وطأة الانتداب الفرنسي، حينئذ أجابه الرئيس الأمريكي بأن لديه رسالة من الجنرال ديغول حول استقلال سوريا ولبنان، كما أوضح الملك عبدالعزيز حق العرب في فلسطين، وعند عودته إلى واشنطن أدلى الرئيس روزفلت بتصريح رسمي أمام الكونغرس في الأول من مارس 1945م، مشيداً بهذا اللقاء. وبعد انتهاء اللقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، وصل إلى مقر إقامة الملك عبدالعزيز في مصر، رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بصحبة وزير الخارجية أنطوني إيدن وآخرين من كبار السياسيين والقادة العسكريين، فاستقبلهم الملك عبدالعزيز الذي اجتمع منفرداً بتشرشل لمدة ساعة. عطفاً على هذه الخلفية، ولأهمية العمل الجماعي وفوائده فليس غريباً أن تهتم المملكة وتشجع بل وتكون من المؤسسين لأربع من المنظمات السياسية الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية. فالتاريخ يشهد للمملكة دورها المؤسس والداعم لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1401ه/1981م، ومن قبله منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1389ه/ 1969م، كما أن المملكة من الدول العربية السبع التي أسست جامعة الدول العربية عام 1364ه/1945م، كما أن المملكة من الدول الإحدى والخمسين المؤسسة لهيئة الأممالمتحدة على أنقاض عصبة الأمم عام 1364ه/1945م. ولم تكتف المملكة بدورها المؤسس لهذه المنظمات، بل كانت ترى عليها واجباً أخوياً وعربياً وإسلامياً وإنسانياً في دعم مواثيق هذه المنظمات مادياً ومعنوياً، وتطوير مؤسساتها وأنشطتها المتعددة، من أجل ذلك كانت المملكة تتحمل تبعات كبيرة لم تمن بها ولم تفاخر بها، بل كانت تعمل بصمت، وهو ما جعلها تكسب احترام العالم أجمع، وإيماناً بأهمية دور المملكة الرائد في جميع المحافل الدولية والإقليمية حرص قادة هذه البلاد منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - حتى الوقت الحاضر على الإسهام بدور مؤثر في تأسيس أهم المنظمات العالمية والإقليمية ودعمها، وهي بحسب تاريخ تأسيسها: منظمة الأممالمتحدة، جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، مجلس التعاون لدول الخليج العربية.