يعمل "خالد" في أحد الشركات المهمة كأهم رجل لديه القدرات الكبيرة في إدارة العمل بشكل مميز وبجدارة عالية، فمنذ أن تخرج من الجامعة انطلق بسرعة كبيرة في طريق الأعمال ليتحول في فترة قصيرة جداً كاسم مهم في الوسط التقني. و"خالد" هو أحد أبناء المسؤولين الكبار، وكثيراً ما كانت تدار حوله التهم بأنه وريث والده المسؤول، فعلى الرغم من تميزه واختلافه وذكائه وأسلوبه الأكثر من مختلف في إدارة العمل، إلاّ أن أصابع الاتهام حول قدراته تلك موجهة إلى والده، فالجميع لا ينظر إلى قدراته المميزة، ولكنهم ينظرون إلى منصب والده الكبير، والذي كثيراً ما أتهم بأنه كان خلف نجاحه وحصوله على العديد من الفرص، تلك الأقاويل دفعت "خالد" لمحاولة الابتعاد عن المجالات التي يعمل فيها والده، فكان يصر دائماً على أن يثبت وجوده دون أن يتقاطع ذلك مع وجود والده، إلاّ أن تلك المحاولات لم تمنع الآخرين من تكرار الاتهامات بأنه ابن المسؤول الذي كان لوضع والده الوظيفي دور في دعمه ونجاحه وبروزه. ربما يكون "خالد" نموذجاً لابن المسؤول الذي وصل لتلك المميزات الوظيفية وتلك النجاحات بجهده الشخصي وتميزه، ولكن ذلك لن يكون كافياً لإقناع المجتمع بأن ابن المسؤول قد يكون جديراً بالثقة بعيداً عن منصب والده، وربما لذلك كله خلفية قديمة ومازالت موجودة ومستمرة بأن ابن المسؤول هو قناص الفرص الذهبية بسبب منصب ووضع والده، وربما أخذ الناس ينسبون النجاحات والجوائز لأفراد بعينهم، أو ربما انتقدوا حصول أحد الأشخاص على فرصة ما بسبب انتمائه لأسرة ما، أو لوالده، فإذا كان هناك الكثير من أبناء المسؤولين من هم متهمون وفي ذلك الاتهام حقيقة مخفية، فهناك في المقابل أبناء لمسؤولين يستحقون أن تُخلع لهم "القبعة"، وأن يشاد بجهودهم وتميزهم بعيداً عن آبائهم المسؤولين. ويبقى من المهم تصحيح تلك النظرة اجتماعياً، فليس كل ابن مسؤول قادراً على أن ينجح، وليس كل ابن مسؤول ناجحاً يُجيّر ذلك لوالده، كذلك لابد من وضع معايير موضوعية وشفافة في الاختيار لكل منصب أو وظيفة، لنرفع الحرج عن ابن المسؤول، وليثق الناس بأن الاختيار كان عادلاً، إضافةً إلى أهمية وضع الأنظمة والقوانين الشفافة البعيدة عن المحسوبيات، حيث ستساعد على عدم استغلال بعض المسؤولين لمناصبهم في دعم أبنائهم. إشاعات وأقاويل وقالت "حنان جدوع": إن وضع ابن أو ابنة المسؤول في دائرة الاتهام بشكل دائم فيه ظلم كبير لهم، فالآخرون لا يقتنعون بأن أبناء المسؤولين يستطيعون أن يكونوا نتاج نجاح والدهم أو والدتهم، ذاكرةً الكثير من الإشاعات والأقاويل التي كانت تلاحق زميلتها في الجامعة تحصل على معدلات مميزة في تحصيلها التعليمي عبر المواد، وقد كانت تلك الفتاة هي ابنة مدير الجامعة التي تدرس فيها، مضيفةً أنه على الرغم من أن الفتاة منذ أن كانت في مراحلها الأولى في الدراسة متفوقة إلاّ أن ذلك كان ينسب إلى والدها ومحاولة الكثير من الأساتذة لمجاملة والدها، بل إن هناك من حاول أن يتجاوز في اتهاماته بأنها تحصل على أوراق الاختبارات قبل أن يطلع عليها الطالبات، فقط لأنها ابنة مسؤول، متأسفةً على أن البعض يتمادى في تحامله على أبناء المسؤولين حتى يصل إلى الحقد، ويعتقد بأن ذلك الابن سرق فرصته التي كان من الممكن أن يحصل عليها لولا وجود هذا الابن أو تلك الابنة. نحتاج إلى وضع معايير موضوعية لكل وظيفة في ظل وجود الأنظمة التي تمنع المحسوبيات وشدّدت على أهمية احترام قدرات الآخرين الشخصية، حتى وإن كان جزءاً منها بسبب وضع الأسرة المميز، فتلك أرزاق يقسمها الله سبحانه للإنسان، وربما من ينتقد ابن المسؤول لو كان في ذات الوضع وكان مسؤولاً لنال أبناؤه جميع الفرص الجميلة في الحياة دون تردد. طريق مُمهد وتأسفت "سمر زين" على أن الواقع يؤكد دائماً بأن ابن المسؤول سواء كان ذكراً أو أنثى له الأولوية في الفرص، وذلك لا يستطيع أحد أن ينكره، فمن يحصل منهم على فرصته لتميزه قليل، والغالبية العظمى يعتمدون على شهرة الأب أو منصب الأم للوصول، مضيفةً أن تلك حقيقة لا يجب أن نخفيها، فلن يتساوى أبداً ابن الوزير مع ابن موظف في أحد الدوائر الحكومية، ففي الوقت الذي سيجد ابن الموظف الصعوبات في الحصول على مقعد في وظيفة ما حتى إن كان يمتلك الشهادات العالية، فإن ابن الوزير سيجد الطريق أمامه ممهداً ليختار بين مختلف الوظائف التي تناسبه، مبينةً أن تلك هي الطبقية المجتمعية التي علينا أن نؤمن بأنها موجودة ولن تنتهي، فتلك جزء من طبيعة الأرض التي نعيش عليها والتي يفسد فيها الناس ويصلحون، مؤكدةً على ضرورة أن يكون هناك معيار واضح وحقيقي للحصول على الفرص في مختلف المجالات، وأن يتساوى في ذلك الغني والفقير، ابن المسؤول وابن الساعي، فالجميع سواسية أمام النظام، فكم سمعنا عن خريجات بالمئات يجدن صعوبة في التوظيف، ولكننا لم نسمع عن ابن مسؤول واحد دون وظيفة. جلباب الأب وأوضح "يوسف عامر" أن لابن المسؤول وضع لا يمكن أن يتجاهله أي مسؤول خاصةً حينما يكون والده شخصية مؤثرة، فحتى التعامل في صفوف الدراسة مع أبناء المسؤولين يختلف عن التعامل مع الآخرين من التلاميذ وذلك ما عاشه ولمسه حينما كان يدرس في صفوف التعليم على اختلاف مراحلها من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية، مضيفاً أن محاولة إقصاء فكرة أنهم مميزون بعيدون عن آبائهم فكرة غير حقيقية، فالواقع يؤكد أنهم دائماً يخرجون من جلباب الأب ويحصلون على فرصهم، وهناك من يحصل على فرص لا يستحقها على حساب الآخرين، مبيناً أنه يوجد بعض النماذج القليلة جداً التي يكون فيها ابن مسؤول ناجحاً، ولكنه يتعامل في جميع أموره بعيداً عن وضع والده الوظيفي أو الاجتماعي، وكثيراً ما يكون ذلك الابن مختلفاً أو مبدعاً أو مفكراً، وربما رفض جميع مساعدات أسرته لدعمه واختار أن يكون هو، إلاّ أن ذلك يظل في حدود ضيقة. وتأسف على أن البقاء دائماً للأقوى -حسب قوله-، حتى نجد في مرحلة ما بأن الطالب المتفوق يستعين بابن المسؤول ليدعمه في الحصول على فرصته التي هو في الأساس يستحقها، ولكن ابن المسؤول يحصل عليها ويمكنه أن يدعم أصدقاءه ليحصلوا على ما يريدون حتى إن لم يكونوا يستحقون وذلك هو الواقع!. تصحيح النظرة وتحدث "د.عبدالغني الحربي" -أستاذ علم الاجتماع المساعد بقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة أم القرى- قائلاً: إن ابن المسؤول قد تتاح له فُرص أكثر من غيره، وهي فرص مشروعة ومتاحة، إلاّ أن الإشكالية في النظرة الاجتماعية التي تجير نجاح ابن المسؤول إلى والده، فهناك من أبناء المسؤولين من أثبتوا القدرة على الاستقلالية، وأثبتوا جدارتهم في المناصب التي تقلدوها، بل وأثبتوا مدى جدارتهم الذاتية بمعزل عن الأب، مضيفاً أن ذلك لا يختلف مع وجود الظروف التي ساعدت كأحد العوامل الداعمة من توافر تلك الفرص وهي ظروف الأب، فحينما يكون الأب متقلداً منصب ولديه إمكانات مادية ومعارف كثيرة فإن ذلك يُشكل عاملاً كبيراً لا يمكن تجاهله، مبيناً أنه يظل هناك الكثير من أبناء المسؤولين من هم كانوا جديرين بالمواقع التي وصلوا إليها بقدراتهم الذاتية، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نُعمم ذلك على الجميع؛ لأن ذلك لا ينطبق على ابن المسؤول، بل حتى حينما يكون الأب لديه تجاره ناجحة فيمكن أن يستفيد ابنه من وضعه، إلاّ أنه في النهاية من يستطيع أن ينجح ويستمر هو من يمتلك القدرة الذاتية. وشدّد على حاجتنا إلى تصحيح تلك النظرة اجتماعياً، فليس كل ابن مسؤول قادراً على أن ينجح، وليس كل ابن مسؤول ناجحاً يُجيّر ذلك لوالده، خاصةً حينما يكون اختيار ذلك الشخص قائماً على الموضوعية والشفافية في الاختيار، مبيناً أن ابن المسؤول نفسه عليه مسؤولية الإسهام في التصحيح لتلك النظرة، فالبعض منهم يجاهر ويتفاخر بوضع والده ومن يفعل ذلك فإنه ليس لديه الثقة الكبيرة بنفسه، وليس لديه قدرات جيدة، ذاكراً أن ما يحدث هو أن ابن المسؤول الذي لا يملك الكثير من القدرات الذاتية ويكون وصل إلى منصب ما بسبب وضع والده فإنه ينكر ذلك، ويحاول أن ينسب النجاح لنفسه؛ لأن في ذكر وضع والده ومنصبه تقليل من شأنه، فلا يرغب أن يكون في موضع ذلك الاتهام. معايير موضوعية وأوضح "د.الحربي" أنه من المهم وضع معايير موضوعية وشفافة في الاختيار لكل منصب أو وظيفة، لنرفع الحرج عن ابن المسؤول وغيره، وليثق الناس بأن الاختيار كان عادلاً بعيداً عن وضع والده الاجتماعي أو الوظيفي، مضيفاً أنه حتى المسؤول نفسه حينما يعلم بأن تلك المعايير الموضوعية موجودة بقوة في تطبيق النظام فإنه يطمئن بأن ابنه كما غيره من الشباب حصل على ما يستحق فرفع الحرج عنه، مبيناً أن وضع الأنظمة والقوانين الشفافة البعيدة عن المحسوبيات تساعد أيضاً على عدم استغلال بعض المسؤولين لمناصبهم لدعم أبنائهم، ومثل هؤلاء لايمكن إنكار وجودهم في المجتمع، والذين يحاولون دائماً استثمار مواقعهم لأبنائهم، مؤكداً على أن وجود المعايير الموضوعية في التعامل مع تلك النواحي تساعد على الاختيار العادل، كما ترفع الحرج عن المسؤولين وتعطي الثقة للمجتمع بأن الشفافية موجودة والعدل في تكافؤ الفرص موجود أيضاً. وضع الأنظمة البعيدة عن المحسوبيات يُحقق العدل في بيئة العمل بعض الأبناء يكون مميزاً بعيداً عن اسم والده د. عبدالغني الحربي