يُعد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث واحداً من أضخم المشروعات التعليمية في العالم، والذي ينطلق من رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الثاقبة تجاه تطوير قدرات أبناء الوطن، ونقل التجارب والخبرات من شتى أصقاع العالم وتوطينها، ليعم نفعها الوطن والمواطنين، وكذلك أهمية الاستثمار في العقول البشرية، لتكون رافداً مهماً من روافد التنمية، تساعد في بناء الوطن وتطور من قدرات أجياله، ولتدفع بعجلة التطوير إلى أعلى وأرقى مستوياتها. وسطّر أبناء وبنات المملكة قصص نجاح في الجامعات العالمية، من خلال ما حققوه من تميز يفخر به الوطن بأكمله، والذين دوّنت إنجازاتهم واختراعاتهم وإبداعاتهم لتبقى شاهداً على تميزهم، ليعودوا إلى وطنهم ويطبقوا ما تعلموه واكتسبوه على أرض الواقع. د. الرفاعي: الأهم اختيار التخصص المناسب والتطبيق العملي هذه النجاحات التي حققها المبتعث والمبتعثة جعلت القطاعات المختلفة تتسابق للظفر بخدماتهم من خلال تقديم العروض التنافسية لهم في بلدان الابتعاث، إيماناً من هذه القطاعات بما يعود عليها من نفع نتيجة استقطاب هذه الكوادر المتميزة، وما ستسهم به من إحداث نقلة تطويرية من خلال نقل التجارب الدولية التي تنعكس إيجاباً على عملها. "الرياض" التقت بعدد من خريجي برنامج الابتعاث الذين أكدوا على أن جميع القطاعات تسعى للظفر بخدمات المبتعثين والمبتعثات قبل التخرج، وفسح المجال أمامهم لتأسيس وتطبيق ما تعلموه، وكذلك إحداث التغيير البناء المنشود، نافين في الوقت ذاته ما يشاع عن تعطل خريجي البرنامج عن العمل، داعين إخوانهم وأخواتهم المبتعثين إلى التسويق لأنفسهم قبل مرحلة التخرج، والإفادة من لقاء ممثلي التوظيف في بلدان الابتعاث. د. القحطاني: لا يكفي شهادة بلا خبرة عملية في بلد الابتعاث عقل ومعرفة وقال "ماجد بن جعفر الغامدي" -رئيس رابطة الإعلاميين السعوديين في أمريكا سابقاً ومدير التدريب في هيئة الاذاعة والتلفزيون حالياً-: إن أعظم أنواع الاستثمار هو الذي يكون في العقول والمعرفة وكذلك في القدرات البشرية، وهذا ما سعى له برنامج الابتعاث، مضيفاً أن المبتعثين هم النفط القادم، مبيناً أن كثيرا من الموارد قابلة للزوال، أمّا الاستثمار في الكوادر الوطنية الشابة والموارد البشرية فهو الاستثمار الذكي بعيد المدى، واصفاً الابتعاث بالتجربة الفكرية المعرفية العميقة، التي جمعت بين الجانبين الأكاديمي والتطبيقي في تخصص الإعلام، من خلال العمل بدون راتب في قناة (KENS5) إحدى القنوات المحلية؛ بهدف أن يصاحب التعليم النظري في القاعات الأكاديمية تجربة ميدانية. الاستثمار في العقول البشرية رافد مهم للتنمية المستدامة وبادر "الغامدي" بتأسيس ورئاسة النادي السعودي في جامعة سانت ماريز في عام 2012م، بهدف خدمة الكثير من المبتعثين خاصةً الجدد منهم، وبادر مع عدد من المبتعثين الإعلاميين بتأسيس رابطة الإعلاميين السعوديين في أمريكا وتولى رئاسة الدورة الأولى، وفي عام 2013م كان أحد الضيوف المتحدثين في أحد المؤتمرات كأحد النماذج السعودية الناجحة في مجال الإعلام. تجارب ميدانية وأوضح "الغامدي" أن المبتعث الذكي هو الذي لا يكتفي بالجانب الأكاديمي، بل يصاحب شهادته خبرات وتجارب ميدانية، وبذلك يصنع سيرته الذاتية التي تجعل جهات العمل تبحث عنه وتفضلّه على غيره، مضيفاً أنه تلقى أربعة عروض عمل في الجانب الإعلامي إلاّ أنه فضل العمل مديراً للتدريب في هيئة الاذاعة والتلفزيون، آملاً بأن يخدم وطنه بما استفاده من خبرة في تجربة الابتعاث، داعياً المبتعثين إلى الانخراط في المجتمع الأمريكي للفائدة والتعلم مع الاحتفاظ بثوابتنا الأساسية، وعدم الانكفاء على السعوديين والعرب المتواجدين مع المبتعث في نفس المدينة. ولم يخفِ "الغامدي" إعجابه بزميله "مازن الضرّاب" العائد من الابتعاث من أستراليا، والذي أتيحت له فرصة الوظيفة، لكنه لم يباشر فيها، بل أنشأ مشروعه التجاري الخاص في نفس تخصصه الذي درسه في بلد الابتعاث، والذي عمل به أكثر من (60) شابا وشابة سعوديين، مؤكداً على أنه في الأمور الحياتية الاعتيادية نجد هناك فروقا كثيرة، فبعض المبتعثين يجيد "فن التحطيم" إذا صحت التسمية، حيث يعمل العديد من المقارنات بين بلد الابتعاث وبين الواقع الحالي، ولا يكون له أي دور إيجابي في التغيير، وحقيقة أن الواجب علينا كعائدين من الابتعاث أن نقود التغيير ونساهم في البناء ولا نكتفي بالنقد فقط. اكتشاف النفس وأشار "طراد باهبري" إلى أن بداية الالتحاق بالبعثة كانت في أكتوبر 2007م، لتخصص هندسة الكمبيوتر بدولة كندا، واصفاً هذه المرحلة برحلة لاكتشاف النفس، وفرصة لتوسيع الآفاق والنهل من الثقافات المختلفة التي من خلالها تتوسع آفاق ومدارك الفرد، مضيفاً أنه خلال فترة دراساته كان مركزاً على الإفادة من الاحتكاك والعمل مع المجتمع الكندي، حيث بدأ بالعمل التطوعي في تأسيس جمعية الطلبة السعوديين في مقاطعة "برتش كولومبيا" في مدينة "فانكوفر"، حيث تم تعيينه من قبل الملحقية الثقافية السعودية بكندا وسفارة خادم الحرمين الشريفين لرئاسة وتأسيس المركز التعليمي بمدينة "كاملوبس"، موضحاً أن هذه المرحلة أضافت له كثيرا من المهارات والخبرة، مما كان دافعاً لتميزه في تدريس وتأسيس برنامج القيادة البشرية في جامعة "تومسون ريفرز" بمدينة "كاملوبس"، والتي كانت أول خبرة عمل له مع بيئة العمل الكندية، لافتاً إلى أنه من خلال تلك التجربة حاضر ودرب في ثلاثة اختصاصات؛ هي أنواع القيادة البشرية واختلاف الشخصيات، مهارات وأساليب مخاطبة الجمهور، "ديناميكية العمل" في فرق ومجموعات. ماجد الغامدي متحدثاً للزميل متعب أبو ظهير «عدسة- عمار الملحم» نشاطات الملحقية وذكر "باهبري" أن قصة النجاح بدأت بانتقاله للعمل في مجال آخر حيث تم انتخابه ليكون رئيساً للشؤون الداخلية في اتحاد الطلبة الكندي، ومن ثم انتخابه مرةً أخرى لعامين متتاليين ليكون رئيساً للشؤون المالية في اتحاد الطلبة الكندي التابع لهيئة اتحاد الطلاب في البرلمان الكندي، مختتماً مسيرته الحافلة بانتخابه "سناتوراً" في مجلس الشيوخ السناتوري في مدينة " "كاملوبس"، وأيضاً انتخابه كأول محافظ غير كندي في المجلس الكندي بمدينة "كاملوبس"، واصفاً مرحلة التخرج بمرحلة الإعداد للانضمام لقطاع العمل أياً كان مجال القطاع، موضحاً أن البحث عن العمل يجب أن يبدأ في آخر "ترم" للجامعة؛ لأن المتوسط العام من بداية البحث حتى الحصول على عمل هو (3 - 4) أشهر، مشدداً على أهمية الإفادة من نشاطات الملحقية الثقافية في يوم المهنة، مبيناً أنه كان سببا رئيساً في توظيفه بعد التخرج في إحدى الشركات السعودية. أنشطة داعمة وروى "أنس العسافي" قصة ابتعاثه قائلاً: التحقت بالدفعة الثالثة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وكانت جهة الابتعاث بريطانيا لدراسة الماجستير في القانون، وعندما أتذكر الآن تلك الأيام وإجراءات التقديم والخطوات التي مرت بها حتى حصلت على قرار الابتعاث ومن ثم التجهيز للسفر، تراودني وكأنها حلم جميل، وأحمد الله أن هذا الجهد لم يذهب سدى، مضيفاً أنه انطلق في فبراير 2008م إلى بريطانيا، ودرس مرحلة اللغة ثم التحق ببرنامج الماجستير "قانون شركات" وتخرج أواخر العام 2010م، مبيناً أنه لم يدع رحلة الابتعاث تقتصر على الدراسة والعودة بشهادة، فقد كانت لديه بعض الأنشطة الداعمة والمعززة لصقل تجربته وزيادة الفائدة من الابتعاث، مشيراً إلى أنه بالإضافة إلى الأنشطة الجماعية التي كانت تقام للأندية السعودية واتحادات الطلبة في الجامعة كانت لديه على المستوى الشخصي "مدونة الكترونية" أسماها "مذكرات أنس"، كتب فيها مشاهداته ويومياته في بلد الغربة، وكانت تحظى بحمد الله بمتابعة عالية، خاصةً من المبتعثين والمقبلين على الابتعاث، ذاكراً أنه تبلورت هذه الفكرة إلى مشروع كتاب، وبحمد الله صدر كتابه "أيام في نوتنجهام" عام 2011م، وكانت تجربة أكثر من رائعة. نهضة وطن وأوضح "العسافي" أنه استمر اهتمامه بالابتعاث والمبتعثين حتى بعد عودته؛ لإيمانه بأنه مشروع نهضة للوطن، وأن كثيرا من آمال المجتمع معلقة على عاتق المبتعثين، مضيفاً أنه تعاون مع إحدى القنوات الفضائية بتقديم العديد من البرامج التلفزيونية أبرزها "يوميات مبتعث" و"مع المبتعث"، وكانت ردود الفعل إيجابية رغم محدودية الفئة المستهدفة من هذه البرامج، إضافةً إلى الاشتراك بالملتقيات الاجتماعية الخاصة بالمبتعثين، لافتاً إلى أن الابتعاث بالنسبة له حالة نفسية واجتماعية وروحية لايزال يدين لها بالكثير أكثر من كونها رحلة أكاديمية، ذاكراً أنه بعد حصوله على "الماجستير" وعودته للوطن توظف بعد مرور ما يقارب الشهرين، وهي مدة معقولة جداً لأي خريج، موكداً على أن للابتعاث أثرا كبيرا في تسويق نفسه لدى جهات التوظيف. وأضاف أن مجتمعنا بيئة خصبة ليمارس المبتعث إبداعه، وكذلك تطبيق بعض الأفكار والتجارب التي تعلمها في الخارج، مؤكداً على أنه مهما واجهت المبتعث العائد من عوائق حول هذا الموضوع إلاّ أن أفراد المجتمع متعطشون للتغيير، وكذلك كبار المسؤولين وولاة الأمر ينشدون الدفع بمسيرة التنمية، وما برنامج الابتعاث إلاّ أحد أهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف. التخصص المناسب والتطبيق وشدّد "أ.د. عبدالله بن محمد الرفاعي" -عميد كلية الإعلام والاتِّصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أهمية اختيار المبتعث بشكل خاص وجميع أبناء الوطن بشكل عام التخصص المناسب من خلال البحث عن التخصصات التي يحتاجها الوطن؛ لضمان مستقبلهم الوظيفي، مطالباً باستغلال التطبيق العملي والممارسة المهنية في مجال التخصص من خلال الانخراط في المؤسسات في بلد الابتعاث. وقال:إن الخطوة الأولى التي يحتاجها الطالب هي معرفة التخصص الدراسي، ناصحاً باختيار التخصصات التي يحتاجها سوق العمل والتخصصات التي يوجد بها نقص على مستوى الكوادر الوطنية. وأضاف أنه من المهم تركيز الطالب المبتعث على الممارسة التطبيقية للتخصص من خلال العمل في المؤسسات التي يتوافق نشاطها مع التخصص الدراسي؛ لترسيخ ما تعلمه، وكذلك تطوير مهاراته والالمام بالجانبين الاكاديمي والمهني. وأشار "أ.د. الرفاعي" الى أهمية بدء صلة المبتعث بالوظيفة أثناء المرحلة الدراسية وعدم إهمال الجانب التطبيقي، مؤكداً على أن هذه الفرص (الممارسة المهنية في نفس التخصص) تصنع المبتعث وتسهم في إيجاد العديد من الفرص الوظيفية أمامه. صناعة المستقبل من جهته قال "د. محمد مسعود القحطاني" -المستشار والخبير في تنمية الموارد البشرية-: إن الشخص الناجح هو من يصنع مستقبله وليس المستقبل من يصنعه، مشدداً على أهمية انسجام التخصص مع رغبة الوظيفة؛ لكي يتمكن من العطاء والابداع، الامر الذي يحقق النجاح الوظيفي. وأضاف أنه على المبتعث البدء من رغباته الداخلية، ولا يجعل من حوله يقودونه، كونهم لن يعيشوا مستقبله الوظيفي بالنيابة عنه، داعياً إلى التفكير أثناء اختيار التخصص، وتجنب الضغوطات من الأقارب والأصدقاء باختيار التخصص الذي يفضلونه، وإن كان لا يتلاءم مع موهبة الطالب. وشدّد على أهمية الانخراط في مجتمع ومؤسسات بلد الابتعاث، الأمر الذي ينعكس على تطوير وتنمية مهارات المبتعث، وكذلك توسيع نطاق الادراك والمعرفة لديه، مبيناً أن النجاح ليس بالحصول على الشهادة العلمية، بل الحصول على الشهادة والخبرة التي يحصل عليها المبتعث بالتطبيق الميداني لكل ما يتعلمه. وطالب "د.القحطاني" أن يضع المبتعث نصب عينيه خدمة دينه ووطنه ومجتمعه من خلال الإفادة من التجارب الناجحة ونقلها وتطبيقها في أرض الوطن، مشدداً على أهمية تناسب الميول المهنية وسمات الشخصية. وأضاف أن المبتعث الناجح هو من يفرض نفسه على سوق العمل بخبراته وممارسته للتخصص الذي نال درجاته العلمية، داعياً المبتعثين الى أهمية الاطلاع على أدق التفاصيل للتخصص والمهنة التي يخططون للالتحاق بها، مع حرصهم على توثيق ما تعلموه أو طبقوه كشهادة خبرة تميزه عن غيره من الباحثين عن فرص العمل. وأشار الى أن المبتعث الذي ستتنافس على استقطابه الجهات المختلفة هو الذي لا يتوقف طموحه عند سقف محدد، ويسعى جاهداً إلى تطوير قدراته وتنمية مواهبه، وكذلك الاحتكاك بالعاملين في نفس المجال الذي يدرسه، مؤكداً على أن التركيز على الجانب المهني يسهل كثيراً على المبتعث الجانب الأكاديمي، كونه يكشف له خفايا ما يتعلمه في قاعات الدراسة ويجعلة أكثر نضجاً وإدراكاً.