يقول أحد الحكماء: "إن هنالك نوعين من البشر يعيشون في هذا العالم النوع التقليدي والنوع غير التقليدي، الأول يكيف نفسه مع العالم من حوله والثاني يكيف العالم من حوله على خصائص نفسه وعلى ذلك فكل التقدم الذي نشهده يعتمد على النوع غير التقليدي من البشر". تبقى العبارات الإدارية الدارجة على أوراق المعاملات جميعها ضمن دائرة الحذر والتردد والترقب دائما وتبين بما لا يدع مجالا للشك أن العقلية الإدارية ما زالت ليست ناضجة بما يكفي لتقرر وتوجه وحيث إننا لابد وأن نتعامل مع إحدى الجهات الحكومية التي لم تزل تتعامل ورقيا شئنا أم أبينا ذلك فإننا سنخضع لتبعات أن منظورها تجاه الورق بأنه شيء هام وإلزامي إذ لابد منه لإنجاز العمل وبالتالي فإنك بالتأكيد قد قرأت مثل هذه العبارات (حسب جهة الاختصاص)، (للمفاهمة)، (حسب الأنظمة والتعليمات)، (حسب الإجراء المتبع)، (ضمها للسابقة توحيدا للإجراء) وغيرها الكثير من العبارات الإدارية التي تكون النتيجة منها دوما لا شيء وأن محصلتها النهائية هي أطالة أمد الإجراءات دون أسباب واضحة. فتلك العبارات الإدارية أعتيد على استخدامها منذ بدايات مراحل العمل الإداري البسيط الذي واكب تأسيس الجهات الحكومية المختلفة وحتى أن القادمون من خارج القطاعات الحكومية حديثا ولم يتدرجوا فيها تعلموها ظنا منهم أنها الطريقة الصحيحة للإجراء واعتادوها واستخدموها وقلما تجد أن هناك من يشير بتوجيه واضح على معاملة ما وظهرت بذلك التخمينات والمصطلحات التي تعتمد على مدى استعداد الموظف لقبول أو رفض المعاملة وما آلت إليه من ظهور القصاصات الورقية التي تدعم وتوصي بإتمام العمل وإنجازه أو الشرح بذات العبارات أعلاه ولكن بلون مختلف مما يفهم منه رضا أو رفض المسؤول كأسلوب رمزي فكل تلك الأمور لا تكاد تخفى ونحن في حقيقة الأمر أمام معضلتين رئيسيتين وكذلك تحدٍ مهم فالمعضلة الأولى بقي واضحا أننا أمام ضعف المسؤول تجاه خلفيته عن الأنظمة والتعليمات وعدم معرفته بالتوجيه المناسب وعدم قدرته على التوجيه الصريح بشكل صحيح وواضح والمعضلة الأخرى أننا ومن خلال المعضلة الأولى أوجدنا سلسلة من الإجراءات غير الهمة ومن الخطوات الإدارية المزعجة والمملة دون جدوى وفي حال أن أخطأ احد المسؤولين بالتوجيه للجهة المختصة مثلا ستعود بالمعاملة أدراجها إلى أولى خطواتها بما يشبه إلى أن يكون "لعبة السلم والثعبان الشهيرة" إذ إن فرص إنجاح الطلب للعميل تبقى غير واضحة وتعتمد كثيرا على الحظ وأمور أخرى وأما التحدي فهو إمام من يطمحون للتطوير فما زالت الفرصة لديهم لتحقيق ذلك وما زال ذلك التحدي يتطلب من الجميع العمل في محاولة تطوير وتحسين وإعادة هندسة الإجراءات للجهات الحكومية والتخلص من الورق بشكل تام وجعل جميع الخدمات المقدمة للعملاء الكترونية مما سيعجل من اختفاء كل تلك العبارات الإدارية العقيمة ويصبح النظام الالكتروني هو الفيصل في ما يستطيع العميل الاستفادة منه من عدمه. إن ادارك المسؤولين في الجهات الحكومية للأنظمة المعمول بها داخل قطاعاتهم وأهمية معرفتهم بهذه الأنظمة من واقع عملي لها يبقى عاملا رئيسا في تحديد قدرة هذه الجهات على التطور والتقدم والتحسين وعلى تقديم أدوات جديدة وتحديثات مناسبة للعملاء في ظل أن التنظيمات والتشريعات لا تحد من صلاحيات هؤلاء المسؤولين في سبل التطوير والتحسين بل وتدعمها ليصبح معها وعي المسؤول وإدراكه من أهم خطوات النجاح للقطاعات والجهات الحكومية المختلفة. تعتبر التعاملات الالكترونية نافذة حديثة في سبيل خدمة العملاء والاستماع لهم وصوت العميل هو الصوت الذي يجب أن تستمع له المنظمات بإنصات وتركيز عالي لتلبية احتياجاته ولذلك وجب أن نضيف لها أهمية ونعجل في تفعيلها فالتقنية تستطيع أن تقدم الكثير ولكن هنالك من سيحاربها في سبيل الاحتفاظ بما يظن انه يمتلكه من سلطة وقوة على الورق. أخيرا.. "ليس للإدارة قوة وإنما عليها مسؤوليات فقط".