قضية غزة ليست مفصولة عن الصراع العربي - الصهيوني، وليست مفصولة عن طبيعتها الدينية والأخلاقية وليست مفصولة عن الحق الإنساني والأهم أن قضية غزة ليست طارئة مع العدوان الإسرائيلي المباشر على المدنيين هذه الأيام. تعودنا منذ اربع سنوات أن تنطلق بعض الصواريخ محلية الصنع من غزة فتنقض إسرائيل بكل ما تملك من أسلحة تقتل من تشاء وتترك من تشاء وكأن الأمر حفل صيد في برارٍ لا حاميَ لها. لا أريد أن أتحدث عن فرق القوة. ففرق القوة ليس عذرا لأي شعب ينشد حقوقه فضلا عن حريته. كلمة مقاومة هي في الواقع لا تكون إلا بين طرفين غير متكافئين. إذا تكافأ الشعبان في القوة لم تعد مقاومة بل تعتبر حربا. ولم نعرف أن شعبا انتظر تحت الاحتلال حتى تتوفر لديه القوة الكافية التي تؤهله تحرير أرضه. وفي هذا لا يمكن استثناء الشعب الفلسطيني من حقه في المقاومة بما يملك حتى بسكاكين المطبخ. عندما نعود إلى صراعات التحرر منذ منتصف القرن العشرين لن نجد أن عدد القتلى في حروب التحرير متساو أو حتى قريب من بعضه. في حرب التحرير الفيتنامية قتل من الامريكان خمسين ألف وقتل من الفيتناميين حوالي مليونين. فعلت أمريكا كما تفعل إسرائيل الآن صبت جهنم قنابلها على المدنيين وهذا معروف في كل الحروب كجزء من الحرب النفسية لإضعاف معنويات المقاتلين من اجل حرية شعبهم. في حرب الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي قتل ما لا يقل عن مليون جزائري في مقابل بضعة ألوف من جيش المستعمر. إذاً عندما يموت مئة فلسطيني مقابل إسرائيلي واحد لا شك يعتبر نصرا للفلسطينيين. الشعب الرازح تحت الاحتلال عليه أن يدفع الثمن الأكبر بل والباهظ. في الوقت نفسه علينا أن نتذكر أن القوي لا يتنازل عن مكتسبات قوته إلا بالقوة سواء أكان على مستوى الدول أم حتى على مستوى الأفراد. الإنسان هو أسوأ كائن حي، إذا امتلك القوة وفر له عقله وبسرعة التبرير الأخلاقي المزيف ولا حدود لطمعه. لا يوقظه على حقيقة جرائمه سوى القوة المضادة. وما نراه من تعقيدات في القضية الفلسطينية كأن نقول إن أمريكا والغرب يقفان إلى جانب إسرائيل، وإن اليهود يملكون المال الى آخر أسباب القوة التي تبدو (مطلقة) هي في الواقع كانت موجودة دائما في حالات الاستعمار عبر التاريخ كله ولكن بصور مختلفة ومع ذلك استطاعت الشعوب المستضعفة أن تنتصر في النهاية. مع الأسف استثنى التاريخ الشعب الفلسطيني من حركات التحرر العالمية التي دارت رحاها في القرن العشرين وأدت إلى تحرر كل الشعوب تقريبا عدا الشعب الفلسطيني. ما الذي حدث لكي يحدث هذا للشعب الفلسطيني البائس؟! راجع تاريخ المنظمات الفلسطينية التي اشتغلت على تحرير فلسطين. كلها ولدت في رحم الحكومات العربية. تقاسمتها الدول العربية كما تتقاسم الدول النفوذ. منظمة فتح تحت إمرة دولة، والجبهة الشعبية تحت أمرة دولة أخرى وهكذا. أبسط دليل على انحراف المقاومة الفلسطينية أداء ياسر عرفات أثناء أزمة الاحتلال العراقي للكويت. زج هذا الرجل بفلسطين في صراع لا علاقة لبلاده أو شعبه به. كان هذا هو سلوك المقاومة الفلسطينية منذ أيام الشقيري مؤسس النضال الفلسطيني إلى يومنا هذا هل اختلفت حماس عن سلوك المنظمات الفلسطينية السابقة؟ في الواقع هي منظمة تحرير أسوأ من السابقات. للأسباب التالية: طبيعة الأيدلوجيا التي ترفعها لا تمثل مكونات الشعب الفلسطيني (مسيحيون دروز علمانيون) ..الخ في الوقت نفسه هي رهينة لحزب عربي اسمه الإخوان المسلمون. اختلفنا مع الاخوان أو اتفقنا يبقى هذا الحزب جزءا من الصراعات العربية ويجر اتباعه إلى مشاكله. فحماس قبل أن تبدأ حربها على إسرائيل وجدت نفسها في حالة صراع مع بعض الدول العربية التي يفترض أن تكون سندا لها. أي مقاومة في التاريخ لا عدو لها سوى المحتل. إذا حماس لم تستطع أن تكسب العرب فكيف تأمل أن تكسب الرأي العالمي الواقع تحت سيطرة عدوها؟ الشيء الآخر كيف يكون قائد مقاومة رئيس وزراء في ظل مستعمره وبمباركته؟ لا يمكن أن يكون هذا إلا زيفا. الشيء الأخير ان ما وقعت فيه المنظمات الفلسطينية العلمانية تقع فيه حماس اليوم. انتفخت المنظمات الفلسطينية العلمانية بأبواق المثقفين القوميين وتخويناتهم للمنتقدين وتضليل الشعوب العربية بالدموع والبكائيات والخطب الرنانة والشعر. وهو ما نسمعه اليوم من أبواق المتأسلمين الذين يخوّنون بل ويكفرون من يختلف معهم. التاريخ يعيد نفسه.