ليس بجديدٍ الحديث والكلام عن إشكالية تعثّر إنجاز بعض المشاريع الحكومية، وفق جداولها الزمنية المُفترضة، والمُحددة، في كراسات العقود المُبرمة بين أطرافها... أو إشكالية إنجازها على خلاف مواصفات ومعايير عقودها! وفي الأشهر المُنصرمة الأخيرة، رصدت "نزاهة" أو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، العديد من شاكلة هذه المشاريع، اشتملت على طرق، ومستشفياتٍ، ومراكز صحية، وخدمات بلدية... الخ!! في تقديري، انَّ مهمات الرصد هذه، كان الأولى بها، أن تُحفز "نزاهة " لتتبع المصدر الأساس المسؤول بصفة مباشرة، عن نشأة، ووجود، واستمرارية، هذه الإشكالية الخطيرة نسبياً خلال الزمن! ما أقصده تحديداً دائرة "المنافسات والمشتريات الحكومية – المناقصات" إذ تحوم حول نظامها، ولائحته، وآليات عملها، وإجراءاتها، تساؤلات أشبه ما تكون بمؤشرات لمكمن الفساد المالي أو الإداري!! وخاصة ما يتفترض أن يكون صمام أمان في آليات وإجراءات: الشراء المباشر، وترسية المشاريع، وسحب العقود من المقاولين أو تنازلهم عنها، والتعاقد من الباطن، وغرامات التأخير، والإحلال في عقود الصيانة... الخ! حيث ان هذا الأمر، يؤدي، إلى إهدار نحو (20%) من الميزانيات المخصصة للمشاريع الحكومية!! ومع قلة أعداد الكوادر الحكومية المؤهلة والمتخصصة في إدارة العقود، وضعف بندي: الرواتب والحوافز لهذه الكوادر، يظهر لنا، خلل، وضرر، ناشئ عن ذلك، ومثل هذه العثرات في آليات إدارة المناقصات الحكومية، تُهيئ أرضية خصبة، لأصحاب المصالح والمنافع الضيقة، وفي مقدمتهم: بعض المقاولين، والمكاتب الهندسية المُنفذة للمشاريع، وسواهم، لممارسة شتى أنواع المخالفات والتجاوزات، في حيثيات العقود، وإجراءات تنفيذها، ونتيجة ذلك في كل الأحوال: فسادٌ واستنزاف مخيف للأموال العامة، في وضح النهار، في غفلةٍ من الزمن، بطرق متحايلة على الرقيب، ومن ثم الإفلات من القانون الرادع! ومن نماذج الخلل في مسارات المناقصات الحكومية، على سبيل المثال: قيام المقاول الأساس الذي رست عليه المناقصة الحكومية، بإعادة ترسيتها كلياً أو جزئياً على مقاول آخر من الباطن، بأسعار أقل، وقد تتكرر إعادة الترسية مراتٍ عديدة، حتى تحط المناقصة رحالها على المقاول الأخير، المنفذ الفعلي للمشروع، بأسعارٍ متدنية، بما يجعله، يتعثر في إنجازه، أو يُنجزه على خلاف ما ورد في العقد وكراسة الشروط!! إذن، الفرصة مُهيأة ل "نزاهة" بحكم التفويض القوي من أعلى سلطة في البلاد، لتخطي كل الحواجز، أمامها، والدخول بقضها وقضيضها، إلى عالم ودهاليز ومطبخ إدارة المناقصات الحكومية!! ويقيناً سوف يتوفر لها وجبة دسمة، من التجاوزات والمخالفات، أو ممارسات احتكارية تثبت على جهة، أو إدارةٍ تمثل أحد أبرز منافذ ومداخل استغلال المال العام! فمن المهم جداً التعاطي مع هذه المسألة، بأكبر قدرٍ من الاهتمام والصرامة، لجهة إصلاح وترميم نظام المناقصات الحكومية، ولائحته، وإجراءاته، وأدواته الرقابية!! فهذا سبيلنا لخلق بيئات عملٍ، أفضل، وأنظف، بمعايير صارمة، تُسند المشاريع من خلالها، إلى الشركات والمؤسسات المؤهلة، والأكثر كفاءة، وإنتاجية، وممارسة! وهذا سبيلنا كذلك للتخلص من أحد أبرز معوقات التنمية المُستدامة! مسك الختام: دائرة المنافسات والمشتريات الحكومية، وعلى مدار عقودٍ من الزمن، كانت، ولا تزال، كما قلتُ أعلاه، أحد أبرز المنافذ التي يمكن من خلالها استغلال المال العام،! لذا فمن الضروري إعادة توجيه البوصلة نحو هذه المنافذ لتقدم مسؤوليتها الوطنية بإخلاص وأمانة ومسؤولية، شذْرَةٌ: الرؤية: في فن إدراك الأشياء الخفية!