تجاوزت الخسائر السنوية للمشاريع المتعثرة في المملكة 100 مليار ريال سنويا، أي ما يعادل 13% كنسبة تعثر من مجمل المشاريع التنموية في المملكة. وقد أعلن منتدى الشفافية العالمية أنه يوجد ما يقارب ال31 مشروعا في المملكة من عام 2000 وحتى عام 2102، وأشارت التقارير الرسمية إلى أن حجم تعثر المشاريع وتأخرها قد وصل إلى أكثر من 550 مليار ريال حسب تقديرات الغرفة التجارية بالرياض، وأن 90% من تعثر المشاريع بسبب قصور أداء مختلف الأطراف من مقاول واستشاري والجهة المالكة للمشروع وأن 95% من أموال المشاريع الصغيرة مهدرة. وأبانت التقارير أن تعثر المشاريع لا يخرج عن المقاولين والاستشاريين والجهات الحكومية المعنية بالإشراف والأنظمة الحكومية المنظمة لقطاع المقاولات أو الجهات الأخرى التي لها علاقة بهذه المشاريع كالجهات المستفيدة والبلديات، كما ترجع أسباب تعثر المشاريع إلى قدم الأنظمة والقوانين والتشريعات وعدم مسايرتها لضخامة الإنفاق الحكومي وحيويته وسرعته وخلو هذه الأنظمة من إجراءات رادعة للمقاولين المتلاعبين بالمشاريع الحكومية، وكذلك صفقات عقود الباطن، ووجود دخلاء على قطاع المقاولات. "الرياض" تبحث أسباب تعثر المشاريع الحكومية التي تكمن بحسب الاختصاصيين في ضعف كفاءة الإشراف والمتابعة والرقابة وتقييم دراسة العروض والمواصفات الفنية من قبل بعض الجهات الحكومية، إضافة إلى ضعف القدرات التمويلية والفنية، وعدم كفاءة بعض الاستشاريين، والشركات المنفذة للعقود، وعدم مراعاة الضمير في تنفيذ المهمة على الوجه المطلوب، وإرساء العقود على شركات غير مؤهلة لتنفيذ المشاريع، والفساد الإداري في بعض الأجهزة الحكومية والشركات المنفذة لتلك المشاريع، وترسية المشاريع على السعر الأقل والرخيص، وعدم وجود رقابة عليا تشرف على المشاريع، وضعف إمكانات أجهزة الإشراف، وبيع بعض المشاريع لمقاولين من الباطن. " نزاهة " .. والمسؤولية بدايةً اعتبر الدكتور عبدالوهاب القحطاني الأكاديمي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وزارة المالية هي الأساس فيما يخص تعثر المشاريع من الناحية المالية لأنها الممول والطرف الأهم والأقوى في المعادلة. ولوزارة المالية خبرة طويلة تساعدها على نجاح تنفيذ المشاريع، لكن للأسف تغلب النظرة للتكاليف على رؤية الجودة. وهذا بلا شك بيت القصيد في تعثر الكثير من المشاريع الحكومية، حيث ترسى معظم المشاريع الحكومية على المقاول الأقل تكلفة بغض النظر عن الجودة والكفاءة. وقال: يعتبر تعثر المشاريع الحكومية أحد معوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، حيث لمسنا في العقود الثلاثة الأخيرة عن مشاريع عملاقة لم تظهر إلى حيز الوجود لأسباب عديدة على رأسها الفساد في اختيار الشركات المنفذة للمشاريع والمبالغة في تقدير تكاليف المشاريع وسوء تقييم أداء وتصنيف الشركات المنفذة للمشاريع وعدم توافر الرقابة الفعالة من قبل الجهة المستفيدة والجهة الممولة للمشاريع. وزاد أنه منذ عقود طويلة قبل تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" كان هناك فساد في إسناد وإرساء المشاريع. وعلى الذين يتهمون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن يقرأوا تاريخ الفساد في المشاريع ليعرفوا أن الهيئة ليست المسؤول الأول عن الفساد وتعثر المشاريع، بل لقد أثقلت بمسؤولية كبيرة لا تستطيع أداءها، والأيدي مكتوفة في الإجراءات والعقوبات والمحاسبة. فالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مسؤولة عن استمرار الفساد، لكنها ليست مسؤولة عن ما حدث قبل تأسيسها من فساد. د.عبدالوهاب القحطاني: تعثرنا لأن نظرة التكاليف تغلب على رؤية الجودة مقاومة التغيير وحول التحرج من تغيير الأنظمة والاكتفاء بالتعديل والإضافة أبان د.القحطاني أن مقاومة التغيير من أكثر معوقات نجاح الأنظمة وبالأخص ما يتعلق بتطوير آلية وإجراءات ترسية المشاريع الحكومية من قبل الجهات المستفيدة والجهات الممولة مثل وزارة المالية التي لا تزال تطبق أنظمة ولوائح لا تتماشى مع التطور الاقتصادي في المملكة. مشيرا إلى أن الكثير من الأنظمة واللوائح والإجراءات بحاجة للتطوير لتواكب التغيرات الطارئة والمستمرة في بيئة الأعمال الاقتصادية في المملكة. لابد أن تكون ثقافة التغيير والتطوير صفة ملازمة لإنجاز المشاريع وفق أنظمة وإجراءات وخطوات مرنة تتماشى مع بيئة الأعمال سواء المحلية أو العالمية في حال ارتفاع أسعار المواد الإنشائية الأساسية على سبيل المثال. وعن علاقة القطاع الخاص بالحكومي أشار إلى أنه لنجاح المشاريع لابد أن تكون هناك علاقة طيبة بين الشركات المنفذة للمشاريع والجهات الحكومية المستفيدة منها، ناهيك عن أهمية وزارة المالية في هذه العلاقة التي يجب أن تبنى على الثقة والمهنية وليس حسب المصالح الشخصية التي قد تكون الأساس في تعثر وفشل المشاريع الحكومية. يجب أن تبنى العلاقة على أساس المشاركة في نجاح المشاريع الحكومية وعدم إلحاق الضرر بالمقاول لظروف خارجة عن إرادته في حال ارتفاع الأسعار. أنظمة مرنة بينما قال الخبير الاقتصادي عضو اللجنة المالية بمجلس الشورى الدكتور فهد بن جمعة: إن المملكة تتمتع بأنظمة مرنة قابلة للتحديث والتعديل دون الحاجة للتغيير، وذلك لأن المملكة لديها خطة مرنة قابلة للتحديث حسب المتغيرات والتطور العلمي والتقني، مشيرا إلى أن هذا لا يمنع إضافة مواد جديدة وتعديل سابقة كما يعمل مجلس الشورى باستمرار. وزاد أن الجميع ينتقد الأنظمة ويبرز السلبيات دون أن يجتهد في وضع الحلول أو اقتراحها، ويعتبر المبالغ التي تصرفها الدولة على بعض المشاريع ضخمة ومبالغ فيها والبعض يصنفها ضمن دائرة الفساد دون أن يكون لديه أي خلفية، حيث جميع المشاريع والميزانيات المرصودة لم توضع من فراغ بل إنه تم دراستها من قبل مختصين ولجان وجهات حكومية متعددة واستشاريين درسوا كافة الجوانب وعلى أساسها تم تحديد الميزانيات المرصودة لنحصل على مشاريع مكتملة وبجودة عالية. وحول تعثر المشاريع رفض د.الجمعة أن تكون جميع المشاريع المتعثرة دليل وجود فساد، فقد يكون التعثر لأسباب فنية، أو بسبب تراكم المشاريع على مقاول واحد، فيتجاوز بذلك المقاول الطاقة التنفيذية له ما يسبب إرباكا للمشروع وبالتالي يحدث التعثر. تعاقد الباطن ليس فسادا واعتقد أن تعثر المشاريع بسبب تعطل المقاول وإعطاء المقاول الذي تعاقدت معه الدولة المشروع لمقاول أصغر في الباطن ليس فسادا بل هو سوء تقديرات من قبل المقاولين وإعطاء من هو غير أهل للمشروع، مشيرا إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ليس من واجبها أن تتدخل في أسباب تعثر المشاريع الفنية، حيث إن دورها يجب أن يكون في الأمور التي فيها فساد وسرقة أموال ورشوة وخيانة للعقد وتواطؤ، ولا يجب عليها أن تتدخل في مشاريع تعاقدت عليها الدولة بشروط ومقاييس يتابعها ديوان المراقبة وجهات معنية أخرى. وزاد د.الجمعة أن من أسباب تعثر المشاريع طول مدة تنفيذ المشروع التي قد يحدث فيها تغير الظروف والأسعار والأنظمة وارتفاع التكاليف، وهنا يجب على المسؤول المعني بوزارة المالية أن يتحقق من مدى كفاءة المقاول، وعدد المشاريع التي يتولى تنفيذها في الوقت نفسه، وأن يكون مقاولو الباطن محددين ومعروفين. ورأى أن علاقة القطاع الحكومي بالخاص لازالت بسيطة ولا ترتقي للمستوى المأمول حيث إن العلاقة يحب أن تكون قوية وفعالة خاصة وأن القطاع الخاص يتأثر بالقرارات الحكومية، كما أن المنشآت الصغيرة تشكل 80% من إجمالي المنشآت، فالقيمة المضافة لهذه المنشآت لازالت منخفضة إلى الآن فجميع المنشآت الصغيرة والمتوسطة تمثل حسب الإحصائيات الأخيرة 33% من الناتج المحلي بينما في دول العالم وخاصة في البلدان المتقدمة متوسط مشاركة المنشآت الخاصة في الدولة هي من 60 – 80% . ويرى د.الجمعة أن القطاع الخاص يجب أن يتحمل مسؤولياته، ولن يتحمل مسؤولياته ويكون فاعلا إلا بإحلال التقنية والمعرفة مكان اليد العاملة، وتوظيف السعودي مكان الأجنبي. جهات متعددة من جهته رفض الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إرجاع مسؤولية تعثر المشروعات الحكومية إلى جهة واحدة فحسب؛ بل يفترض أن تتحمل مسؤولية التعثر أو الفشل جهات مختلفة؛ ومنها الوزارة التي يتبع لها المشروع؛ والشركة الاستشارية إن وجدت؛ والشركة المنفذة؛ والجهات الرقابية في الحكومة؛ ثم المسؤولية الأولية في آلية المناقصات العامة التي تتسبب دائما في تعثر المشروعات لأسباب مرتبطة بآلية اختيار الشركة المنفذة؛ وهي آلية لا تخلو من الأخطاء المكررة. إضافة إلى ما سبق؛ فنظام عقود الباطن؛ يتسبب دائما بتعثر المشروعات بسبب انتقال المشروع من مقاول إلى آخر بعد استقطاع نسبة الربح مقدما؛ وهكذا دواليك حتى يصل العقد للمقاول الأخير الذي يجد نفسه مرغما على الغش؛ أو وقف المشروع بسبب الخسائر التي حدثت بعد تقلص قيمة المشروع تدريجيا في مرحلة الانتقال من مقاول إلى آخر. وزاد أن استبعاد الشركات العالمية من التنفيذ يسهم في زيادة حجم التعثر. فدعم الشركات السعودية يجب ألا يكون على حساب الوطن وجودة مشروعاته التنموية. فمقاولات الباطن؛ من المقاولات المعتمدة؛ ولكن بشرط أن تكون تحت مظلة المقاول الرئيس؛ الذي يستفيد من خبرات الشركات الأخرى لإنجاز جانب من العمل المتخصصين فيه؛ فيصبح المقاول الرئيس مسؤولا عن التنفيذ؛ وليس كما يحدث حاليا حيث تتقدم الشركات الكبرى للفوز بالعقد ثم تقوم ببيعه لشركة أخرى بنظام الخصم؛ أي خصم جزء من قيمة العقد كأرباح مدفوعة للشركة التي رسّي عليها المشروع. وبذلك تتحول عقود المقاولات إلى عقود مضاربة بنظام "مقاولات الباطن". مؤكدا أن كل هؤلاء مسؤولون مسؤولية تامة عن تعثر المشروعات الحكومية. أما "نزاهة" فهي مسؤولة عن تتبع المشروعات المتعثرة ومحاسبة المتسببين فيها؛ بل ومطالبتها لهم بدفع الخسائر المترتبة على التأخير؛ وهو أمر غير مطبق محليا؛ ولو طبق لما وجدنا تعثرا يذكر في المشروعات الحكومية. تأخر في اتخاذ القرارات وأبان د.فضل أننا وصلنا إلى القناعة بوجود المشكلة في إنجاز المشروعات؛ ولكننا نتراجع عن اتخاذ قرار المعالجة؛ وهذا خطأ فادح يؤدي إلى استدامة المشكلة بدل حلها. أعتقد أن التغيير الأمثل هو في عودة وزارة الأشغال العامة التي يفترض أن تتولى المشروعات بشكل متكامل؛ وأن تكون المرجعية الوحيدة للتنفيذ. أو أن تُنشأ هيئة ملكية مشكلة من ذوي الخبرة والاختصاص وتكون مرتبطة بمقام خادم الحرمين الشريفين تهتم بالمشروعات الإستراتيجية؛ وتكون المسؤولة عنها. يمكن أيضا أن تتبنى الحكومة إنشاء شركة تهتم بالإنشاءات العامة وتكون الذراع التنموية للحكومة. ومن الاقتراحات أيضا أن تعطى إمارات المناطق دورا أكبر في التنمية وأن تكون مسؤولة من خلال مجالس المناطق عن التنمية في حدودها الإدارية؛ والأمر نفسه ينتقل إلى المجالس البلدية التي يمكن أن يكون لها دور رقابي أكبر في المشروعات البلدية، كما أعتقد أن إعطاء مجلس الشورى دوره الرقابي الأساسي سيساعد كثيرا في تطوير أداء الوزارات وبالتالي تنفيذ المشروعات بالشكل المطلوب. وقال: قد يكون لوزارة المالية بعض المسؤولية تجاه المشروعات المتعثرة؛ إلا أن دورها الحقيقي هو في دفع فواتير التنمية وليس مراقبة مشاريعها وضمان تنفيذها؛ فهذه مسؤولية الوزارات المعنية والجهات الرقابية والشركات الاستشارية. ولكني أحمل المالية بعض المسؤولية لأسباب مرتبطة بنظام المناقصات العامة؛ وإصرارها الدائم على إرساء المشروعات على الشركة ذات السعر الأقل؛ وإن نفت الوزارة هذه الآلية؛ كما أن إسناد الإشراف على المشروعات المقرة من المالية إلى شركات استشارية عالمية بعقود موازية لعقود المشروعات يضمن بإذن الله حسن التنفيذ. علاقة تكاملية واعتقد د.فضل حول العلاقة بين القطاعين العام والخاص أن المستفيد الأول من الشراكة هو القطاع الخاص الذي استأثر بجميع المشروعات؛ وربح المليارات في الوقت الذي تسبب فيه بتعثر المشروعات وتخلفنا خدميا مقارنة بالدول القريبة. وما أنفق من أموال ضخمة. كما أنه يجب أن تكون العلاقة أكثر كفاءة لو فتحت السوق للشركات الأجنبية الكفؤة وبدأت الشركات في التنافس فيما بينها على الجودة والكفاءة؛ حينها سنجد أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص أكثر متانة وتحقيقا للمنفعة لكلا الطرفين. فهد بن جمعة فضل البوعينين