كثيراً مانستشعر لذة القراءة وذائقتها عند قرائتنا لنصوص شعرية عذبة ورقيقة صاغها شعراء أجادوا في دقة التصوير والوصف والمعنى.. وكثيراً ماوجدنا قصائد تحمل الإبداع الوصفي الصادق الذي يجسد روح المعاناه بكل مافيها من ألم وفرح وحزن ودموع.. هناك شعراء جعلونا نعيش الحدث بكل تفاصيله، استطاعوا أن يأخذونا إلى عالم متكامل من الجمال الشعري، هم بحق أبداع القصيدة الشعبية من القدامى والمعاصرين.. يقول في إحدى روائعه في صورة تختال جمالاً ورقة : التفت ولتحظني بالعيون الوساع وأرسل الدمعه الي زاد منها عاني خايف من فراق ما وراه اجتماع يالله اليوم لا تقطع رجاه و رجاي تأتي الصورة الشعرية دائماً وهي تحاكي الحدث الذي ينم عن معاناة سواء كانت فرحا أو حزنا وبالتالي تكون النتيجة هو اكتشاف دقة وبراعة الشاعر وهنا شاعرنا الفذ أحمد الناصر الشايع صور لنا مفردات لا أعتقد بأن هناك من يجيد تصويرها ليس لشيء ولكن لتمكنه واختياره الدقيق في المفردات التي تعانق الجمال والإبداع. التفت والتحظني بالعيون الوساع وأرسل الدمعه الي زاد منها عاني في قصيدته جمال شعري استهله بقوة في المعنى ودقة في المفردات حيث جاء بقوله : هل دمعي على خدي نهار الوداع يوم قالوا فمان الله جاني بلاي التف والتحظني بالعيون الوساع وارسل الدمعة اللي زاد منها عناي استهلال عذب ينم عن روح تعاني وبها شفافية الحب والوجد والهيام، فعندما يهل الدمع من عين المغرم فهذا دليل على ألمه وحبه الشديد لحبيبته وهنا وداع سبب في دمع وحزن وفراق فالشاعر هنا سمع برحيل المحبوبة عندما تحدثوا عنه،وهنا صوره حزينة تكمن في داخل الشاعر،ثم أنه يصف مدى ألم تلك المحبوبة التي تعاني مثله هو عندما التفتت وهي ترسل النظرات المؤلمة له، وهو هنا يصف لفتته تلك العيون التي يصفها ب (الوساع) أي عيون وسيعه في استدارتها، وليقول أيضاً بأن تلك الحبيبة مع تلك النظرات أرسلت الدمعة بحرارة وألم زادت من ألمه وحزنه وأدت إلى مشوار (العنا) أي التعب والهم والألم. الشاعر هنا لم يضج في مفرداته بالجزئيات الغامضة التي تحتاج لفك الرموز، بل أوضح بكل سهولة ووضوح الصورة التي ظهرت بكامل جمالياتها. وفي تسلسل عذب يبدأ الإفصاح شاعرنا عن تلك المعاناة فيقول : خايفٍ من فراقٍ ماوراه إجتماع يالله اليوم لا تقطع رجاي ورجاه راحت أقدام رجلي في محلي ذراع ماقدر المشي قدامى ولا ارجع وراي يأتي خوف الشاعر هنا في تصوير جميل لم يضج بالتكلف والتصنع في المعنى، من خلال قوله: خايفٍ من فراقٍ ربما لا يأتي بعده او لايكون اجتماع وهنا صورة عذبة فيها إحساس حزين، ثم يدعو الله عز وجل بأن يدوم الرجاء والأمل لهما في الاجتماع الذي هو رغبة الشاعر وحبيبته. ولتأتي صورة أخرى في جزئية من هذا البيت هي الأكثر تأثيراً في الذائقة بلاشك عندما صور حاله وهو يمشي بالحيرة، والحيرة هنا هي حيرة القدم أي عدم المشي فهو لم يعد يستطيع السير على قدميه فكلمة (راحت) زادت من جمال البيت والقصد هنا هو عدم القدرة على المشي من هول الخبر أي خبر الفراق،فلم يستطع السير للأمام ولا إلى الخلف وهنا أجد بأن الشاعر قد أبدع في رسم صورة الحدث في مفرداتٍ عذبة وقوية،مع أنه كما أسلفت لم يضج في مفرداته بالغموض. ويأتي الشاعر في جزء آخر من النص ليصف حاله وحزنه بشكلٍ أكبر فيقول: صرت مثل الغرير اللي بسن الرضاع أتضيم وأصيح صياح من غير راي جعل من لاع قلبي في فراقه يلاع حيث وصله هوى قلبي وغاية مناي ما أجمل هذه الصورة التي أتت بعفوية ورقة تناولت روح المعاناة، فكون الشاعر هنا يصف حاله بالطفل الذي لا يشكو إلا عن طريق البكاء في طلبه،فهذا وصف جميل يصور رقة الإحساس وتدفق العاطفة،مع أنه يقول (أتضيم) وذلك من الضيم أي التعب والألم الذي يشوبه البكاء وهو أيضاً بذلك لن يكون له رأي فالفراق وقراره ربما يكون أكبر من رغباته وهواه، ويأتي الشاعر في الجزء الآخر من البيت يدعو على من كان السبب في ذلك الفراق وربما للشاعر هنا رأي في دعوته فقد يكون دعاؤه على من نقل الخبر الذي يريد له نفس الظرف والحدث حتى يحس بتلك اللوعة من ألم الفراق،ويفصح الشاعر في ذات الوقت بأن حبيبته هي مايتمناه ويطلبه بمعنى أنه لا يريد شيئاً غيرها. وعلى أن الشاعر هنا وهو يأتي بمفردات قوية أراد أن يصل إلى ذائقة المتلقي بكل عذوب وجمال كتابي مع دقة الوصف وروعة التصوير،ولذلك عًرف عنه تعاملة الأمثل مع النص الشعري بكل رقة وإحساس.. يقول هنا : المصيبه أن كان الحب والعّرف ضاع ثم زادت جروحي من خلاي بخلاي ما بغي السر من بيني و بينه يذاع يضرب الوصف دايم في غلاه وغلاي في صورة جميلة هنا يتحدث الشاعر وبشكل عام عن الحب وأعرافه وطرقه فيقول أنه من السيئ أن يضيع الحب وماهو متعارف عليه في الهيام والغرام لأنه يدرك في نفس الوقت بشكلٍ قطعي بأن الحب هو الالتزام لأنه نابع من القلب،ثم يعود لمعاناته في نفس الوقت ليقول بأن جروحه في ازدياد مما جعلها تتركه في عزلة وهم وحزن،ويعود أيضاً ليبين اصراره على أن يتم حفظ السر بينه وبين محبوبته، فالسر في نظره شيء هام جداً وأنه يخاف بأن يفشى ذلك السر ومن هنا فهو لايريد ذلك حتى يكون مضرب المثل في حبه وعشقة ووفائه لتلك المحبوبة. الشاعر في كل حالاته قدم لنا عولمته الشعرية المتفردة في شكلٍ عذب جعل من هذا النص عمقا شعريا وثري بمفردات قوية وسهلة في نفس الوقت ولعل الذي زادها جمالا عندما تغنى بها الفنان سلامة العبدالله رحمه الله والتي لازالت حتى الآن تحتفظ بجمالها ومتداولة بين عشاق الطرب الجميل. يبقى الشعر الجميل رائعاً بكل معانيه ورقته في زمن نحن بحاجة إلى رقي الذائقة القرائية والسماعية في نفس الوقت.