لو قدر لجلوس أن يدخل عليهم عابر يبكي ويقول إن سبب بكائه أن محبوبته جفته ربما ضحك منه أكثرهم، ولكن الناس يعذرون شاعراً يعلن عن بكائه من خلال قصيدة جميلة، وعندما تغلب الدموع أصحابها وتسقط سخية إما في خلوة أو أمام جمع من الناس كما رأيت من أحد الشعراء قبل أكثر من عشرين سنة حين بكى وهو يقول قصيدة له عن عشق قديم لم تستطع يد الزمن أن تمحوه وغلبه الصدق الذي أنساه أن المجلس كان يضم أكثر من عشرين شاعراً ربما أخفى كل واحد منهم قصة خاصة قد تكون أبكته في يوم ما أو أبكت غيره. يقول أحد الشعراء عن علامات دموعه التي سالت وكأنه يسجل اعترافه لمن لم يره وهو يبكي: أمسى بخدي للدموع رسوم أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم والصبر يحسن في المواطن كلها إلا عليك فإنه مذموم ويقول آخر: بخدي من قطر الدموع ندوب وبالقلب مني مذ نأيت وجيب ولي نفس حتى الدجى يصدع الحشا ورجع حنين للفؤاد مذيب ولي شاهد من ضر نفسي وسقمه يخبر عني أنني لكئيب كأني لم أفجع بفرقة صاحب ولا غاب عن عيني سواك حبيب وقد يكون منتهى الألم حين لا تكفي حتى الدموع عن التعبير كما في حالة الأمير بدر بن عبدالمحسن: لا دمعة في العين تكفي ولا آه لا من نوى لك صاحبك بالقطيعة الله على بعض المحبين ما اشقاه يرجي زهر روضٍ تولى ربيعه ولا من خذا له ساعة قال ابنساه بانسى هوى اللي باعني قبل ابيعه وهنا نرى الأمير بدر أيضاً يضع القارئ في حالة مواجهة شجاعة حين يعترف بالدمع لا يعني الذل حين يموت الأمل وتنطوي صفحة ربما كان من الأجمل أن تبقى: ترى ما يذبح العاشق مثل دمعٍ بكته اعيون على موت الأمل واللي يحبه هو سبب ياسه حبيبي ما خبرت الدمع يرقا وجنة المشطون ذليل الدمع.. لابد يتحدر لو رفع راسه وهنا اعتراف آخر من عمدة شعراء الحب والعاطفة الصادقة أحمد الناصر الشايع: هلّ دمعي على خدي نهار الوداع يوم قالوا فمان الله جاني بلاي التفت والتحظني بالعيون الوساع وارسل الدمعة اللي زاد منها عناي خايفٍ من فراق ما وراه اجتماع ياالله اليوم لا تقطع رجاه ورجاي إلى أن يقول في اعتراف أشد صراحة ووضوحاً ليقينه أن سامعه سيقول لك العذر في كل هذا الذي تقول: صرت مثل الغرير اللي بسن الرضاع اتضيم واصيح صياح من غير راي الهوى له يذل القلب لو هو شجاع مثل ماردني ترف القدم عن هواي وقد يكون من الموجع أن يعلم العاشق أن هناك من يراهن على أن يجري دموعه بالرغم من مكابرته وادعائه أن الحب لا يستطيع هزيمته كما فعل حامد زيد: بين صدة عزيز وكبرياء مهزوم عين شحّت عليّ وعينٍ استسمحت بس مالله خلقني من بكاي معصوم وادري ان المحاجر لو تفيض افضحت والله اني على جرحي صبور وكتوم لكن ان الدموع ان روحت روحت راهنتني تبلل بالدموع الكموم ويشهد الله عليها راهنت واربحت أما محمد بن فطيس فقد وصل به الألم من فضيحة الدموع أن تمنى لو قدمه زلّت قبل أن يصل إلى المكان الذي كان سبباً في سيلان دمعه: ياليتني في لفة الدرب زليت كان العيون من الدموع استباحت التم غيم الدمع من يوم لفيت وورقا القصيد لشوفة الغيم ناحت وضحكت ماأبغي الناس تدري يبالفيت لكنها غصبٍ على العين ساحت حارت دموعي في عيوني وصديت وأرمشت مابيها تبين وطاحت ولأن الشاعر لا تحسب عليه فضائح دموعه لأنه إنسان يغلب صدقه على ادعائه القوة والتماسك قال فهد عافت: بكيت ويوم شفت اني لحالي ماكتمت نواح وسيلت الاحبة كلهم واحد ورا الثاني من اول مانت خابر لاخر اللي مانت خابر طاح ولاخليت احد منك انت لين العاذل الشاني ولاني طالب الا اني الا مني بكيت ارتاح ولاني طالب الا ان انت ماتشمت بوجداني لقيتك تلتفت لي في الدموع وغامرتك افراح ومت من القهر حتى بذي تحداني