صناجة العرب، رهين المحبسين، أمير الشعراء، المتنبي، اللقب الذي لا يزال متصدرا ألقاب الشعراء منذ قرابة أحد عشر قرنا، الأمر الذي وضع "ألقاب" الشعراء أمام تحولات متتالية من "التلقي" عبر العصور، وصولا إلى العصر الحديث، ليتحول معها اللقب، إلى "هامش" وربما إلى "مزلق" تندر، أو "رداء" لا يخلو نسيج ديباجته من "سخرية" وألوانه من "إفلاس"!. تقول الشاعرة زينب غاصب: في تراثنا العربي ظلت ألقاب الشعراء مما درج عليه العديد من العصور الأدبية بدءاً بالعصر الجاهلي، وصولاً إلى العصر الحديث الذي انتهى إلى العديد من الألقاب التي منها "أمير الشعراء" وغيره من الألقاب، التي حتى عندما نتتبع العديد من تلك الألقاب، فإننا سنجد بأن هناك من كان معارضاً لها، من نقاد أو شعراء مجايلين لتلك الألقاب. وأضافت غاصب: على رغم اهتمام شريحة من الشعراء والشاعرات، بالألقاب، إلا أنني لا أرى في اللقب ما يعيرني أي اهتمام، إذ لا يمكن أن يكون اللقب هم شاعر حقيقي، أو غاية شاعرة مبدعة، ولعلي عندما أسمع – مثلا – بلقب أمير الشعراء، فإنني استغرب من يطلق مثل هذا اللقب أو أمثاله على شعراء معاصرين. وفي سياق "إمارة الشعر" عبر تجربة غاصب، ورؤيتها إلى هذا اللقب قالت زينب: إنني على يقين، بأن أمير الشعراء هو الشعر، إذ لا إمارة في الشعر، ولا لقب في الشعر، وإنما "الشعر" هو اللقب، وهو ما يكفي أن تحمله الشاعرة أو الشاعر، فالشعر هو الذي يفرض بسحره على المتلقين مدى مكانة الشاعر، وقدرته الإبداعية، وإقناعهم على ما تمتلكه الشاعرة من أدوات شعرية، قادرة على أن وضع الشاعرة أو الشاعر، في المكانة الشعرية من التي تصنعها له القدرة الإبداعية بعيداً عن الألقاب التي أيا كان كم "كيلها" فلن تفلح مساحيقها في بعث الحياة في نص لا روح فيه. أما الشاعرة والإعلامية مها السراج فقد وصفت شيوع ألقاب الشعراء في العصر الحديث، بأنه ارتبط بما شهدته المشهد الشعري عربيا ومحليا، من ظهور شعر الحداثة، أوجدته الحداثة من وهج بين قبول ورفض، جاء ضمنه النص الشعري، حاضرا كأهم شكل من أشكال الحداثة. وأضافت مها: إذا ما تتبعنا واقع حضور ألقاب الشعراء وخاصة خلال العقدين الآخرين، نجد أنها لم تعد بذلك الحضور نظرا لأسباب مختلفة منها السياسي، ومنها الثقافي، إلى جانب ما أنتجته وسائل التواصل المختلفة، التي جعلت المتلقي أمام أوضاع مختلفة، ومتغيرات كثيرة من الهموم الحياتية، التي اختفى معها وهج الألقاب التي هيأت لها الكلاسيكية ومحاربة الاستعمار، ومناهضة القضايا العربية الكبرى ذلك الرواج، في ظل وجود ظروف تلق معينة. زينب غاصب مها السراج وعن انطباعها كشاعرة تجاه "اللقب" الشعري قالت مها: في تصوري أن اللقب في حد ذاته لا يعني شيئاً للمبدع، ولن يضيف إلى نصه إبداعاً، لأن ما يهم المبدع الحقيقي، هو الوصول إلى من يطلع على إبداعه، ويسمع إبداعه، ويعي أفكاره، مما يجعل اللقب أمرا ليس في حسبان الشاعرة أو الشاعر الحقيقي، لكونه لن يضيف للمبدع شيئاً، ولن يفقده قيمة أخرى، مختتمة حديثها أن ما شاع من ألقاب الشعراء المختلفة جاءت نتيجة ما يشبه "الاستحقاق" الذي فرضه الإبداع الشعري لظروف معينة، شكلتها مجموعة من العوامل، ك"أبي الرومانسية، أمير الشعراء، شاعر القطرين. وعن واقع ألقاب الشعراء، ومدى اهتمام المتلقي بها، قالت الكاتبة والإعلامية شريفة الأسمري: ألقاب الشعراء لم تعد تعني لي في هذه المرحلة من النضج الإبداعي شيئا، بقدر ما تعني لي الرسالة الإبداعية التي يقدمها النص الشعري، فرغم تراجع ذائقة "التلقي" في المشهد الثقافي عامة، إلا أن جماهيرية "الشلة" لا تزال تغدق ألقابا "فضفاضة" تخبرك من أول وهلة بهشاشة "كبيرهم" الملقب. كما وصفت الأسمري الأمر الأسوأ في هذا السياق، أنه عندما يتدثر الشاعر باللقب الذي يسبغه على نفسه, مما يشدك فضولك في بادئ الأمر لمعرفه ذلك المقنع, إلا أن التجارب تنبئك أن الحكمة لا يختزلها أحد في ذاته دون غيره. وقالت شريفة: ربما كنا في الصغر نرى الألقاب مثل حلم جميل، له سكرة لذيذة، فكلما ازداد اللقب إبهاما زاد جنونا, إلا أنه علينا قياس الأمر بحجم التجربة، والقدرة الإبداعية، ولعل تغريدات "التويتريين" تكشف لنا مسحا "نفسيا" عجيبا في هذا الشأن، ليظل التدثر بالألقاب، محكاً يضع صاحبه أمام الكتابة، بوصفها: إبداعا، واحترافا، ورسالة، وروحا شاعرة، تنبؤك أن للكتابة الإبداعية "الحقيقة" هيبة يخاف من يمتطي صهوة قلمها الوقوع في "مأزق" النقد خاصة، و"مزالق" التلقي عامة. من جانب آخر وصف رئيس نادي جازان الأدبي الثقافي السابق الشاعر محمد يعقوب، أن الشاعر الحقيقي اليوم عليه أن يبحث عما هو أعمق من مجرد الألقاب، مردفا قوله: على الشاعر اليوم أن يكون همه الأول والأخير، هو أن يكون للشعر حضوره وفاعليته فيما يطرقه من قضايا. وقال يعقوب: لا يمكن أن تكون الألقاب ذات أهمية، مقارنة بدور الشعر، ورسالة الشاعر، إذ إن الشاعر ينشد حضور الشعر، وأن يكون له التلقي الجيد، بما يمتلكه الشعر من سحر البيان، وهذا هو كيان الشعر ووجوده، مضيفا: أعتقد أن ألقاب الشعراء اليوم مجرد مسميات "ترفيه" تأتي على هامش الشعر. ومضى يعقوب في حديثه قائلاً: نحن كشعراء وكمتلقين - أيضا - نبحث عن "المتن" عن الشعر، وألا يكون هم الناقد - أيضا- هاجس إشاعة الألقاب، وإنما يؤمل منهم دور النقد الحقيق الذي يتمثل في إبراز السمين، وتمييزه عن الغث، والجيد من غيره، مؤكدا أن الحركة النقدية في مشهدنا المحلي، غير مواكبة للمنتج الشعري، مختتماً حديثه بقوله: كل لقب يتلاشى ولا يبقى إلا الشعر.