وكأن المواطن العربي بحاجة إلى المزيد من الحروب والفوضى حتى يبدأ رحلة نزوح جديدة بحثاً عن الأمان. آخر فصول تلك المعاناة العربية المتواصلة تسطرت في محافظة نينوى العراقية بعد نزوح أكثر من 300 ألف شخص من أبنائها بعد سيطرة تنظيم داعش على معظم مدنها في هزيمة مخزية لقوات المالكي وعناصره الأمنية. ليست شجاعة من داعش ولا جبناً في أبناء العراق الشرفاء ولكنها استمرار في التخبط السياسي والأمني الذي يعيشه نوري المالكي وهو على اعتاب ولاية ثالثة بعد ثماني سنوات في رئاسة الوزراء. هذا التخبط لا يخلو من مكر سياسي أصبحت فصوله أكثر تجلياً بعد تسليم تلك المناطق وبأوامر عليا من بغداد للإرهابيين، وإلا ما الذي يبرر الانسحاب السريع لقوات الجيش والشرطة العراقية وترك ما تملكه من أسلحة وآليات عسكرية ثقيلة غنيمة لعناصر داعش؟ تعودنا من المالكي ترهيب العراقيين أكثر من الجماعات المسلحة ذاتها وهو الأسلوب الذي انتهجه لتحقيق مكاسبه السياسية وتصفية خصومه واحداً تلو الآخر. فقبيل الانتخابات العراقية الأخيرة أمر المالكي بشن معارك لملاحقة داعش – كما يدعي - في المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، وهو الأمر الذي حرم ملايين العراقيين من المشاركة بفاعلية في تلك الانتخابات. وحين عجز عن تحقيق العدد الكافي من الأصوات لتشكيل الحكومة منفرداً ها هو يستغل شوكة داعش التي غرسها وحليفه بشار على جانبي الحدود للمطالبة بإعلان حالة الطوارئ في البلاد ما يعني الاستفراد بالسلطة وتشكيل تحالفات سياسية بالإكراه تضمن له الاستمرار في منصب رئاسة الوزراء على طريقة إذا لم تكن معي فأنت ضدي. ها هو المالكي يسير على نهج الأسد الذي مكّن لداعش مناطق بأكملها في سورية لمواجهة كتائب الثوار، وها هو وبنفس الأسلوب يتهم خصومه في الداخل والخارج على كل منصة ومنبر بدعم ذلك التنظيم لإرهابهم والضغط عليهم من أجل التراجع عن مواقفهم المؤيدة لحق الشعبين السوري والعراقي في اختيار ممثليهما بعيداً عن طهران. في الأخير.. يروج البعض جهلاً لثورة في العراق وهذا اعتقاد خاطئ لأن ثورة ترفع أعلام داعش لن تكون أبداً في صالح العراقيين والمنطقة، بل ستمهد لسيطرة أكبر للمالكي وحلفائه، وخلال الأيام المقبلة سنشهد تحويل محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار إلى ساحة معركة مفتوحة بين رئيس الوزراء والمعارضين لبقائه في السلطة، وسيختفي تنظيم داعش من العراق ليعود محملا بالأسلحة والعتاد لمواجهة كتائب الثوار على الأراضي السورية، وما سيلبث أن يعود مرة أخرى إلى العراق كلما احتاج المالكي لمنع تراجع شعبيته أو تقدم خصومه.