عندما كانت القصة القصيرة هي سيدة المشهد السردي في ساحتنا الثقافية، كانت القاصة السعودية تستثمر ذلك الفضاء الكتابي للبوح بمواجعها وعذاباتها الأنثوية وتمزج تلك العذابات بقضايا وحقوق المرأة، وكانت تلك القصص تكتب بلغة ناعمة تتكئ على البوح ونادراً ما كتبت بلسان رجل. كان ذلك الانغلاق في القصة القصيرة النسائية وتمحوره حول الهم الأنثوي مبرراً بحسب معطيات تلك الفترة الزمنية. لكن بعد أن سجلت الرواية حضورها في المشهد السعودي تخلت العديد من القاصات عن كتابة القصة القصيرة واتجهن إلى كتابة الرواية، برفقة الكثير من الأسماء الشابة التي كتبت الرواية كأول تجربة كتابية لها. لقد كان في اتساع عالم الرواية وتنوع أحداثها وتعدد شخصياتها فرصة تتيح للساردة تدوين الحياة برؤى تتناسب مع اللحظة الراهنة، لكن الهم والتداعيات والرؤى التي كانت تتسيد القصة القصيرة تسللت إلى كتابة الرواية إذ نجد أن كثيراً من الروايات النسائية قد كُتبت بتلك الرؤى التي كانت تكتب بها القصص. هذا الانغلاق الأنثوي في الكتابة الإبداعية يطرح العديد من التساؤلات التي لا تنتهي ومنها السؤال الافتراضي: لماذا تبدو تجربة كتابة الرواية عند المرأة على لسان رجل محدودة؟ وفي المقابل يأتي السؤال: لماذا تجربة الروائي السعودي أيضاً محدودة جداً في كتابة الرواية على لسان امرأة؟ في تصوري أن هناك أسباباً متعددة لغياب هذه التجربة ولكل حالة أسبابها. فربما تكون الساردة المرأة قد استشعرت أنها لم تفرغ بعد من تدوين همومها وقضاياها. أيضا تواجه الساردة السعودية مأزق الكتابة عن تفاصيل وملامح الشارع، فكيف باستطاعتها توصيف الحياة الغائبة عن معايشتها؟ فالمرأة بشكل عام في المجتمع تعيش وتتحرك في مناطق حياتية محدودة لا تسمح لها بالتعرف على ملامح هذه المفردات اليومية التي تقع خارج منطقتها الأنثوية. لذا فكيف بالإمكان ردم هذه الفجوة أثناء كتابة النص وهل تشعر بأن الذاكرة التي تتكئ على ما هو مقروء وما هو مرئي باستطاعتها كتابة نص يتضمن مفردات الحياة بكل أطيافها؟ هذا يجعل الكتابة على لسان رجل حالة أشبه بالمغامرة السردية، وفي بعض التجارب المحدودة التي غامرت فيها بعض الكاتبات بكتابة رواية على لسان رجل، بدت التجربة غير ناضجة، فمثلا رواية "فلتغفري" للروائية أثير عبدالله والتي جاءت على لسان رجل وبصوت البطل" عزيز" تشعرك بأن عزيز ليس هو بطلها عزيز نفسه، ذلك الذي كان في روايتها الأولى" أحببتك أكثر مما ينبغي"، فالروائية تألقت عندما كتبت عن عزيز وأخفقت عندما كتبت بلسانه. أيضا من الأسباب التي تتعلق بعدم الرغبة في كتابة الساردة الرواية على لسان الرجل هو اعتقادها بأن استعارة صوت الرجل فيه خدش لرومانسيتها ورقة عوالمها، فالكتابة بصوت الرجل تحتاج إلى إظهار الجزء الذكوري في داخلها وهذا قد يجعلها تذهب بعيدا في الجرأة والتعاطي مع الشخصية كما لو أنها رجل. هذه الرؤى هي حالة من الاستنتاج والانطباعات ولكن عندما نستطلع رأي الساردة السعودية نجد إجابات مختلفة وآراء متباينة حول موضوع كتابة الرواية على لسان رجل. الروائية فاطمة عبدالحميد ترى بأن الكتابة على لسان رجل هي أقل الخيارات الكتابية المتاحة لها وتقول: أنا كاتبة ولست زعيمة سياسية تقليدية أو مذيعة نشرة أخبار صارمة، لذا لا أحتاج لمظهر الرجل أو صوته لأبدو مقنعة للآخرين، قد أستطيع الكتابة على لسان رجل كما الحال بالنسبة للمرأة، ولكن الأهم من إمكانية هذا من عدمه هو: لم سأكتب رواية على لسان رجل؟ ما الموضوع الإنساني الذي يستعصي على لسان المرأة، ويبدو أنني سأقدمه بشكل أفضل على لسان الرجل؟ برأيي أن الكتابة على لسان رجل هي الكتابة الأقل اختيارا بالنسبة لي طالما أنني أستطيع امتصاص الحياة وإعادة إنتاجها من خلال امرأة. أما الروائية إيمان هادي والتي جربت الكتابة على لسان رجل في قصصها فهي تقول: حقيقة خضت التجربة وإنما بشكل قصص قصيرة ربما لا تحتاج ما تحتاجه الرواية من أدوات كاملة للتقمص. كنت أركز فيها على النقاط الأساسية التي يلتقي فيها الجنسان وأتجنب تلك التي يختص فيها الذكر كي لا تبدو شخصيتي المرسومة بملامح أنثى بالتالي غير مقنعة. الأمر يحتاج لفهم طريقة تفكير الرجل في الحياة وتعاطيه مع الأمور والذي قد لا يتقاطع كثيراً مع الرؤية والحسابات الأنثوية. الروائية شروق خالد، من جهتها، والتي خاضت تجربة روائية لم تكتمل على لسان الرجل تخشى من النزعة الأنثوية في كتابتها لتلك الشخصية تقول: جربت مرة واحدة كتابة عمل روائي يحكي عن الرجل وهمومه ومخاوفه من نفسه والآخرين وما يساوره من شكوك تجاه الحياة، ولم أكمل لعدة أسباب منها أنني لم أستطع التخلص بشكل كامل من النزعة الأنثوية التي تسيطر نوعا ما على أسلوبي في التفكير ولغة النص، كما شعرت بأن الرجل مختلف تماما في تعاطيه مع أمور الحياة وعوائقها وحتى تسهيلاتها ليس اختلافا عن الأنثى وحسب بل عن شبيهه الرجل، لذا يحتاج لجهد ووقت أكبر في الكتابة، فالرجال يختلفون كثيراً في أنماطهم الشخصية ويظهر تباينهم دائما في أضيق المحيطات الاجتماعية وأوسعها كذلك، على عكس الإناث من فرط ما تفهمهن تشعر بأن نمط شخصياتهن مشترك بفروقات بسيطة.. وربما لأن قرينتي الأنثى أجد فهمها أسهل وأكثر منطقية بالنسبة للقارئ ولي. بينما ترى الروائية شروق الخالد بأن الرجال مختلفون في أنماطهم الشخصية وبأن النساء متشابهات، نجد أن للروائية أماني السليمي رأي مختلف فهي ترى بأن الرجال متشابهون والمرأة هي الأكثر غموضا. وتقول عن تجربتها في الكتابة على لسان رجل: نعم جربت الكتابة وذلك في رواية نيلوفر الماضي الرهيب على لسان مشعل الطبيب النفسي الذي أحب مريضة نفسيا وتحدث عن مشاعره تجاه تصرفاتها وتناقضاتها وتحليله النفسي وتصاعد المشكلات بينهما.. من السهل كتابة رواية على لسان رجل لكن المصيبة كتابتها على لسان امرأة فالأنثى أكثر غموضا وأقل وضوحا بخلاف الرجل، فمشاعره واضحة لكن أفعاله خلاف ذلك، وكما قيل بإمكانك أن تعرف الرجال بمعرفتك لرجل واحد لكنك لن تعرف المرأة حتى وان تعايشت مع ألف امرأة. الرجال الشرقيون متشابهون، لذلك فإن الكتابة على لسان رجل ليست بتلك الصعوبة. فاطمة عبدالحميد: لا أحتاج لمظهر الرجل أو صوته لأبدو مقنعة للآخرين إيمان هادي: نحتاج لفهم طريقة تفكير الرجل في الحياة وتعاطيه مع الأمور شروق الخالد: لم أستطع التخلص من النزعة الأنثوية حين جربت الكتابة على لسان الرجل أماني السليمي: الكتابة على لسان رجل ليست بتلك الصعوبة