أكد مثقفون أن الأمسيات "التأبينية" التي درج على إقامتها بعض الأندية الأدبية الثقافية، بأنه من الأمور "المحمودة" مقارنة بغيرها من الأندية الأخرى التي لم يحرك برنامجها المنبري ساكناً، مؤكدين من جانب آخر، أن ركون الأندية إلى مجرد "التشييع" المنبري، ليس مما يؤمله المثقفات والمثقفون من مؤسستهم الثقافية، التي أخذت على عاتقها خدمة الثقافة، والاحتفاء بالمبدعين، واحتواء منتجهم الإبداعي، وفق رؤى مؤسسية تمتلك الكثير من الوسائل، والأدوات التي تمكنها من تجاوز "بكائيات" المنابر، إلى الوفاء بوصفه "فعلا" ثقافيا، و"إنسانيا" قبل أن يكون مجرد وفاء "إبداعيا". يصف الناقد الدكتور سحمي الهاجري، أن ما تقيمه الأندية الأدبية من أمسيات "تأبينية" مما يأتي في سياق ما أنيط بها تجاه المثقفين، ما يجعل هذه الأمسيات تأتي من قبيل الوفاء للمثقفين بعد رحيلهم، مؤكدا أن هذه الأمسيات من الأمور المحمودة التي تقوم بها الأندية الأدبية تقديرا لأصحاب الإسهامات الثقافية والفكرية والإبداعية في مشهدنا الثقافي. وقال الهاجري: للأندية الأدبية أدواتها تجاه خدمة المثقفين، التي يأتي ضمنها إقامة هذه الأمسيات، التي تمثل وفاء مؤسسيا لتلك القامات، الذين كان لهم – أيضا – عبر منابر الأندية إسهاماتهم المختلفة، وخاصة لتلك القامات الثقافية التي لم تكن بعيدة عن الأندية في حياتها، ومن ثم كان حاضرة في الأندية بعد رحيلها. وأضاف الهاجري: أرى أن تبادر كافة الأندية الأدبية عامة، إلى مثل هذه المبادرات الوقائية، عبر ما هيئ لها من أدوات منها: الندوات، المحاضرات، التكريم في الملتقيات، التكريم عبر المناسبات الثقافية المختلفة. غرم الله الصقاعي أما عن تكريم الراحلين من خلال نتاجهم، سواء المخطوط، أو إعادة طباعة ما نفذ من نتاجهم، قال الهاجري: إصدارات الأندية الأدبية تعد إحدى الأدوات والمداخل للاحتفاء بالمثقفين، والوفاء لهم من خلال هذه الوسيلة بعد رحيلهم، وذلك من خلال البحث عن ما تبقى لدى الراحلين من مخطوط يستحق الطباعة، أو من خلال العودة إلى نتاج الراحلين، ومن ثم إعادة طباعة نتاجهم الذي يأتي على درجة كبيرة من الأهمية، كما هو الحال في إعادة طباعة كتاب "التيارات النقدية في قلب الجزيرة العربية " لعبدالله عبد الجبار رحمه الله. كما اعتبر الشاعر غرم الله الصقاعي، أن مسألة تكريم من يفقدهم مشهدنا الثقافي في مختلف المجالات الإبداعية والأدبية والفكرية، تأتي على درجة كبيرة من الأهمية، وخاصة عندما ترتبط هذه المسألة بالدور الذي على الأندية الأدبية النهوض به تجاه المثقفين، ونتاجهم الثقافي. وأضاف الصقاعي، أن الاحتفاء بالمثقف وتكريمه والاحتفاء به حيا، وبنتاجه بعد رحيله من المهم الرئيسة لعمل المؤسسة الثقافية، والأندية الأدبية على وجه الخصوص، إلا أننا – أيضا – يجب أن ننظر إلى المسألة مما هو أبعد من مجرد أمسية يأتي إليه من يأتي ويغيب من يغيب، لتقديم ما درجت عليه مشاركات المؤبنين. أما عن تجاوز "تأبين" المنابر إلى ما هو أجدر بالمؤسسة الثقافية فقال الصقاعي: علينا أن نكون واعين بأن طباعة ما تبقى من نتاج مخطوط لمثقف رحل، أو إعادة طباعة مؤلف لراحل آخر، بأن نضع في الحسبان مسألة المردود المادي، على أسرته بشكل خاص، فإن هذا مما يعود على خدمة المؤسسة أكثر منها خدمة لذلك المبدع الراحل، الذي نبحث عن تكريمه، وتكريم أسرته بشكل حقيقي. وقال الصقاعي: إذا ما اتجهنا إلى التكريم عبر هذا المسار، فلا بد من وضع تصور تسويق منتج ذلك الراحل، ومن ثم تخصيص نسبه من ريعه لأسرته، ففي العديد من الدول الأوربية يتم الاحتفاء بالمبدعين عبر هذا المسار، الذي حقق للمبدعين ولأسرهم عائدا ماديا، لنا أن نقارنه بواقع المبدع العربي، ومن ثم علينا تجاوز أمسيات المنابر، إلى ما هو حقيقي، وإنساني، قبل أن يكون إبداعياً، على مستوى الشخصية، وعلى مستوى نتاجها الأدبي والثقافي. واختتم الصقاعي حديثه مؤكدا على أهمية وجود نظرة تقييمه واعية، للاحتفاء بمن استحق الاحتفاء بهم كواجب مؤسسي، نظير ما استحقت إسهاماتهم الثقافية، وعطاؤهم الإبداعي، وقدم الشيء المختلف، لأن ليس كل من كتب أو ألف أصبح مبدعا، خروجا من تقديم ما لا يستحق تقديمه للقارئ، وألا يكون هذا الاحتفاء من قبيل علاقة الأفراد بأعضاء مجالس المؤسسات الثقافية، لا بنوعية العلاقة الإبداعية، ومدى إسهامها الحقيقي في مشهدنا الثقافي. عطاالله الجعيد من جانب آخر وصفت الكاتبة والإعلامية فاطمة عطيف، أمسيات التأبين التي تقيمها الأندية بأنها تأتي من قبيل بما وصفته "تشييع" الراحلين، مؤكدة أهمية تجاوز هذا الدور الذي لا يتجاوز الساعة أو الساعتين إلى ما هو أبعد من ذلك، عطفا على الدور المؤسسي الذي على الأندية الأدبية القيام به. وقالت فاطمة: نحن لا نطرح هنا ما ليس ب"عملي" أو "خيالي" لأن هناك ما هو أبعد من الوفاء للمبدعين والمبدعات، احتفاء بما قدموه بما يجب أن يتجاوز تلك الليلة التأبينية، وذلك بأن يكون هناك مسميات يتم إطلاقها على قاعات الأندية للراحلين من رموز ورواد الثقافة في بلادنا، وإطلاق أسمائهم على ملتقيات الأندية، وتكريمهم على هامش أبرز الفعاليات، والبحث عن نتاجهم بالنشر حينا، والدراسات النقدية والبحثية التي تعيد إلى ذاكرة الأجيال القادمة سيرتهم حينا آخر. وإذا كان بعض الأندية الأدبية كان حاضرا في "ليالي الوفاء" لرموز الثقافة والإبداع، ممن فقدهم المشهد الثقافي، فقد استطاع ندرة من الأندية الأدبية الثقافية أن يجعل من الاحتفاء بهم "رمزا" ثقافيا "متواصلا" من خلال إطلاق جوائز إبداعية بأسماء تلك القامات الثقافية. د. سحمي الهاجري يقول رئيس مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي الثقافي، عن تكريمه للشاعر الثبيتي – رحمه الله – ب"جائزة محمد الثبيتي للإبداع" التي جاءت في سياق الاحتفاء المتواصل بتجربة الثبيتي: جاء مقترح هذه الجائزة، تقدير لتجربة الثبيتي الشعرية التي استطاعت أن تكون إضافة نوعية في مشهدنا الشعري، حيث طرحت هذه الفكرة التي وافقني عليها مجلس الإدارة، لنصل اليوم في دورته الثانية، إلى الوصول إلى أصداء للجائزة ليس محليا فحسب، وإنما عربياً. وأضاف الجعيد: بهذه الجائزة استطعنا أن نقدم صورة الثبيتي الإبداعية وتجربته الشعرية إلى المشهد العربي، رغم أنه ليس بالغريب على المشاركات والتكريم في العديد من البلدان العربية، وخاصة عندما نقارنها في حياته بالمشاركة أو التكريم محليا، لذا فقد اتجهت الجائزة الاحتفائية بصاحب هذه التجربة في دورته الثانية إلى إقرار فرع ثالث لها، أقرتها أمانة الجائزة، في مجال "الدراسات النقدية" عن "شعرية الثبيتي" مما يعطيها مزيداً من الوهج والحضور الفاعل ثقافيا، محليا وعربيا – أيضا- إلى جانب ما اقترحته أمانة الجائزة بطباعة كل الأبحاث التي تستحق النشر، نظرا لأن الفائز سيكون بحثا واحدا، ومع أن هذا ليس بالطموح الذي يريد النادي التوقف عنده، إلا أنه مما جاء ضمن اهتمام النادي المتواصل بقامات الإبداع والأدب والثقافة في بلادنا. أما عن إطلاق "المسميات" عبر مقرات الأندية الأدبية، فأكد الثبيتي، أن هذه الفكرة تأتي ضمن مسارات التكريم المختلفة، مؤكدا أنه كلما اتسعت دائرة التكريم، عبر المسميات وغيرها كانت أجدى وأفضل، لكون إطلاق المسميات بمثابة لافتة تظل تستدعي الذاكرة وخاصة الناشئة إلى تلك القامات لتظل حاضرة بإبداعها وإسهاماتها الثقافية المختلفة. فاطمة عطيف