يلجأ العديد من أفراد المجتمع إلى خيار "السينما" المنزلية كحل لعدم وجود صالات متخصصة في عرض الأفلام السينمائية بالمملكة، ونتيجة لذلك انتشرت في الآونة الأخيرة بعض المؤسسات التي تقدِّم خدمة تجهيز شاشات العرض ومستلزمات عرض الأفلام، إلى جانب تقديم بعض العروض التقديمية وصنع الأفلام المزوَّدة ببعض الصور التي تتعلَّق بحفلات الزواج والنجاح والميلاد، وغيرها من المناسبات الاجتماعية للعملاء، ومع ذلك فإنَّه حينما يأتي الحديث عن الحاجة لإنشاء صالات "سينما" بالمملكة، فإنَّنا نجد تبايناً في وجهات النظر بين مؤيد للفكرة ورافض لها، في الوقت الذي نجد فيه أنَّ هناك من يرفض الفكرة، ومع ذلك فهو حريص على توفير أحدث الأجهزة اللاقطة "دش وريسيفر" في منزله لمشاهدة الأفلام التي تعرضها العديد من القنوات الفضائية، في ظل إمكانية احتوائها على مشاهد ساخنة، أو عرضها لقضايا سلبية تؤثِّر على الناشئة من الجنسين. جرعات ثقافية وبيَّنت "أم بدر" -ربة منزل- أنَّها تخصص يوماً في الشهر لجمع أفراد أسرتها سويةً لمشاهدة السينما العائلية، مضيفةً أنَّ أحد أفراد الأسرة يختار في كل مرة فيلماً معيناً يرغب في مشاهدته، ومن ثمَّ تتم مشاهدته من قبل جميع أفراد الأسرة، موضحةً أنَّ نوعية الأفلام لا تقتصر على الأفلام الكوميدية "الترفيهية" فحسب، بل تمتد لتشمل الأفلام الوثائقية، وغيرها من الأفلام التي تراعي خصوصية مجتمعنا وموروثاتنا المحلية. وألمحت إلى أنَّ الهدف من ذلك هو اجتماع أفراد الأسرة ومنحهم جرعات ثقافية في بعض الجوانب الدينية والعلمية والاجتماعية، وغيرها من جوانب الحياة، مضيفةً أنَّه ما إن ينتهي الجميع من مشاهدة الفيلم، إلاَّ وتتم مناقشة أحداثه في نهاية العرض، مشيرةً إلى أنَّها تهدف هي وزوجها من وراء ذلك إلى تعويد أبنائهم على سماع الرأي والرأي المضاد وزيادة الثقة بالنفس والقدرة على إبداء الرأي واكتشاف وجهات النظر الأخرى في جو من الود والاحترام المتبادل بين الجميع. وذكرت "سارة السلامي" –موظفة- أنَّها ترحب بهذه التجربة الرائعة، خصوصاً للأطفال، مضيفةً أنَّها تُفضل مشاهدة أفلام "الإنميشن"، موضحةً أنَّها تشاهدها على شاشة كبيرة داخل المنزل، إذ تحرص حينها على محاولة العيش في أجواء السينما الحقيقية عبر إطفاء مصابيح الغرفة وتناول الذرة "الفشار"، متمنيةً أن تتجه الجهات المعنية إلى افتتاح سينما خاصة بالأطفال في الأسواق بحيث يتم عرض بعض الأفلام المناسبة للأطفال. مشاهد سلبية وقال "صالح راضي" -طالب جامعي-:"طلبت من والدي تحويل مجلسي الخاص إلى صالة سينمائية فرفض بشدة في بداية الأمر، بيد أنَّه وافق في نهايته"، مضيفاً أنَّه لا يوجد هناك فارق كبير بين "السينما" و"التلفزيون"، موضحاً أنَّ البعض جعل من "السينما" مفردة مخيفة من الممكن أن يتم عبرها تمرير بعض المشاهد السلبية التي تهدم الأخلاق، مشيراً إلى أنَّه نفَّذ فكرته بعد أن وافق والده على ذلك بأقل التكاليف المادية، وفي حدود الميزانية التي سمح بها. مسلسلات اجنبية ولفت "عمر الأحمد" -طالب جامعي- إلى أنَّه يستعين في كل مرة يجتمع فيها مع أصدقائه لمشاهدة بعض المباريات المحلية والعالمية في كرة القدم بجهاز العرض الرأسي "بروجيكتر" أو بشاشة عملاقة و"كمبيوتر" محمول، مضيفاً أنَّ الأمر نفسه يحدث في حال رغبوا في مشاهدة بعض الأفلام أو المسلسلات الأجنبية التي يتم تحميلها عبر شبكة "الانترنت"، أو حتى مشاهدة بعض الأفلام القصيرة التي يصنعها الشباب السعوديون الهواة ويعرضونها على موقع "يوتيوب". ودعا الجهات المعنية إلى إنشاء صالات سينما لعرض إنتاج هؤلاء الشباب من الأفلام الهادفة، وغيرها من الأفلام المناسبة التي تتناسب مع خصوصية مجتمعنا وموروثاتنا الاجتماعية، خصوصاً أنََّ الشباب لدينا لا يجدون الأماكن المناسبة التي يقضون فيها أوقات فراغهم، إلى جانب أنَّ ذلك يُعد أقل خطورة من سفرهم إلى خارج المملكة سعياً وراءها. أسر تقطع مسافات إلى دول الخليج لمشاهدة السينما شاشات عملاقة وأشار "محمد سالم" –مُقدِّم خدمة سينما منزلية للعائلات- إلى أنَّه يدير مشروعا صغيرا يتكون من عدد من الشباب والشابات السعوديين، مضيفاً أنَّهم يعملون على تجهيز شاشات عرض بأحجام مختلفة حسب رغبة الزبائن، إلى جانب تقديم المقاعد ووجبة مكونة من حبوب الذرة "الفشار"، وكذلك بوفيه خفيف، موضحاً أنَّهم يعملون كذلك على إعداد عروض تقديمية لصور الأطفال لعرضها أثناء الحفلات، إلى جانب إعداد بعض الأفلام التي يطلبها بعض الزبائن. وأضاف أنَّه يتم أيضاً عرض بعض المباريات المحلية والعالمية على شاشات عملاقة، مضيفاً أنَّ فترة الإجازات وعطلة نهاية الأسبوع تشهد كماً كبيراً من الحجوزات زيادة واضحة في طلبات تقديم الخدمات للزبائن. سهرات سينمائية وأوضحت "جود" أنَّها بدأت العمل في هذا المجال منذ حوالي تسعة أشهر، وذلك بصحبة ثلاث من زميلاتها عن طريق شبكات التواصل الاجتماعية، وأضافت قائلة: "نحن نقدم باقات كاملة للأطفال والعائلات والمتزوجين حديثاً، وتشمل هذه الخدمات عروضاً سينمائية يتم تقديمها عبر شاشات عملاقة، إلى جانب تقديم المقاعد والمأكولات الخفيفة، مثل (الفشار) والحلويات ورقائق البطاطس والمشروبات الساخنة والباردة"، مشيرةً إلى وجود طلبات من الأطفال تتمثل في تقديم أفلام الكرتون، موضحةً أنَّ الشباب وكبار السن يفضلون أفلام "الأكشن" وأفلام الرعب، لافتةً إلى أنَّ الخدمات التي يقدمنها تصل إلى المدارس ودور الأيتام. "سينما" منزلية وأشار "م. نائل الغانم" -مختص في مجال صالات السينما المنزلية- إلى أنَّ عدد المؤسسات المتخصصة بتقديم خدمة السينما المنزلية في المملكة قد زاد في الآونة الأخيرة نتيجة زيادة الطلب عليها من قبل العديد من العائلات والأسر، مضيفاً أنَّه نتج عن هذه الزيادة تراجعاً ملحوظاً في الأسعار، موضحاً أنَّ أجور تأسيس السينما المنزلية الواحدة كان يكلف في السابق ما بين (50 - 100) ألف ريال، بيد أنَّها لا تتجاوز حالياً مبلغ (25) ألف ريال. وبيَّن أنَّ الطلب على هذه الخدمة شهد زيادة ملحوظة في الآونة الأخيرة نتيجة توفر مواد عرض عالية الجودة مقارنةً بما كان موجود في السابق، مضيفاً أنَّ الطلب على الخدمة يزداد بشكل كبير أثناء الإجازات وفترة عرض مباريات كأس العالم لكرة القدم، مشيراً إلى أنَّ صالة السينما المنزلية لابد أن تتكون من "بروجكتر إتش دي" عالي الدقة، سواءً كان ثلاثي الأبعاد أو لم يكن، موضحاً أنَّ تباين الألوان يجب أن يتراوح بين (1 – 10000)، لافتاً إلى أنَّه كلما زاد التباين زاد السعر. وأضاف أنَّ قوة "اللمبة" تؤثر في السعر، وتقاس بالشمعة، موضحاً أنَّ زيادة قوتها يعني سطوعاً أكثر للشاشة، مبيناً أنَّها تتراوح بين (1800 - 4000 شمعة)، مشيراً إلى وجود ثلاثة أنواع من الشاشات، وهي ثابتة مشدودة، أو غير ثابتة يتم التحكم فيها يدوياً، أو غير ثابتة يتم التحكم فيها بواسطة "ريموت كونترول"، موضحاً أنَّ حجم الشاشات يختلف حسب حجم الغرفة، لافتاً إلى أنَّه يتراوح بين 100 - 200 بوصة، كما أنَّ عدد المقاعد يكون حسب حجم الغرفة. وأوضح أنَّ بإمكان الفرد أن يختار النظام الصوتي المناسب، على أن يكون عدد سمَّاعات الصوت ما بين (6 – 11) سمَّاعة، مضيفاً أنَّ من أنواعها الصغيرة المدارية أو الكبيرة الرفيَّة، مبيِّناً أنَّ اختيار حجم السماعة ونوعها يعتمد على نوع السينما، مشيراً إلى أنَّ البعض يُخصصون غرفة خاصة للسينما، إلى جانب وجود من يضعها في غرفة متعددة الاستخدامات، مثل: "القبو" أو الملحق، لافتاً إلى أنَّه من الممكن أن يتم وضع السماعات الرفيَّة في الغرف المُخصصة للسينما، كما يمكن وضع السماعات المداريّة في الغرف متعددة الاستخدامات. عادة غربية ولفت "أ.د. خالد بن عمر الرديعان" –عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود- إلى أنَّه لا يتوقَّع أن يتم افتتاح صالات "سينما" بالمملكة في المستقبل القريب بسبب الموقف الاجتماعي السلبي للبعض تجاه هذه الوسيلة الترفيهية، مضيفاً أنَّ هذا الموقف الرافض لها يعود إلى عدة عقود مضت، موضحاً أنَّ "السينما" لا تخلو في الغالب من وجود مشاهد ساخنة أو سلبية استجابةً لمتطلّبات المشاهد التي تحتوي عليها الأفلام التي يتم عرضها. وأكد على أنَّ هذا النوع من الأفلام أوجد صورة سلبية عن "السينما"، ومن ثمَّ تمَّ تصنيفها ضمن الأدوات المُفسدة للأخلاق، إلى جانب ارتباطها بالنشاطات الترفيهية للمجتمعات الغربية، مضيفاً أنَّ ذلك لا يعني عدم وجود أفلام نظيفة وخالية من المشاهد الساخنة والسلبية، إلى جانب طرحها لقضايا مهمة وإنسانية، لافتاً إلى أنَّ هذا النوع من الأفلام لا يجذب الناشئة الذين يشكلون في العادة الجمهور العريض للسينما. وأضاف أنَّ مما يجعل وجود "السينما" في المملكة من الأمور الصعبة مقولة أنَّ "السينما" مدعاة لاختلاط الجنسين، وأنَّها كعادة ترفيهية غربية ارتبطت بذهاب الجنسين إليها دون موانع تُذكر، مقترحاً اختيار أفلام ذات مضمون جيد ولا تحتوي على مشاهد ساخنة، موضحاً أنَّ ذلك قد لا يحدث بسبب حقيقة أنَّ "السينما" تظل نشاطاً تجارياً يتم تسويقه عبر صورة المرأة الجميلة أو شبه العارية، مؤكداً على أنَّ هذه المتطلبات يصعب تحقيقها في أفلام يتم استيرادها من الغرب أو حتى من دول عربية سارت على نهج السينما الغربية. انفتاح إعلامي وذكر "د.الرديعان" أنَّ الانفتاح الإعلامي وكثرة القنوات التلفزيونية في السنوات الأخيرة، إلى جانب قدرة المشاهد السعودي على متابعة آخر الأفلام جعل من كل منزل صالة "سينما" ولكن على نطاق ضيِّق، وأضاف قائلاً: "في مجتمعنا من يمارسون تناقضاً شديداً في رؤيتهم للسينما، إذ أنَّهم يعارضون دور السينما العامة التي يمكن مراقبتها وانتقاء أفلامها، ومن جهة أخرى يوفرون في منازلهم أحدث الأجهزة اللاقطة (دش وريسيفر) لمشاهدة جميع الأفلام، بما فيها الأفلام ذات المشاهد الساخنة!". وأوضح أنَّ خطورة ذلك التصرّف ستعود على الناشئة بسبب عدم القدرة على التحكم بأجهزة التلفزيونات في منازل ذويهم، مشيراً إلى أنَّ معظم المسلسلات التركية "المدبلجة" -وهي ليست سينما- تُعد أكثر خطورة من الأفلام السينمائية الأمريكية، مبيِّناً أنَّها تتضمن مشاهد سلبية وتطرح قضايا تُشوِّش أذهان الناشئة من الجنسين في مجتمعنا، مشدداً على أهمية حسم هذا التناقض الذي يعيشه العديد من أفراد مجتمعنا من قبل صانعي القرار، وذلك بالسماح بوجود سينما نظيفة يتم انتقاء أفلامها بدقة. 1- 2-