قال لي في غرابة واستنكار واستهجان لم أكن أصدّق أن (فلاناً) سيتحول هذا التحول المفاجئ السريع أعرف أن الناس ربما تتحول بالتدريج وبعد ضغط الاقتناع والإلحاح فكثير من الأسباب تجعل البعض يتزحزح عن موقفه قليلاً ثم يظل يتزحزح إلى أن يصل الطرف الآخر من موقفه السابق.. ولكن أن يمسي على موقف صلب متشدد ثم يصبح على نقيضه فهذه إحدى عجائب الدهر الذي لا تنتهي عجائبه!! لأنني أعرف أن الموقف الصلب مثل البناء الصلب يقوم على أسس وتراكم بنائي حتى يكتمل - ولا يتغير الموقف إلا بقوة تماثل أو هي أشد قوة من ذلك البناء. والموقف مبني على قناعات أخلاقية أو مثالية أو فكرية يتشربها المرء حتى تشكل هويته وشكله الانتمائي عبر فترة زمنية طويلة - وهذه لا تتغير إلا بقناعات أخرى طاردة تحتاج إلى وقت زمني قد يكون - وهذا هو الغالب - أطول من ذلك الوقت الذي تشكلت فيه القناعات السابقة التي بنت الموقف السابق. أما صاحبنا فقد خلع موقفه كما يخلع حذاءه! وحينما سأله بعض الأصدقاء قال: إنها المصلحة والمنفعة! وانه لا قيمة للمواقف والمبادئ إذا كانت «لا تؤكل عيشاً» الزمن زمن مادي بحت وليس زمن مبادئ مثالية. لقد انتقلت من مبدأ إلى آخر ولن أحيد عنه مطلقاً هذا المبدأ هو «مبدأ المنفعة» ما ينفعني أكثر سأتخذه موقفاً والشخص الذي سيدفع أكثر سأقف معه بصرف النظر عن سلامة موقفي أمام مثالية الآخرين. فمبدأ «التقلب وعدم الثبات» هو ضد وجود المبدأ الصارم الذي لا يحيد ولا يتزحزح سوف أتقلب في المبادئ ما دمت أتقلب في النعيم. وسيظل هذا ديدني في عدم الاستقرار فأنا أعكس حالة دنياي هذه. والتي لا يثبت فيها غير جبالها. أما أنا فإنسان ولست جبلاً تسقط فوقه السيول، وتتفجر في داخله البراكين ويظل راسخاً راسياً، سأتقلب مثل ما يتقلب الطقس وأسعار البورصة وأمزجة المديرين والرؤساء سأبكي مع المظلوم إذا كان لدومي ثمن، وسأقف مع الظالم إذا كان الوقوف معه مقابل، سأسير في جنازة القتيل إذا كان ذلك يخدم مصلحتي، وسأصافح الكف التي تدفع أكثر. كل هذا الذي يراه البعض تناقضاً ولوماً أعتبره أنا موقفاً ومبدأ أرتضيه لنفسي لأنه في النهاية يدر عليّ المنفعة وإذا كان الناس يسمونه نفاقاً ورياء فأنا أسميه ذكاء وفطنة لن أتخذ عدواً ولا صديقاً، صديقي الوحيد هو (جيبي) ولن أستل قلمي إلا متربصاً منتهزاً فرصة الصيد. سأملأ دواتي حبراً ومكتبي ورقاً وأراقب أين تكمن المصلحة. سأراقب بدقة اتجاه الريح وبعد ذلك سأكتب ما أراه ينفعني ولا يضرني، ولأدع أصحاب المبادئ يأكلون من خبز مبادئهم إن وجدوه. هنا سأكون سالماً، سليماً، غانماً، راضياً، وهذا هو الذكاء، هذه هي الفطنة، وما عداه فحماقة وطيش.