في برنامج الثامنة الذي يديره الأستاذ داود الشريان، كان المستضاف المهندس معالي وزير الكهرباء والمياه الأستاذ عبدالله الحصين، ولأن الحوار أضاء علامات الخطر القادم في مستقبلنا وأعادنا إلى ما نستطيع أن نطلق عليه، رعب المياه وهدرها، فإن ما قاله عن منطقة حائل مثلاً: إن ما استهلكته في الزراعة لمدة خمسة عشر عاماً يوازي هدر ألف عام، وقس على ذلك ما جرى في كل منطقة حتى أن إنتاج الثمرة الواحدة يكلفنا العديد من اللترات، وخذ معها الزراعة الترفية وكيف أن حبة الزيتون لا تقل عن الثمرة، وهي سلعة ليست قائمة في ضروريات استهلاكنا، ثم دعنا من الورود والبطيخ، وتعال نرى زراعة الأعلاف وإنتاج الألبان والكلفة الباهظة التي تتجاوز أرقامها العقل الحسابي ومع ذلك نباهي بتصديرها للخارج ومستمرون نسمع الإنذار ولا نخافه أو التعامل معه.. الإحصاءات والأرقام المذهلة والمرعبة التي أوردها الوزير لا تحتمل التكهنات إذا كان جرد تلك الإحصاءات بني على حقائق وبيانات رصدت من مرحلة الطفرة الزراعية الأولى وإلى محاولات تقليص الهدر بإيقاف زراعة القمح، ولكن هذا لا يكفي إذا أدركنا أن المخزون من المياه لآلاف السنين بدأ لا يغطي احتياجاتنا للشرب لعقود قادمة، ومع ذلك هناك استمرار بالهدر الخطير دون اتخاذ قرارات استراتيجية تقف على هذه القضية مثلما يحسب كل برميل فقط يستخرج ويباع في الخارج أو يستهلك في الداخل تحت مراقبة عيون الاقتصاديين والجيولوجيين المواطنين والعالميين، فإن المياه تخصنا وحدنا، وهي من حيث الأهمية الاستراتيجية تتماثل مع النفط كثنائية أساسية في حياتنا ومستقبل أجيالنا.. كثيرون كتبوا وظهروا على شاشات محطات الفضاء المحلية، وأرسلوا نفس الإنذارات بأن القادم أسوأ مالم يتم وضع سياسات سريعة للمياه المحلى منها والاحتياطي الذي بدأ ينفد، ومع أن الوزير وعد بإصدار قرارات تحدد طريقة الاستهلاك إلا أن البطء في استعجالها يعني مزيداً من نزف للاحتياطيات، والمسألة تتعدى الاجتهاد وتداول الكلمات والاستشارات أو ممالأة المنتجين من أصحاب الحظوة أو التجار النافذين إلى قضية حياة أو موت لشعب وأجيال قادمة، وأعتقد أن من أولويات أي شرط للاستهلاك الزراعي وضع ضوابط ومعايير سواء لحفر الآبار ومراقبتها، أو الكم المستنزف بحيث لا يؤثر على الاحتياطيات المفترضة وغير المعوضة مع أن الرأي العام يريد تقليص المساحات الزراعية كلها بما فيها التوسع بزراعة النخيل والزيتون "الترفي" وملحقاتهما.. المشكل الذي نعرفه أن في معظم الدوائر الحكومية ذات العمل المشترك لا يوجد تنسيق بين جهة وأخرى، وهذا يصدق على الزراعة والمياه فكلتا الوزارتين ترمي المسؤولية على الأخرى وهذا ليس في صالح الوطن والمواطن إذا ما استمرت العملية بهذا التقاذف ودون حسم بأمر حيوي يضعنا على حافة الفقر المائي، وهو أخطر أنواع العوز الذي قد يبعث على الحروب والتقاتل كما تقول "الفاو" والمنظمات الأخرى إن العالم مقبل على شح مياه سوف يؤدي إلى حروب كبرى.. فإذا كانت هذه الصورة المتداولة لدول الأنهار والبحيرات والأمطار فما بالك بقحط الصحراء وعوامل الطقس الذي بدأ ينذر بندرة الأمطار وشحها، وهي حتى بكثرتها لا تعوض الاستهلاك الحاد الذي يجري ولم توقفه القرارات الحاسمة.. لسنا مع المتشائمين بأن أجيال المستقبل ستعيش بلا مياه ولا نفط، ولكن التعقل في إدارة الموارد دافع أساسي لخلق استراتيجية تعطي للجميع حق التمتع بهذه الموارد واستمرارها.