الأحد الماضي كتب الأستاذ عبدالله الهندي مدير عام المركز الوطني لبحوث الزراعة والثروة الحيوانية بالرياض مقالاً في غاية الأهمية والخطورة عن «الأمن الغذائي، والأمن المائي للمملكة» مدعماً بالأرقام والإحصائيات من خبير لديه الرؤية العلمية في هذا الاختصاص.. حالة الاضطراب في الإجراءات بين وزارتيْ الزراعة والمياه أضاعت الاستراتيجية الزراعية مما يهدد احتياطيات المياه بالنضوب، وأمام المخاطر التي لا تخفى على أي اختصاصي، فإنه لابد من تسريع العمل بسن القوانين في إعطاء الرخص الزراعية لمحصولات ترَفية مثل الزيتون، والاستمرار في الهدر غير المعقول، وغيرالمنضبط على زراعة الأعلاف والنخيل، وكما تحدث العديد من المختصين، فإنه لا توجد إحصاءات دقيقة للمخزون وإنما مجرد تحريات وظنون تُبنى على تخرصات مما جعل البعض يبالغ في مخزوننا، والآخر يحذر، ومع خطورة هذه المواقف التي لم تعطَ الاهتمام الكبير، فإن وجود إدارة عليا ترتبط بالملك مباشرة، لوقف تضارب الصلاحيات التي ستفقدنا أخطر احتياجاتنا من هذه المصادر الاستراتيجية يعتبر أمراًمهماً .. فالمحاصيل الأساسية مثل الترشيد في زراعة القمح، الذي لا يهدر رُبع ما تستهلكه أشجار الزيتون، ولا ثُمن النسبة التي تأخذها الأعلاف يجب أن يوضع في سياستنا الزراعية إلى جانب الخضروات والألبان، لأن عدم الموازنة بين احتياجاتنا الأساسية من المياه لاستدامتها، وبين الإهدار غير الضروري، يضعنا أمام مخاطر قد لا نقدر نتائجها الآن، وإنما في المستقبل القريب والبعيد.. فاحتياطيات النفط كأهم مورد لنا معروفة ومؤكدة بالأرقام وفق دراسات علمية دقيقة، بينما الرافد الآخر من المياه، لا يحظى بهذا الاهتمام وهي مفارقة يُعزى التقصير فيها لكل أجهزة الدولة المعنية بهذا الأمر، ولعل ما كتبه الأستاذ الهندي يصلح لأنْ يكون مبدأ دراسة وتحليل لمصادرنا من المياه، وقراءتهما بشكل دقيق لبناء خطط تقوم على هذا الأساس.. أما أن تُترك الأمور للاجتهادات أو الإهمال الذي يصل إلى التفرج على حالة النزف المخيف، فإننا نرهن أنفسنا لعجز هائل في مصدر ناضب، ولعل الدول الغنية والفقيرة بهذه المصادر، هي من يضع الخطط لسياساتها حتى إن حفر بئر، أو تحويل مجرى، أو مضاعفات باستهلاك ترفي وغير مبال، تُفرض لها قوانين صارمة ودقيقة، ونحن من الدول الفقيرة جداً كبيئة صحراوية.. أكرر أن الأمر خطير، وليست هذه ظنوناً وإنما هي حقائق باحثين على درجة عالية من التأهيل والمواقف الوطنية، وما لم ندرك دقات جرس الإنذار، فإن اللامبالاة سوف تغرقنا في واقع لا نريد أن نراه، لأن الأمن الغذائي مرتبط، عضوياً، بالأمن المائي، وكلاهما معادلة الحياة والموت في قضية لا تقبل الإهمال..