أستشهد بمقالي الشهير في مجلة اليمامة، عام 1994 عن زراعة القمح. كان بعنوان [الماء يبحث عن إدارة]. لا أود الخوض فيما ورد في المقال. أحدث صدمة في حينه. بعد كل هذه السنين، ثبت أن الماء مازال حتى اليوم يبحث عن إدارة. اخترت هذا العنوان ليكون أيضا عنوانا لكتابي عن قضيتي الكبرى (المياه الجوفية). صدر العام الماضي لتأكيد أن الماء لدينا لا يحتمل التخاذل والتهاون والتفريط. نعيش تناقضا واضحا مع المياه الجوفية. هل نخدع أنفسنا؟! الواقع في شعب وشعارات الحفاظ على المياه في شعب آخر على المريخ. هل أصبحت الجهات المسئولة جزءا من المشكلة؟! هل أصبحت متورطة بخلق مشاكل المياه؟! الواقع والحقائق والتصرفات تثبت الادعاء وأكثر. أدعو وبقوة إلى العودة لزراعة القمح لنأخذ كمثال قرار مجلس الوزراء الموقر، بجعل عام (2015) آخر موسم لزراعة القمح. أن تقوم وزارة الزراعة بتجاوز أهداف القرار وتجريده من أهميته فهذا غير مقبول. يجب أن يكون هناك مساءلة حول هذا الشأن. كان هدف قرار مجلس الوزراء الحفاظ على ما تبقى من المياه الجوفية لصالح الأجيال القادمة. لكن الوزارة تخطت هذا الهدف بتشجيعها زراعات أخرى أشد ضررا من زراعة القمح. فهل يعقل أن نوقف زراعة القمح ونشجع زراعات أخرى أقل أهمية وأكثر ضررا على المياه الجوفية؟!. أعلنت وزارة الزراعة أنه سيتم الاعتماد على الاستيراد الخارجي. وأن عام (2015) سيكون آخر موسم لزراعة القمح المحلي. تبرير الوزارة، أن (إمكانيات المملكة الطبيعية لموارد المياه لا تؤهلنا وغير كافية لإنتاج احتياجاتنا الكاملة من القمح). إذا كانت المياه هي المبرر كما تدعي الوزارة، فلماذا تشجع زراعات أخرى فاقت في استهلاكها ما كان يستهلكه القمح؟! أليس هذا تناقضا يشير إلى خلل في سياسة، وفلسفة، ورسالة، ورؤية الوزارة؟! مفارقات توحي وتقول. مفارقات تجعلنا نعيش القلق على مياهنا الجوفية. هل تعرف الوزارة امكانيات كل منطقة جغرافية؟! هل تعرف الامكانيات البيئية المتاحة؟! هل نعيش تناقض الأهداف وتعارض المصالح؟. من حقنا الدفاع عن المياه الجوفية. من حقنا رفع الصوت بالنقد البنّاء. من حقنا كعلماء في الجامعات المشاركة في وضع سياسات الوزارة الزراعية، والتدخل علميا لكشف الاخطاء وتوضيح الحقائق. من واجبنا العمل بحماس لوقف الممارسات المخلّة بأمننا المائي ومياه الأجيال القادمة أيضا. من واجبنا المناداة بوضع قانون لحماية المياه الجوفية من العبث. البعض يمارسه بمباركة وزارة الزراعة وتشجيعها. الماء ملك الجميع. هل من حق الوزارة أو الأفراد إهداره على زراعات عشوائية أو على مشاريع استراحات تهدره بدون حساب؟! الماء نعمة، علينا صيانة النعمة وحمايتها من الزوال. نعم ناديت قبل أكثر من عقدين بوقف زراعة القمح حفاظا على المياه الجوفية. كان ذلك في الوقت الذي كان الاستهلاك المحلي من القمح لا يتجاوز المليون طن سنويا، وكنّا ننتج في حينه أكثر من أربعة ملايين طن. هل في هذه الزيادة منطق عقل أو حكمة أو توفير للمياه الجوفية؟! في ذلك الوضع وتلك المرحلة ناديت بضرورة وقف زراعة القمح. لم يستمع وينصت إليه أصحاب المصالح في حينه. وبعد كل هذه السنين تم تحديد عام 2015 نهاية لزراعة القمح في المملكة. لم يتوقف الوضع عند زراعة القمح. زادوا الطين بلّة بالتوسع في زراعة الشعير ثم تعدّاه إلى زراعة الأعلاف، ثم انفلت القياد لكل أنواع الزروع. تناقض فاضح، هل تحول القمح إلى آلة يعزف الجميع عليها كل ألحانهم غير الصادقة في الأهداف والنّيات؟!. اليوم في ظل هذا الوضع المتناقض وغير الجاد، أدعو وبقوة إلى العودة لزراعة القمح بدلا من التوسع في زراعات أخرى غير أساسية للمواطن وللمستقبل، لكنها زراعات اصبحت بديلة عن القمح في استنزاف المياه الجوفية. أي منطق في منع زراعة القمح وتشجيع التوسع في زراعات أخرى؟! استهلاك زراعة القمح من المياه في حدود احتياجاتنا الفعلية منطقي ومقبول. إن بقية الزراعات في المملكة تستهلك أكثر من (77) بالمائة من المياه الجوفية. فكيف نوقف زراعة القمح بحجة أن (إمكانيات المملكة الطبيعية لموارد المياه لا تؤهلنا وغير كافية لإنتاج احتياجاتنا الكاملة من القمح)، بينما تؤهلنا وكافية لزراعة أشجار الزيتون، وزراعة أشجار النخيل، وزراعة الفواكه، وزراعة الورد والبطاطس والبطيخ الذي يُصدر إلى اليابان؟!. حقائق أطرحها للعقلاء الذين يعطون للمياه الجوفية قيمة ومقدارا. التمر فاكهة يمكن الاستغناء عنها، يمكن العيش بدون تمر لكن لا يمكن العيش بدون كسرة خبز. التمر فاكهة، يمكن الاستغناء عنه. فاكهة مثل العنب والحمضيات التي احتفلت الوزارة مع المحتفلين بزراعتها في حائل قبل شهر. مثله مثل الخوخ والمشمش والمنجة. نحن لسنا بحاجة إلى فواكه. نحن بحاجة إلى القمح. كان يجب أن تكون المنطقة الوسطى سلّة خبز المملكة، ويجب أن تكون. أشجار النخل التي تعطي التمر محل التفاخر تستهلك حوالي (24) بالمائة من المياه الجوفية، وتستهلك زراعة الاعلاف (25) بالمائة، وتستهلك بقية المزروعات (28) بالمائة. القمح لا يتجاوز استهلاكه (23) بالمائة. إلى أي منزلق ومستقبل ستأخذونا اليه. جففتم البلد ثم (غصيتم) بزراعة القمح. يا سبحان الله كل هذا وأنتم ترددون (إمكانيات المملكة الطبيعية لموارد المياه لا تؤهلنا وغير كافية لإنتاج احتياجاتنا الكاملة من القمح). هناك أيضا مناطق الدرع العربي التي تجاهلتها الوزارة، يمكن ان توفر كامل احتياجاتنا من القمح المحلي الذي يعتمد على المطر فقط. هناك سهول تهامة التي دمرناها ببحيرات السدود لتجميع المياه (لي معها مقال قادم)، لكن... ما الهدف من هذه السدود؟! تارة يقولون لتغذية المياه الجوفية. تارة يقولون لحماية الارواح والممتلكات. بعد انتقال مسئولياتها إلى وزارة المياه أصبح هدفها تأمين الشرب للمواطنين. كأن المواطن لا يأكل بل يعيش على الماء. مصيبة عظيمة نعيشها مع التناقضات. [email protected]