مع اول خيوط الشمس، وأول نهار يعلن يومي الأول في المدرسة، كنت اقفز فرحاً وحماساً لهذه التجربة الجديدة، في الحقيقة انا لم انم في تلك الليلة، كنت أفكر ماذا سندرس؟ ما الكتب التي سنقرأها؟ ماذا سنتعلم؟، هل ستحكي لنا المعلمة قصص جميلة كل يوم؟ هل سنلعب ألعاباً ممتعه في الفصل؟ هل سنردد النشيد الوطني الجميل كي يوم؟ لم أتوقف عن التفكير في المدرسة، هذا المكان الذي بنيت عليه أحلاماً كثيرة، وأهمها انني سأستمتع دوما بالذهاب اليها. ما ان وصلت الى المدرسة، حتى رأيت كثيرا من الطالبات الصغيرات الباكيات، لم اكن اعلم سبب بكائهن.. هل هو خوف؟ ام لأنهن سيفارقن امهاتهن؟ بدأتُ الدراسة، في الحقيقة صُدمت من مدى جمود وخشونة المنهج، رسومات باهته على الكتاب، ونصوص وأشعار مملة، كنت افتقد القصص الشيقة التي كانت تقرأها علي أمي. وما أن تبدأ المعلمة بقراءة نص مادة "القراءة" حتى أسرح بخيالي الى عوالم بعيدة، اسافر بالزمن الى الماضي البعيد، وأطير من مكان إلى آخر، إلى الصحراء حيث قصص علاء الدين والسندباد ورحلاتهم الشيقة عبر البراري والبحار، وإلى المدن والقرى القديمة حيث القصص المؤثرة لبائعة الكبريت وبحيرة البجع، والقصص المشوقة للدببة الثلاثة وذات الشعر الذهبي وروبن هود وغيرهم، كان داخل رأسي عالماً رائعاً مليئاً بالألوان الصاخبة، ولا شيء يخرجني منه الا ضربة المعلمة على طاولتي، لتنهي بذلك رحلتي القصيرة. قضيت في هذه المدرسة 6 أعوام، وتأقلمت مع روتينها اليومي مثلي مثل زميلاتي، لكن كانت هناك حقيقة لم اتنبه لها الا في عامي السادس في المدرسة، لاحظت اني تغيرت، لم اعد كما كنت قبل أن ادخل هذه المدرسة، كنت طفله حالمة، كنت احب القصص والرسم واللعب والمرح، كنت اعشق القراءة لدرجة ان ثلث يومي أقضيه وانا أقرأ، لكن ما ان بدأت الدراسة حتى اختفى هذا الحماس، لم يعد للكتب والقصص رونقها السابق، وصارت القراءة محكورة فقط على المواد الدراسية الثقيلة. مع مرور الوقت لم نلاحظ انا وزميلاتي في الفصل اننا صرنا على مستوى تفكير واحد، لا نعرف كيف نناقش الآراء ونحترمها، بل لا وجود للآراء بيننا، فالحقيقة هي ما تقوله المعلمة فقط لا غير، صار تفكيرنا موحد، أيضاً نحن لا نعرف ما هو تبادل الأفكار، الاستكشاف، الابتكار، التعلم الذاتي، التقصي عن المعلومات، التميز، هذه المصطلحات غريبة علينا. نحن نفتقد شيء واحد، وهو شيء مهم جداً يجب أن تبنى عليه كل العمليات التعليمية، لأن تعليمنا بدونه سيصبح مجرد حشو لا أكثر، انه "الإبداع".