في مرحلة زمنية سابقة من المراحل العديدة التي مرَّ بها الشعر الشعبي كان اهتمام الشاعر يتجه في الغالب نحو هدف واحد هو البحث عن وسيلة من الوسائل الإعلامية المتاحة يستطيع من خلالها إيصال قصيدته للمُتلقي، وكانت المجلات الشعبية هي الوسيلة الأنسب في مرحلة معينة امتدت ما بين عامي 1989 و2012م تقريبًا، لحق بها وتصاحب معها ولادة ظاهرة المنتديات الشعرية على شبكة الانترنت عام 2000م التي وجد فيها الشعراء مساحة أرحب للإبداع والتواصل مع الجمهور بشكل مباشر، وفي عام 2004م بدأ عصر القنوات الشعرية التي ساهمت في توسيع دائرة الاهتمام بالشعر الشعبي وإيصال أصوات مبدعيه لمساحات أوسع مما كانت عليه. اليوم وبعد ربع قرن من التحولات في وسائل إعلام الشعر الشعبي نعيش مرحلة مختلفة يُمكننا القول بأنها تشكل الخاتمة لجميع تلك المراحل التي كانت تتداخل وتتكامل فيما بينها مع تباين واضح في سمات كل مرحلة، نعيش اليوم عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي ألغت اهتمام الناس بجميع الوسائل (مجلات، منتديات، قنوات شعرية)، وأصبح من النادر جدًا أن تستمع أو تقرأ في أيامنا هذه لأحد يتحدث عن موضوع شعري تمّت إثارته في أي وسيلة منها لاسيما البرامج الحوارية الشعرية التلفزيونية التي كانت - إلى وقت قريب -تلعب الدور الأكبر في تحريك الراكد وإثارة المواضيع الساخنة في الساحة الشعرية، وهذا مؤشرٌ واضح يؤكد على أنّ البرامج تعيش فترة الاحتضار ولم تعد قادرة على لفت الانتباه أو تقديم ما يستفز المشاهد. المسابقات الشعرية التي تُعد أبرز ما تمخضت عنه مرحلة القنوات الشعرية هي الاستثناء الوحيد، وهي الوحيدة التي ما زالت تمتلك القدرة على استثارة الشعراء وجمهور الشعر، مع غرابة أن تكون برامج المسابقات الأكثر نجاحًا وتأثيرًا تُنتج وتنفذ بعيدًا عن القنوات الخاصة بالشعر أو التي يتركز اهتمامها عليه..! أعتقد أن أبرز ما يُميز هذه المرحلة هو تحول هدف الشاعر من البحث عن وسيلة لنشر قصيدته للبحث عن وسيلة يستطيع من خلالها استثمار موهبته ماديًا، وتحول مسار النقد إلى أعضاء لجان تحكيم المسابقات الشعرية بعدما ظل لعقود موجهًا إلى القائمين على المجلات والمشرفين على الصفحات الشعرية. أخيرًا يقول عماش الحربي: من فقدتك والمساء جدًا كئيب في غيابك كل نبضه فاتره لا ذكرتك صابني شيءٍ غريب وامتلا كمّي بدمعٍ ساتره!