مع تعافي سوق الأسهم وارتفاع مؤشره ومستوى السيولة تتعالى الأصوات التي تطالب بطرح شركات جديدة لزيادة الفرص الاستثمارية وامتصاص سيولة السوق بدلاً من تسببها في تضخيم أسعار شركات المضاربة والصغيرة تجنباً لما حدث عام 2005م، ومع أن ذلك يمثل مطلباً ملحاً لتنويع مجالات الاستثمار للأفراد والصناديق بطرح شركات ناجحة كبرى سواء جديدة أو عائلية، إلا أنه من واقع التجربة السابقة بطُرح شركات عائلية وخاصة للاكتتاب العام بعد فبراير 2006م ثبت أن بعضها لم تكن مؤهلة لدخول السوق وبعلاوات إصدار، حيث تسببت في خسارة المواطنين لأموالهم بانكشاف حقيقتها بالخسائر الفادحة بعد أشهر من طرحها. فمن خلال الاطلاع على الإعلانات التي تُنشر بتحويل شركات خاصة وعائلية الى شركات مساهمة مقفلة نجد منها شركات عرف عنها أنها مازالت تعاني من مشاكل مالية وإدارية وتعثر في تسديد قروض عليها للبنوك والدولة وفق مواعيد أقساطها ولديها مطالبات بإعادة جدولتها، ولذلك فإن هذا التحويل لكيان الشركة ماهو إلا خطوة أولى لتحولها لشركة مساهمة بطرح جزء من رأس مالها للاكتتاب العام وبعلاوة إصدار وليحصل ملاكها على أضعاف رأس المال لشركة تواجه أساساً مشكلة مالية كبيرة، فهذا الطرح لإنقاذ مؤسسي الشركة من الخسارة وتحميل الملاك الجدد تبعات الديون والخسائر السابقة وإعادة الاقتراض وإصدار صكوك بديون جديدة لتسديد ديون سابقة! والغريب انه عند الاطلاع على تفاصيل التحول السريع لمعظم الشركات نجد دخول «شركاء جدد» ورفع كبير لرأس المال، بل رأينا شركات ضُخمت أصولها ومنها حساب المدينين (الديون المستحقة لصالح الشركة) وتم بعد طرحها البدء في شطبها كديون معدومة وبمئات الملايين، لترتفع الخسائر لأعلى من رأس المال ليتم إيقاف تداول أسهمها وخسارة ملاكها الجدد لجميع أموالهم! وهذا التلاعب بالقوائم المالية وتجميلها بأصول وهمية وأرباح ورقية وتجاهل مخاطر القروض المتعثر سدادها، ثبت للجميع وبشكل واضح أن السبب يكمن في عدم تدقيق جهاتنا المختصة للوضع المالي الحقيقي للشركات التي تتحول لشركة مساهمة مقفلة لكون الأثر السلبي سينتقل سريعا لمساهمين جدد بطرحها للاكتتاب العام وهو الهدف الأساسي من تحويلها لمساهمة مقفلة! فالاعتماد الكلي على مكاتب المراجعة انتهى زمنه ولا يستند عليها بالحكم على صحة تلك القوائم المالية ونمو الشركة واثبت ذلك واقع بعض الشركات التي طرحت، وقد سبق أن شطبت وزارة التجارة والصناعة مكاتب للمحاسبة لتلاعبها ولكن بعدما تورط المواطنين بأختامها وهم الذين لايمكن حقاً تحميلهم بمسؤولية قرار الاكتتاب أو الشراء بعد تداول أسهمها، لكون معظمهم غير متخصصين في قراءة القوائم المالية وقد وثقوا فيمن اعتمد طرحها وهي جهات رسمية متخصصة وأكثر مهنية سواء حكومية او مكاتب قانونية ومحاسبية اطلعت على تفاصيل القوائم المالية واعتمدتها. المؤسف أن عدم بحث جهاتنا الرقابية في أساس القوائم المالية التي تم الاعتماد عليها بالطرح وعلاوة الإصدار ومدى صحتها، شجع الشركات الجديدة على اتباع نفس الممارسات المضللة لعدم الملاحقة القضائية للملاك السابقين، ولذلك ففي الوقت الذي نشجع على طرح الشركات العائلية الناجحة للاكتتاب، فإن هناك حاجة للمزيد من التدقيق والرقابة على أعمال الشركات التي تطلب طرحها للاكتتاب وبحيث لايتم الاعتماد كلياً على مكاتب مراجعة تصادق على حسابات من بيده فعليا قرار الاختيار وقيمة عقدها، فبوادر طرح شركات خاسرة بقوائم مجملة خلال الفترة القادمة أصبحت واضحة والمحرج لجهاتنا الرقابية إذا تكررت مشاكل الشركات التي افلست في شركات أخرى نراها تتحول حاليا لشركات مقفلة وثبت بأننا لم نستفد من الدرس الذي دفع ثمنه مواطنين خدعوا بكثرة التوقيعات والأختام على نشرات الإصدار والقوائم المالية.