لم تُطفئ ريحُ الزّمن جذوةَ روحه وبريق روحه المتفائلة، ولم تَطَلْ منه الخمسة والسبعون عاماً أو تُفقِدُهُ وضاءة عينيه اللتين تشفّان عن قلق معرفي وثقافي لا يهدأ. فالأخاديد المحفورة على وجهه تحكي قصّة صبر دؤوب وكفاح ونضال مع الظروف والفقر والجهل الذي كان سائداً. العم حمود عبدالعزيز القصير يحمل هماً ثقافياً واجتماعياً ويرى ضرورة مكتبات الأحياء ويعتبرها حصانة للأبناء من الارتماء في أحضان الضياع والجهل والمخدرات والحوادث، وكذلك الأفكار المسمومة التي تجد بغيتها في الشباب الغرّ والفقير معرفيا وثقافيا. في هذا الحوار طرح عدة رؤى متبصّرة وعميقة تعكس خبرة سنين عديدة تكتنز حكمة وتجربة. يقول أبوعبدالعزيز بدأت حياتي في سلك التعليم للبنين بعد تخرجي من كلية إعداد المعلمين ثم انتقلت لتعليم البنات تدرجت من وظيفة معلم إلى الى مسؤول إداري ثم جرى إحالتي للتقاعد عام 1412ه ووجدت أن التقاعد فرصة ثمينة للتفرغ لعشقي الكبير والمتواصل للقراءة والإطلاع فكان أن قمت بفتح مكتبة. ويواصل: بعد أن تم فتح مركز الأمير سلمان الاجتماعي توجهت له لأسجّل كأول عضو في هذا المركز وحين لمسوا فيّ الشغف بالقراءة والكُتب أسندوا إلي مهمة الإشراف على المكتبة بالمركز وهو ما شجّعني على التقدّم باقتراح مفاده الاستفادة من مكتبات المتقاعدين المهجورة ويضيف: كما تعلم أن المتقاعدين يزداد عددهم يوماً بعد يوم ومكتباتهم تُهجر ولا يستفاد من كنوزها العلمية والمعرفية وبزغت مع هذه الفكرة اقتراح ان ترعى"صحيفة الرياض" هذه المكتبات التي بوجودها سنوفر للعلماء والباحثين مقراً لهم على غرار ما قام به الأفذاذ من مؤرخينا وأدبائنا كحمد الجاسر أو عبدالله بن خميس أو عبدالكريم الجهيمان مثلاً الذين تعد مكتباتهم مرجعاً مهماً للكثير ويجدون فيها ما لا يجدونه في المكتبة العامة. وبحرقة وخيبة ألقت بظلال حزينة على حديث العم أبو عبدالعزيز يواصل قائلاً: فكرة المكتبة رائعة جداً وكان هدفنا أن يعرض بها كل كتاب جديد بحيث تتم إشاعة المعرفة وبالجديد والمواكِب بطريقة سهلة وغير مكلفة للشغوفين بالعلم والبحث والثقافة بشكل عام لكن للأسف فوجئت أن مركز الأمير سلمان حالياً قائم على الإعانات حيث لا يوجد دعم له وكان اسمه مركز المسنين إلا أن أهالي الرياض أرادوا أن يسمى باسم أميرها وقتها لذلك اصطدمت فكرة المكتبات بالعائق المادي الذي حال دون تحقيقها لأن إنشاء تلك المكتبات يحتاج المشراق مكان لكبار السّن يستعرض خبراتهم ويبصر الصّغار بمخاطر المستقبل ميزانية ومقارّ وصالة كبرى ومعرض دائم للكتاب الجديد وخلافه حتى يكون ظهورها ملبياً للهدف من إنشائها. ويضيف العم أبوعبدالعزيز قائلاً: وكنت قد كتبت في أحد الصُّحف: إن المسنّين الذين لا يرعاهم أحد يجدون من يساعدهم بخلاف فئة المتقاعدين الذين يزداد عددهم كل عام والتقيت وقتها بالأستاذ أبوعلي النعيم الذي كان مسؤولاً عن مكتبة الملك فهد الوطنية وقلت له:أنتم الآن بصدد إنشاء مركز للمسنين وهم فئة تقوم على رعايتها وزارة الشؤون الاجتماعية لكن المتقاعدين لا أحد يرعاه فقال لي: من قال لك ذلك؟ هذا المركز لكم أنتم المتقاعدون فاتجهت للمقر في شارع الستين وقتها والتقيت المسؤولين للتسجيل كأول عضو فيه قالوا:المركز لم يفتتح بعد لكننا سنجلك كعضو في المركز وحين رأوا مني الحماس طلبوا مني أن أكون أميناً للمكتبة لكني حلمي بمكتبات للمتقاعدين ينضوي تحت مركز الأمير سلمان لم يكتب له النجاح. ويتوقّف قليلاً العم أبو عبدالعزيز ليحكي لنا عن شغفه بالقراءة ونشر الثقافة فيقول:الحقيقة لي ولع كبير بالكتاب منذ الطفولة وكان نهمنا لا يتوقف عند قراءة المقررات بل كنا نتابع ما ينشر وما تدفع به المطابع العربية من كتب ومجلات مثل مجلة العربي التي سافرت خصيصاً لمصر للحصول على أعداد منها لم تكن موجودة لدي وبعض الإصدارات الأخرى ويضيف: للأسف الآن لا نجد هذا الاهتمام بالكتاب وبالقراءة من قبل الجيل الجديد الذي بات أسيراً للأجهزة الكفية والجوالات التي فصلت الأسرة عن بعضها إذ تجد كل فرد مشغول بالكتابة فيه ومشاهدة المقاطع المرئية وغيرها ويستدرك قائلاً: لا ننكر أن بهذه الوسائل الحديثة فائدة من حيث سهولة الحصول على المعلومة لكن تبقى الدراسة والتعليم أهم. ويلفت العم أبو عبدالعزيز إلى أهمية المكتبات في المركز أو في الأحياء مستخدماً تعبيراً طريفاً وجميلاً وصفه ب"التكافل الثقافي" الذي تحدثه تلك المكتبات في المجتمع وبين أفراده ولذلك يؤكد قائلاً: طرحت هذه الفكرة انطلاقاً من هذا الإحساس. وعن دفاعه عن فكرته ومحاولة مقابلة أي مسؤول كأمير الرياض مثلاً لدعم فكرته يقول: الحقيقة الوصول للمسؤول إن لم تربطك به قرابة أو معرفة أو وساطة فأرى صعوبة الوصول إليه لذلك اكتفيت بالكتابة في الصحف لايصال الفكرة وبذلك أبرأت ذمّتي. وعن مصير الكتب يقول: بعد يأسي من فكرة المكتبات حاولت فتح مكتبة خاصة بي تكون مجانية وبالفعل أستأجرت محلّين داخل الحي وبحثت عن الجهة التي تمنحني الترخيص وبحثت لكن كل من قابلتهم قالوا ليس من اختصاصنا وهذا الحدث تزامن مع انشاء مراكز الأحياء التي لم أكن أعلم بها وطرحت الفكرة عليهم فرحبوا لكن من استأجرت لديه المكتبة عبث في هذه الكتب ولا أعلم عن مصيرها لأسباب مالية تتعلق بالإيجار وهو خطأ منه إذ لم يحضر لي قيمة الايجار لدفعه وضاعت الكتب وتقدمت بشكوى لمركز شرطة المنار لكن سنّي الكبيرة لم تمكنّي من الركض ومتابعة الشكوى أو خلافه لكن المكتبة كانت مشروعًا وطنيًا كنت أتمناه لخدمة الأهالي وللأسف لم يكتب له النجاح. وعن هذه الفكرة وهذا الحلم وهل ينوي الاستمرار فيها قال:بالتأكيد ولذلك قمت بمخاطبة جميع الصحف وطرحت الفكرة ولم يستجب معي سواكم ما يعني نشاطكم وتلمسكم لهموم وطموحات المواطنين وهي فرصة لتقديم الشكر لكم. وعن تعامله مع التقنية يؤكد أبوعبدالعزيز أنه متابع لها ويكتب على حاسوبه الشخصي قائلاً: هذا الحاسوب يمنحني المتعة ويقضي على الجزء الأكبر من فراغي كمتقاعد مسنّ. وعن كيفية قضاء الوقت في ظل الفراغ وقلة الأصدقاء يقول: أحاول استثماره بشكل خلاق واقتراح أفكار أرى أنها تخدم طني على سبيل المثال: في ظل كثرة الحوادث المرورية القاتلة وموت الفجاءة وغيرها وما نشهده من أثر الحوادث بسبب ظاهرة التفحيط والتهور في القيادة لدي فكرة بسيطة تتمثل في عمل رسالة توجيهية لهذه الفئة تتبناها أي جهة وهي طباعة كروت تحوي دعاء سيد الاستغفار ووصية الرسول صلى الله عليه لابنته فاطمة على أن يتم توزيعها للسائقين على مداخل ومخارج المدينة وفي الأحياء وعلى ثقة أنها فضلاً عن التذكير بالله سترسخ الإيمان خصوصاً وأن بعض من يقودون السيارات -وهم قلة بحول الله- يكونون تحت تأثير المخدر أو المسكر فمثل هذه الأدعية تهدئ النفوس وتبث الطمأنينة. وعن نصيحته للجيل الحاضر يقول أبوعبدالعزيز لا بد أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن فئة المتقاعدين طاقات لم تستوعب ولم توظّف بشكل جيد بل أستطيع القول إنهم طاقات مهدرة وأتمنى أن يتم تفعيل دورهم واستثمار تجاربهم الحياتية المهمة عبر الاستفادة منهم –مثلاً- في زيارات ولو أسبوعية للمدارس المتوسطة أو الثانوية يستعرضون تجاربهم في الحياة والدروس المستفادة منها وهي فكرة على غرار ما كان يعمل في مجلس"المشراق" وهو مكان يجتمع فيه كبار القرية ليحثوا عبره عن تجاربهم ومشاهداتهم وأسفارهم ليتعلم منها الأطفال والشباب. حمود القصير لم تفقده شيخوخته الشغف المعرفي ويشرح فكرة النشرات التوعوية لقائدي المركبات