أحد أهم أسماء المخرجين الصينيين الآن هو المخرج جيا زانجكي، ليس لتميز لغته السينمائية فحسب، وإنما وأيضاً لموضوعاته ولرؤيته التي يطرحها عن الصين المعاصرة. يتناول آخر أفلامه "لمسة خطيئة" A Touch of Sin، أربع قصص منفصلة، مستوحاة من قصص حقيقية، وتتقاطع بشكل بسيط لتروي أربع جرائم مختلفة. وهذا النوع من السرد بدأ المخرج الكاتب بالتجريب به في فيلمه السابق "حياة ساكنة" Still Life الحائز على جائزة الأسد الذهبي كأفضل فيلم من مهرجان فينيسيا عام 2006، حيث يروي فيه قصتين منفصلتين حيث يبدأ برجل يبحث عن زوجته وابنته ثم نتابع قصة أخرى لامرأة تبحث عن زوجها. وكعادته في كل أفلامه هناك فصول معنونة بعناوين مختلفة تشكل مراحل مختلفة من القصة. ما يختلف في هذا الفيلم هو نبرة النقد للفساد الذي يولد العنف، ولكن على الرغم من كثرة مشاهد الدماء في هذا الفيلم، لكن العنف هنا مختلف عن العنف في الأفلام الأمريكية، فهو بعيد عن الإثارة ولا تزال فيه من بقايا الروح الشعرية التي ميزت أفلام المخرج السابقة، كما في فيلم "حياة ساكنة" وفيلم "العالم". يبدأ الفيلم بشخص يقود دراجة نارية في طريق جبلي ويخرج عليه ثلاثة شبان ليحاولوا سرقته لكنه يخرج مسدس ويرديهم قتلى جميعاً، وما يجعل الوضع يبدو مريباً أن أحدهم يهرب لكن راكب الدراجة النارية يواصل متابعته إلى أن يقتله مما يعطي إشارة بأنه قاتل محترف وليس شخصاً يرغب في الدفاع عن نفسه. ينطلق بعدها بدراجته النارية ويعبر شاحنة يقف عندها شخص آخر نعرف فيما بعد أنه بطل القصة الأولى. إنه عامل منجم (جيانغ وو) يعود إلى قريته ليستفسر عن منجم فحم يمتلكه مجموعة من العاملين فيه وتم بيعه بعد أن وعدهم المدير أن يتم اقتسام المبلغ عليهم جميعاً، ولكن أحداً لم يستلم شيئاً وأثرى المسؤول وحده. يحاول العامل الاعتراض وتحدي المدير ولكنه يقابل بالتجاهل بل يتم الاعتداء عليه بعد أن يواجه المسؤولين في حفل رسمي؛ ويتم السخرية منه، فيحاول الانتقام لنفسه. نعود بعدها لراكب الدراجة النارية (وانغ باوكيانغ) الذي شاهدناه في افتتاحية الفيلم، ونشاهده يبحر في مركب عائداً إلى قريته حيث يقام احتفال لوالدته بمناسبة بلوغها السبعين من العمر. يقابل زوجته التي لا ترغب في أخذ مال منه بسبب علمها بعمله غير القانوني. في حين أنه لا يرغب بشيء سوى أن يتنقل سارقاً وقاتلاً فهذا ما يشعره بطعم الحياة التي يجدها رتيبة قاتلة في قريته. ثم هناك موظفة استقبال في صالون تجميل (تقوم بدورها زهاو تاو زوجة المخرج وبطلة معظم أفلامه) حيث يحاول أحد الزبائن إهانتها والاعتداء عليها فلا تلبث أن تلتقط السكين وتوجه طعناتها إليه. وأخيراً نتابع الشاب الذي ينتقل من عمل لآخر بحثاً عن حياة كريمة ولكنه ينتهي بقتل نفسه بعد أن يشعر أن الإهانة تلاحقه أينما ذهب. شخصيات الفيلم تعيسة تجبرها الظروف على العيش بطريقة لا ترغب فيها وتحاول المقاومة باللجوء إلى العنف كخيار تراه الوحيد لرد الاعتبار لكرامتها. رغم أن إيقاع هذا الفيلم أسرع نوعاً ما عن أفلام زانجكي الأخرى، فهو لكن هناك ما يذكر أحيانا بأسلوبه السابق بالتقاطه لتفاصيل الحياة اليومية المعاصرة في الصين ولأسلوبه في التصوير وخاصة في أحجام اللقطات التي تتراوح بين متوسطة إلى طويلة وطويلة جداً حيث الأشخاص غير مفصولين عن محيطهم الجغرافي، فهناك دائماً حضور خاص للمكان وللطبيعة، مما يضفي لمسة خاصة على الفيلم ككل ويأخذ منحى شاعري رغم واقعيته الشديدة. وقد حافظ على ذات الأسلوب وذات الإيقاع في القصص الأربعة خالقاً وحدة بصرية، مما يذكر بفيلم " "Nine Lives لرودريغو جارسيا (ابن الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز) حيث يحكي قصص منفصلة لتسع نساء تتقاطع بشكل بسيط في مدينة لوس أنجلوس، وكل قصة مدتها عشر دقائق مصورة كلقطة واحدة بدون قطع. ما يميز هذه النوعية من التجارب السينمائية أنها تعطي نظرة بانورامية لثيمة معينة يود المخرج التعمق في تناولها من خلال طرح قصص تتناول جوانب متعددة. وهو الأمر الذي أهل فيلم "لمسة خطيئة" إلى الفوز بجائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان لعام 2013.