صحيح أننا نحقق أرقاماً قياسية كل يوم في عدد المواد المصورة عبر اليوتيوب، وفي عدد المشاهدين لهذه المواد حتى أصبحت وسيلة فاعلة وقوية في أشكال كثيرة من التواصل بين كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك المشاهير الذين يحرص العديد على متابعتهم. جميل هذا التوجه والمسلك الحضاري في التعامل مع التقنية واستخدامها فيما يعود بالنفع على الجميع، ولكن هل كل ما نشاهده يسر الخاطر ويحقق الهدف، أم أن هناك مواد ليتها لم تصور ولم تنشر عبر اليوتيوب لسبب أو لآخر؟. مرت علينا في السنوات الماضية، ولا تزال إلى اليوم، مشاهد في اليوتيوب محزنة ومفزعة، وأخرى فاضحة، وثالثة مضللة فكرياً أو عقائدياً أو اجتماعياً. على من تقع الملامة في هذه الحالة، وكيف يمكن لنا أن نُرشّد هذه الوسيلة الاجتماعية في التواصل ونجعلها تُسْتخدم فيما فيه الخير؟. المشكلة أن كلاً منا يحمل في جيبه جهاز هاتف له القدرة على التصوير الفيلمي، ومن ثم الإرسال دون رقيب. هنا تتسع دائرة الاستخدام وتصعب السيطرة إلى حد ما، ولكن دعونا نأخذ بمنحى (ما لا يُدْرَك كله لا يُترك جُلّه). أفزعني وأفزع الآلاف مثلي مشهد مقتل عامل البقالة في حي السويدي الذي يظهر فيه احد المواطنين وهو يوجه لهذا العامل الطعنة تلو الأخرى وسط الشارع على مرأى ومسمع من المارة. وكنا شاهدنا قبل ذلك بمدة مشهد الزوجة التي كانت تروي تفاصيل مقتل زوجها في إحدى ضواحي مدينة الرياض، وشاهدنا في مشهد ثالث أحدهم وهو يتلفظ بعبارات نابية ضد رموز هذا البلد. هذه المشاهد لا تلبث بعد نشهرها في اليوتيوب إلا وتسرى في الآفاق سريان النار في الهشيم، ويتناقلها المتصفحون في الداخل والخارج مقرونة بتعليقات قد تزيد الأمر سوءا وتشجع على سلوك المسار نفسه. لابد في مثل تلك الحالات من التوعية والعقاب في حق كل من يثبت أنه قام بنشر مشاهد يمكن وصفها بالمسيئة عقائدياً أو وطنياً أو اجتماعياً. قد يفرح أحدهم أنه الوحيد الذي صور حادثة ما، وفي خضم نشوة الفرحة نجده يدفع بما صوره إلى اليوتيوب ظناً منه أنه حصل على سبق لم يصل إليه أحد قبله، وهو بفعله هذا يغيب عن مخيلته حجم الضرر الذي يمكن أن يسببه جراء عمله. ولو أخذنا مشهد العامل الذي قُتل بعد أن وُجّهت له الطعنات وسط الشارع لوجدنا له آثاراً سلبية واجتماعية ووطنية، ويكفي أن نُدرك كم من عامل في هذه البلاد شاهد المقطع المصور، ومن ثم حمل في ثنايا نفسه الحقد والكراهية لأبناء هذه البلاد، وقام بالتالي بإرسال المشهد إلى من يعرف من أصدقائه وأقاربه داخل المملكة وخارجها معلقاً بأن التعذيب والقتل هو من شيمنا. هناك أنظمة لدى جهات متعددة في الدولة تنص موادها على التصدي لمثل هذه السلوكيات. وفي الجانب التوعوي هناك أيضاً مسؤوليات على رجال الإعلام والتعليم والوعظ والإرشاد لإيضاح حقيقة ما يحصل من تجاوزات، وإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التشهير وإثارة الفزع وإساءة السمعة أمور يجب التوقف عنها. كل ما يحتاجه الأمر هو الإدراك التام لحجم المشكلة ثم التعاون الجماعي لوضع حد لها.. فهل نحن فاعلون؟