بينما يتحدث الجميع في الشهور الماضية عن قضية مساواة الوافد الأجنبي بالمقيم المولود، وعن الفروق الشاسعة بين من ولِد وترعرع على تراب هذا الوطن ومن أتى فقط للقمة عيشه، هذه القضية التي تعاطف معها الكثيرون وطالبوا بسن أنظمة تعطي امتيازات لأبناء هذا البلد الذين تشَرَّبوا ثقافتها وأصبحوا يدينون لها. وجدنا هناك قضية أكثر أهمية وأعمق ألمًا وأكبر إنسانياً، قضية يدمي لها القلب قبل أن تدمع العين قضية المعوق الذي ولدَ ونشأ وتعلم على أرض الحرمين والذي يمتلك علاقات أخوية مع مواطنين كثر شارَكَوه الإعاقة ولازَمَوه في المراحل التعليمية، وأصبح فيما بعد عضوًا فعالاً في الجمعيات الخيرية المتخصصة بأمثاله يساهم في رسم الصورة المضيئة عن الإعاقة. هذا المعوق المقيم والذي هو مواطن بلا هوية، إعاقته تمنعه من الابتعاد عن أرض نشأ عليها، وعن العلاقات الاجتماعية التي بناها بكل صعوبة في زمنٍ أصبح الجار منطويًا عن جاره والأخ يستصعب أن يعون أخاه، ذا الاحتياج الخاص كما يطلق عليه؛ لا يملك من الخصوصية في أنظمة الوطن شيئاً، فهذا المعاق ابن هذه الأرض يقف نظاميًا على خطٍ واحد مع المقيم السوي، ويقف الوافد مساويًا للمعوق أيضًا، بل يعلوا الوافد عنه بدرجة؛ بل درجات، فمثلا الأخير في مجال العمل قدم كعامل ومصرح له بالعمل ويحمل تأميناً صحياً، بينما –وفي هكذا نظام- أصحاب الأعمال لن يدفعوا أنفسهم بالتعاقد مع المعوق وإن كان لديه ما يؤهله لشغر وظيفة. هؤلاء المعاقون حالياً وبعد تعليمهم سيظلون عالةً على من يعولونهم، فلا تشريع يخدمهم ولا نظامًا في صفهم يسندهم، فقد حصل العشرات منهم قبيل حملات التصحيح على عمل بصعوبة بالغة ومنهم من كوَّن أسرة ولكن كان ذلك العمل دون نقل الخدمات على صاحب المؤسسة، والآن وبعد فرض العقوبات الصارمة على المؤسسات المخالفة؛ استغنت المؤسسات عنهم وأصبحوا من أكثر ضحايا التصحيح بلا منازع. رغم قلة هؤلاء المعوقين وحصولهم من الجهات المختصة على بطاقة تثبت إعاقتهم الدائمة ونوعها، ما زالوا متضررين من أنظمة الإقامة والتي ورغم ضعفهم وقلة حيلتهم تضعهم في إناء واحد مع الأسوياء والوافدين، ومازالوا اجتماعيًا هم المتضررون بشكل أكبر في هذا الوطن وهم الاخفت صوتًا ولا يكاد أن يسمع لهم أنينا، والأسباب لذلك تتنوع بين قِلَّتِهم وبين صعوبة تنقلهم كونهم ذوو إعاقات حركية وبصرية وغيرها، زد على ذلك أنهم لا يعلمون ما الجهة الرسمية والتي قد يتجهون إليها، وإن اتجهوا لقطاع حكومي يردد موظف القطاع لهم عبارة (للأسف النظام ما يسمح) ليستمروا بالدوران في دوامة لا يعلمون متى سيخرجون منها. في هذا الصدد وأمام هذه الحالة الإنسانية أناشد الجهات المختصة بالنظر والبت في أمر هؤلاء وإعطائهم اعتبارية كاحتسابهم في نسب السعودة في التوظيف وتضمينهم في نظام التجنيس، فهؤلاء قلة مستضعفة وأصوات خافتة يدعون ليل نهار ألا تمتد أيديهم للصدقات وألا يكونوا عالةً على معيلهم ولنعينهم كي يشعروا بالأمان والاستقرار في النواحي النفسية والعملية وليمارسوا حياتهم باطمئنان في مجتمع يعتقدون أنه مجتمعهم.