المملكة كيان كبير شيدته عبقرية رجل عظيم، وقد استطاعت الدولة بفقرها وغناها تجاوز الظروف الصعبة داخلياً وخارجياً، لكن ما ميزها أن تدرج الحكم لم تصاحبه زوابع أو خلل في سلمه، حيث يأتي الانتقال سلساً وبعيداً عن أي تعقيدات.. ومثلما شهدنا كيف تم تداول الحكم بين أبناء الملك عبدالعزيز منذ المرحوم الملك سعود وحتى اليوم، نجد أن الملك عبدالله هو من أحدث أول منصب ولي لولي العهد، وهذا يعني قطع التساؤلات والتكهنات حول من يكون الرجل القادم لاستمرار هذه السلسلة الطويلة.. اختيار الأمير مقرن كان خياراً موفقاً وبتوافق بين الرجلين الكبيرين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلمان بن عبدالعزيز وباقتراع من هيئة البيعة، وقد جاء التوقيت مناسباً ليقطع التكهنات ويدون سيرة جديدة لهذه الدولة التي تؤكد أنها ثابتة وقوية باتجاهها وأدوارها المختلفة.. فالأمير مقرن عاصر معظم الحكام من إخوته وعلى مختلف وظائفهم، وتجربته من طيار إلى رجل مدني شغل مناصب أساسية وحساسة جعلته يملك رصيداً كبيراً من تلك الأعمال حيث يختلف كل منصب عن الآخر وهذا إثراء لطبيعة تلك الأعمال، إلى جانب أن الأمير مقرن معروف بمختلف الأوساط بوعيه وبساطته وعدم حبه للأضواء من أجل العمل.. المملكة أحد أهم أضلاع القوة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وسياستها الدائمة استخدام الواقعية، والنظر ببعد للمستقبل، ولذلك رفضت أن تكون ظلاً لأي قوة عالمية، وهذا الاستقلال بالقرار عرف منذ إدارة المغفور له الملك عبدالعزيز وحتى اليوم، ولذلك نرى القيادة الحالية لا تختلف عن الماضي إلاّ بالتغير الزمني، لكن الأهداف ظلت قائمة ترتكز على عدم الدخول في حروب أو خصومات، لكنها في الظروف الحرجة تتصرف بما تمليه واجباتها ومصالحها كأي دولة في العالم تأخذ القوانين والأعراف الدولية.. من هنا نجد أن سجل المملكة أن كل ملك أو ولي للعهد أو أي منصب آخر نجد التكامل والتضامن بين كل المسؤولين، ولعل تربية المؤسس هي التي نعيش في ظلها حتى اليوم، وقد جاءت جميع القرارات والاصلاحات سواء ما يتعلق بالتشريعات وتطوير الأنظمة، أو السير في ركاب التطور ظلت منظومة عمل مترابط، وهذه الميزة خلقت إطاراً عاماً لعلاقات وطنية مع السلطة وبتكافل تام لإدراك أن المصلحة الوطنية تتعالى على كل شيء، وهذا الهدف عزز مكانة المملكة داخلياً وخارجياً.. وبلا شك فإن المتغيرات التي صاحبت التأسيس وما بعدها وضعت المملكة على لائحة الدول التي تدخل العصر الجديد بكفاءة العمل المنسجم بين السلطة والمواطن، وهي التركيبة الداعمة للاستقرار وتطور التنمية الشاملة.. خطواتنا تسير بالاتجاه المتصاعد لأننا نعرف ما نفعل وما نقدم وهذا سر تطورنا وانسجامنا..