حينما تقرر النساء التخلي عن الجري فوق مضمار الحرملك، فأنهن قد ينتبذن مكانا قصيا، ويدخلن في مخاضات النخيل والكلام، ويخرجن بمثل هذا العمل الإبداعي المتميز للشاعرة فوزية أبو خالد، والروائية أميمة الخميس. الإصدار كان من الممكن أن ندرجه تحت أدب المراسلات، لولا أن مادته الشعرية المراوغة، وعمقه الدرامي، واحتفاليته الكبيرة بالمواسم، جعلته ينفتح على ساحات أوسع من الأنواع الأدبية أو لنقل المغامرات الأدبية. على حين اختارت المؤلفتان أن تكون تصنفانه فوق صفحة الغلاف (مكاشفات شعرية ) ليندرج فيه حالات وأمزجة شعرية وفضاءات تشاركتها المؤلفتان بحكم علاقتهما في البداية كأستاذة جامعية وتلميذتها، ولاحقا كصديقتين على امتداد ربع قرن من الزمان. والكتاب يستمد تفرده / ليس فقط من اللغة القشيبة الباذخة التي كتب بها بل أيضا من انفتاح التجربة النسوية المحلية على فضاءات إبداعية جديدة، إضافة إلى الأبعاد الدرامية التي تعمقت بها صفحاته، بعد أن قامت الفنانة اللبنانية ندى عاموس، بتحويل النص الشعري إلى لوحات درامية موحية ومستلهمة لروح النصوص. من مقدمة الكتاب (بنتان من شجن المواويل من تلوّي الرمال، من قطر السراب، نفرتا من فلوات مخفورة بالمخاوف لمجرد تجريب أشواك الريش. صبيتان من صبابات البساتين للوسم. التقت السيدتان على أشواق فادحة في منطقة العماء عند مشراق الشمس غير بعيد عن شفق شفيف وغسق مسحور للبحث عن رهجة المجهول، للخوض في غواية الغموض ولتكشف عن الأسرار. طفلتان تلعبان بالمفاتيح والأقلام، تهدمان المعازل، تنتحتان مغازل من أعواد الحناء، وجفول السنابل. تشرد منهما أحلام حلبتاها من رغاوي الحبر والحلبة، ومن روائح النفاس. تنكسر الجرار وتستجرح الحكايا وتنفرط أو تنعقد أكاليل الكفاح وأساور الكهرمان). فوزية أبو خالد (لماذا قرّرنا أن نلملم هذه الصباحات في يوبيلها الفضي؟ كيف سنعرف أن المداد له نفس التركيبة، ومحلول الحروف يحمل ترياق الإكسير؟ خمسة وعشرون عاماً، قضمة كبيرة من قرن.. السطر الأول كتبناه بريشة من جناح نسر، والسطر الأخير طرقنا به فوق لوحة مفاتيح الهواتف الذكية، والشمس كانت تمر به مواربة مزورة حادبة على تلك الأوراق خشية أن تخالطها مادة الفناء. رحلة من تأبط حلماً مزمناً لم ينضب ماؤه، والتلميذة التي تقتفي آثار أستاذتها وتثني حول حلقتها الركب، قررت ذات مروق أن تُطيّر نحوها سرب صباحات. هرولتْ الأيام من تحت أقدامنا، وبقينا نعد أقمار التحولات، ونعالج النوافذ التي تجلب الصباح، كم عاصفة من رمل مرت على رياض قلوبنا؟ ولكننا ظللنا قابضين على جمراته كلما وهنت دسسنا بها أوراق أمنية قديمة). أميمة الخميس تجربة ألف صباح وصباح تجربة مختلفة تستجلب مادة أدب الرسائل لكن بصيغة جديدة لتثبت أن مادة الأدب تتأبى على القوالب، تشاغب الكلام النسوي المهموس في عتمة المساء، وتستله باتجاه مهرجان الشعر الفضاح والكلام المباح في.. ألف صباح وصباح. الكتاب الذي يشارك في معرض الكتاب هذا العام صادر عن دار الخيال في 96 صفحة من القطع المتوسط.