الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    انطلاق النسخة الثانية من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    الأهلي والنصر يواصلان التألق آسيوياً    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    ألوان الطيف    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    سعود بن مشعل يشهد حفل «المساحة الجيولوجية» بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمراً دولياً يحصلون على الإقامة المميزة    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    في خامس جولات دوري أبطال أوروبا.. قمة تجمع البايرن وباريس.. ومانشستر سيتي لاستعادة الثقة    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    رئيس هيئة الغذاء يشارك في أعمال الدورة 47 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX) في جنيف    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحيري: استعرت أجواء "ألف ليلة وليلة" لدراسة التطور الإيجابي في الأدب السعودي
نشر في المدينة يوم 06 - 07 - 2011

عندما قدم الدكتور أسامة البحيري من مصر إلى السعودية وإلى جازان تحديدًا لم يكن يدور في خلده أن يصدر كتابًا يهتم فيه بدراسة هذه البيئة شعرًا ونثرًا، بل كل ما كان يفكر فيه ربما هو التعرف إلى المكان، واكتساب صداقات جديدة، والقدرة على التعايش، والخروج بأكبر قدر من البحوث التي قد تفيده في ترقياته العلمية في أي مجال، ولكنه حينما وصل إلى جازان لم ينطوِ على نفسه كثيرًا، فخرج مسرعًا صوب عدد من النشاطات الثقافية والأدبية داخل المنطقة وخارجها، وتعرف بشكل جيد على الحركة الأدبية والثقافية في المملكة بدءًا من جازان، ورويدًا رويدًا كان يظهر في عدد من الملتقيات الثقافية والأدبية، ويقدم عددًا من الأوراق النقدية حول عدد من التجارب السعودية، بل درس المكان وتشكلاته بكل ما يحتويه من إبداع.. واليوم وبعد مسيرة طويلة مع الأدب السعودي يتوج البحيري هذه المسيرة بكتاب بعنوان «دراسات في السعودي المعاصر» صادر عن نادي جازان الأدبي، وليكون البحيري واحدًا من المثقفين والنقاد والأدباء العرب الذين حضروا إلى هذه البلاد للعمل فأكرمتهم وأكرموها بأن اهتموا بأدبها، ودرسوا مبدعيها، ودونوا عنها ما يستحق منا النظر والقراءة والاهتمام، في ظل هروب وعزوف من أبنائها حينما انصرفوا إلى الكتابة والاهتمام بقضايا أخرى كانت بعيدة أشد البعد عن الساحة السعودية.. كثيرة هي الأسئلة التي توجهنا بها إلى ضيفنا فكان كريمًا حتى في إجاباته واحتمل طولها وكثرتها..
بين عناونين
* «الخروج من القمقم» كان العنوان الأول لكتابك الأخير فتغيّر إلى «دراسات في الأدب السعودي المعاصر».. فلم ذلك؟
** كان عنوان الكتاب المقترح «الخروج من القمقم.. دراسات في الأدب السعودي المعاصر»، وهو يشمل مقدمة توضح ملاحظاتي وانطباعاتي حول تطور الأدب السعودي في السنوات العشر الأخيرة (2001-2011م)، وبعدها دراسات تطبيقية حول عدد من أعلام الأدب السعودي المعاصر في مجالي الشعر والسرد، فاقترح عليَّ بعض الأصدقاء فصل هذه المقدمة «الخروج من القمقم»، وتطويرها، وإمدادها بأمثلة وشواهد وقضايا أخرى تمس المشهد الثقافي السعودي المعاصر، وإخراجها في كتاب مستقل، يمثل وجهة نظر متابعة ومحايدة حول تطورات المشهد الثقافي السعودي في العقد الأخير، فاقتنعت بالفكرة، وأجتهد حاليًا في تنفيذها.
الخروج من القمقم
* ألم يكن العنوان الأول «الخروج من القمم» أشمل في الدلالة والموضوع كما قلت في مقدمة الكتاب؟
** «الخروج من القمقم» تعبير استعرته من أجواء «ألف ليلة وليلة» لأعبر به عن رأيي في التطورات الإيجابية المتلاحقة التي مر بها الأدب السعودي المعاصر في العقد الأول من القرن الحالي، وخروجه من قمقم المحلية الضيق إلى الفضاء الثقافي العربي والدولي غير المحدود، وإسهامه بفاعلية في المشهد الإبداعي العربي، واتساع مدى معرفة المتلقي العربي والأجنبي بمنجزات المبدعين السعوديين والمبدعات السعوديات، ولم يكن ذلك متاحًا قبل عقد من الزمان. أما الكتاب «دراسات في الأدب السعودي المعاصر»، فهو مخصص للدراسات التطبيقية فقط.
انفتاح قُطري
* وما الذي جذبك إلى دراسة الأدب السعودي المعاصر، وتنوع تلك الدراسات بين الشعرية والنثرية؟
** أفادتني دراسة البلاغة العربية والأدب القديم في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في عدم التقيد بالحدود القطرية الضيقة، ودراسة النصوص الإبداعية على اختلاف جغرافيتها مشرقية، ومغربية، وأندلسية، وأتطلع لتطبيق ذلك على الأدب العربي المعاصر، فلي دراسة عن الرواية اليمنية، ودراسة عن الشعر العربي الرقمي تضم نصوصًا مصرية، وسعودية، وعراقية، ومغربية، وبين يدي الآن مشروعات بحثية تتعامل مع المنجز الإبداعي العربي بتنوع أجناسه، وأقطاره، وقد ساعدني عملي في السعودية في الاقتراب من المشهد الثقافي والأدبي، والحصول على نصوص متنوعة، شعرية ونثرية جذبتني لمقاربتها نقديًّا.
تغيرات كثيرة
* على أي مسوغات بنيت افتراضك في تقصير القائمين على نشر الثقافة والإبداع السعودي دوليًا؟
** قبل بضع سنوات، حينما كنت أزور أجنحة السعودية في المعارض الدولية للكتب لم أكن أرى إبداعات شعرية أو نثرية تعكس المشهد الأدبي السعودي الحديث أو المعاصر، وأيضا لم أر في الملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة صورًا للأدباء السعوديين، ولا تعريفًا بجهودهم، ولا كتبًا تعكس واقع الثقافة السعودية، وقد قرأت عددًا من المقالات لأدباء ونقاد سعوديين يشكون من المشكلة نفسها. أما في السنوات الأخيرة، فقد تغير المشهد كثيرًا، وأسهمت الأيام الثقافية السعودية في عدد من البلاد العربية والأجنبية في التعريف بالمنجز الإبداعي السعودي الذي تطور كثيرًا وأثبت قدرته على المنافسة الجدية مع باقي العواصم الثقافية العربية، وأسهمت العولمة الثقافية، وتدفق المعلومات، وسرعة الاتصالات في إزالة الحواجز وتقريب المسافات.
* وصفت حضور هذا الإبداع بالهزيل مقارنة مع الإبداع اللبناني أو السوري أو الكويتي أو المغربي على مستوى المعارض الدولية للكتاب.. ألا يعتبر تقصيرا منك؟
** تغير الحال كثيرًا في السنوات الأخيرة، بتأثير الفعاليات الثقافية السعودية المتنوعة، والملتقيات الأدبية، والأنشطة الأكاديمية التي عرفت المبدعين والنقاد العرب على المشهد الثقافي السعودي عن قرب، كما أن نشاط المبدعين السعوديين والمبدعات، والنقاد والناقدات السعوديات في المؤتمرات الأدبية العربية والدولية قد أسهم في تقديم صورة مشرقة للأدب السعودي المعاصر.
كسر حاجز المحلية
* برأيك ما هي أبرز ملامح الظهور العربي والدولي للأدب السعودي في الفترة الأخيرة؟
** بالإضافة إلى ما ذكرته في السؤال السابق، فإن الصحوة الروائية السعودية وبخاصة الرواية النسائية التي انفجرت وتدفقت منذ عام 2005م كانت عاملًا مهمًا في إبراز المشهد الثقافي والاجتماعي السعودي، والتعريف به على المستويين العربي والدولي، وكذلك أسهمت ترجمة عدد من الروايات السعودية إلى لغات أجنبية في كسر حاجز المحلية، والخروج إلى الفضاء العولمي الواسع، ولعل فوز روايتين سعوديتين بجائزة البوكر للرواية العربية (رواية «ترمي بشرر» لعبده خال 2010م - ورواية «طوق الحمام» لرجاء عالم 2011م) يثبت بالدليل أن الأدب السعودي شب عن الطوق، وأصبح عنصرًا فاعلًا في المشهد الثقافي العربي.
تغطية النقص
* درست لفترة مقررات الأدب السعودي في الجامعة.. فكيف تنظر إلى اهتمام هذه المقررات بالأدب والأدباء السعوديين من حيث الإلمام بهم جميعًا؟
** معظم الكتب المؤلفة عن الأدب السعودي تفرد مساحة واسعة لمراحل النشأة والتطور والنضج في أجناس الأدب السعودي، وتسهب فيها كثيرًا، ولا تهتم بالمشهد الإبداعي الحاضر إلا نادرًا، أو في عجالة سريعة، وقد كنت أغطي هذا النقص في الكتب المتداولة بتكليف الطلاب ببحوث عن مبدعين ومبدعات في وقتنا الحاضر، كما كنت أستضيف مبدعين بارزين من جازان (كعمر طاهر زيلع، وإبراهيم صعابي، وأحمد الحربي، وإبراهيم زولي، وحسن الصلهبي، والعباس معافا) في قاعات الدراسة ليلتقي بهم الطلاب عن قرب، ويتبادلوا الحوار معهم، وكان الأدباء يفرحون كثيرًا بتلك المبادرة، ويعدونها عملًا مبتكرًا في العملية التعليمية.
مسافات قريبة
* بوجودك في منطقة جازان هل لمست تأثيرًا لنظرية المراكز والأطراف؟
** تداعيات العولمة قضت على ثنائية المراكز والأطراف، وتدفق المعلومات، وثورة الاتصالات قرّب المسافات، واشتراكي في الملتقيات الأدبية والندوات الجامعية، واقترابي من رموز الحركة الثقافية السعودية في جازان وفي غيرها من المدن السعودية سد ثغرات كثيرة، وإن كنت أعتقد أن الوجود في العواصم الثقافية، ومراكز صناعة القرار والحدث يتيح جوانب أخرى كثيرة من التفاعل والمشاركات المثمرة.
ملتقيات فاعلة
* شاركت في عدد من الملتقيات والفعاليات الثقافية داخل المنطقة وخارجها.. فكيف تجد هذا التواصل مع المثقفين في المملكة؟
** أسهمت الملتقيات والندوات والفعاليات الثقافية في إثراء المشهد الثقافي السعودي، فأتاحت للمبدعين والمبدعات فرص الحوار وتبادل الخبرات والآراء، والتعرف على كل جديد في الإبداع العربي والأجنبي، ووفرت للنقاد (وبخاصة العرب) فرص التعرف على تطورات المنجز الإبداعي، والفوز بالنصوص والكتب مباشرة من المبدعين والمبدعات، وهذا جانب مهم في بلد يعاني أزمة حقيقية في توزيع الكتاب، ووصوله إلى المتلقي في أماكنه البعيدة.
تحطيم الحواجز
* المملكة شهدت تغيرات في كثير من المجالات.. فهل لمست لهذه التغييرات تأثيرًا واضحًا في أدبها؟
** شهد المجتمع السعودي تطورات كثيرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، فحدثت نهضة علمية وتعليمية غير مسبوقة، وزاد عدد الجامعات إلى الضعف أو أكثر، وتوسعت البنية التقنية والتكنولوجية، وزاد تدفق المعلومات، وسرعة الاتصالات، ونالت المرأة مكتسبات سياسية واقتصادية وعلمية واجتماعية ووظيفية كثيرة، ولعل آخرها حق الانتخاب في المجالس البلدية، والترشح لمجالس إدارات الأندية الأدبية؛ كل ذلك انعكس بقوة على المنجز الإبداعي، فاتسعت الخارطة الإبداعية لتشمل فنونًا جديدة كالقصة القصيرة جدًّا، والشعر الرقمي، وزاد شعراء قصيدة النثر، وتدفق سيل الرواية السعودية، وحدثت طفرة غير مسبوقة في الرواية النسائية السعودية، وتم تحطيم كثير من الحواجز، وتجاوز عدد كبير من المحظورات والخطوط الحمراء سياسيًّا، واجتماعيًّا، ودينيًّا، وأخلاقيًّا، والأمثلة كثيرة ومشهورة لا يمكن حصرها.
تركيز على النصوص
* توجد دراسات كثيرة عن الأدب السعودي المعاصر.. فما الجديد الذي أضفته أنت؟
** الكتاب بداية مشروع نقدي أطمح فيه إلى دراسة عدد من التجارب الإبداعية السعودية والعربية، وجديد الكتاب -في رأيي- تخصيصه للدراسات المنهجية التطبيقية، والتركيز على النصوص ذاتها، وعدم الإسهاب في الحديث عن أشياء خارجة عن مجال الدراسة، ومقاربة الأعمال الإبداعية المدروسة دون آراء جاهزة مسبقة أو آراء انطباعية عابرة، وترك الفرصة كاملة للنصوص لتبدي عناصر روعتها.
معرفة مبكرة
* لم اقتصرت على أربعة شعراء فقط في الجزء الأول ثلاثة منهم من جازان وشاعرة من مكة، وأغفلت باقي مدن المملكة؟
** الكتاب مقسم لجزأين: جزء للشعر يضم أربع دراسات، وجزء للسرد يضم أربع دراسات. أما الشعراء، فقد تعرفت على دواوينهم مبكرًا، بحكم عملي في جازان وأعجبت بها، ودرستها، وهناك مجموعة من الشعراء السعوديين المعاصرين المتميزين من خارج جازان أتوق إلى دراسة تجاربهم الشعرية كغازي القصيبي ومحمّد الثبيتي رحمهما الله، وعبدالله الصيخان، وعلي الدميني، وجاسم الصحيح، وعبدالرحمن العشماوي... وكذلك الشاعرات: فوزية أبوخالد، وثريا العريض، وأشجان هندي، وبديعة كشغري، وهدى الدغفق.
* في الجزء الأول «آفاق الشعر» درست شاعرين عموديين وآخرين نثريين ما سبب هذه المقابلة بين الفنين؟
** راعيت أن تغطي دراستي للشعراء تيارات الشعر السعودي المعاصر كلها، فكان علي النعمي -رحمه الله- وأحمد البهكلي ممثلين للشعر العمودي، ومحمد حبيبي ممثلًا لشعر التفعيلة، وآمنة بنت محمد آل علية ممثلة لقصيدة النثر.
* ولماذا لم يحظ هذا الجزء بشاعر أو اثنين من شعراء التفعيلة؟
** كما أجبت في السؤال السابق يعد شعر محمد حبيبي ممثلًا لتيار شعر التفعيلة.
نماذج متميزة
* في المملكة تصنف الشاعرة فوزية أبوخالد شاعرة قصيدة النثر الأولى.. لماذا قدمت الشاعرة آمنة آل علية عليها؟
** الشاعرة فوزية أبوخالد لها تجربة ثرية وممتدة في إبداع قصيدة النثر، وهي رائدة سباقة سار على دربها كثيرات، وتستحق دواوينها دراسات كثيرة معمقة تستبطن ملامح تجربتها، وعناصرها التشكيلية، وقد فعل ذلك بعض الدارسين في عدد من الملتقيات الأدبية، والذي جذبني إلى تجربة «آمنة بنت محمد آل علية» انعكاس تجربتها الحياتية المأساوية القصيرة في إبداعاتها الشعرية، فجاء التشكيل والرؤية في نصوصها مندمجين متناسقين، وقدمت نماذج متميزة لقصيدة النثر النسائية السعودية، دون افتعال أو طنطنة دعائية حول قتل الأب، وتحطيم التابو.
طموح مشروع
* أين تقف من الذين يقولون بأن قصيدة النثر هي الوريث الشرعي للخطاب الشعري والتطور الطبيعي المستقبلي للمنجز الإبداعي المعاصر؟
** هذا ما يطمح إليه أصحاب قصيدة النثر، والمبدأ النقدي الذي أتبعه هو أن النموذج الإبداعي الجيد يفرض وجوده على الساحة الأدبية، دون النظر إلى تشكيله الخارجي فقط، والزهور لا بد أن تأخذ فرصًا متساوية للنمو، والموهبة تفرض نفسها، والذاكرة الإبداعية لا تحتفظ إلا بالنماذج الرائعة فقط.
حق مغموط
* من واقع دراستك لتجربته هل ترى أن الشاعر علي النعمي حظي بما يستحقه في حياته وبعد مماته على مستوى المنطقة والمملكة؟
** يتميز الشاعر على النعمي -رحمه الله- بموهبة شعرية فياضة، وإنتاج إبداعي غزير، وأظن أنه لو أراد أن يجعل كلامه كله شعرًا لفعل، وكان يشكو في شعره كثيرًا من الإجحاف به، وعدم تقدير مكانته حق قدرها، وأشار إلى ذلك كل من درسوا شعره، وهو بالفعل لم ينل حظه من التكريم اللائق به، وأمثاله كثيرون من المبدعين العرب الموهوبين الذين غمطوا حقهم في حياتهم وبعد رحيلهم.
بين النعمي والبهكلي
* وما نقاط التقاطع التي يمكن أن نشير إليها بينه وبين الشاعر الآخر أحمد البهكلي؟
** يجمع بينهما الموهبة الفياضة، والاعتصام بالأصالة، ولكن النعمي -رحمه الله- زاد على البهكلي بكثرة دواوينه، وغزارة إنتاجه، والبهكلي تميز عن النعمي بتطعيم شعره بتقنيات شعرية حديثة، كالقناع، والمونولوج، وتوظيف التناص بمهارة أضفت على شعره طابعًا جماليًّا، ووسمته بالدرامية، والتماسك النصي.
فضاء السرد
* في الجزء الثاني «فضاءات السرد» تطرقت إلى المكان بوصفه ساردًا وإلى المبدع أيضًا، ما الفرق بين الاثنين؟
** فضاء السرد في الكتاب يضم دراسات تغطي عددًا من الأجناس السردية كالرواية، والسيرة الذاتية، والقصة القصيرة جدًّا في الأدب السعودي الحديث والمعاصر، وتناولت الدراسات بعض عناصر السرد كالمكان، والزمان، واللغة، والشخصيات، وقد خصصت المكان بوصفه فضاء سرديًا بدراسة مستقلة عنوانها «المدينة المنورة فضاء سرديًا»، لتوضيح الأبعاد الجمالية، والجغرافية، والسكانية، وعلاقتها ببقية عناصر السرد، في مكان محبب إلى كل مسلم.
* المكان السارد ضم الكثير من الأعمال التي تطرقت إليها في دراسة واحدة.. ألا تعتقد أن هذه الوفرة من الأعمال في دراسة واحدة قد تؤثر على الدراسة ككل؟
** تناولت في دراسة «المدينة المنورة فضاء سرديًا» خمسة نصوص سردية روائية وسير ذاتية، وهي تغطي فضاء المدينة المنورة في فترات تاريخية متتابعة (العهد التركي، والهاشمي، والسعودي حتى وقتنا الحاضر)، وكل نص يغطي فترة زمنية محددة، فكان تكامل الدراسة في تعدد نصوصها، لرصد التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المدينة المنورة في عهودها المختلفة، وأظن أن ذلك جاء في مصلحة الدراسة.
تجاوز المحاولات الطفيلية
* كيف ترى واقع الرواية النسائية اليوم في المملكة؟
** إذا تجاوزنا الحديث عن المحاولات الطفيلية التي تلبست ثوب الرواية، وأرادت ركوب الموجة الروائية النسائية السعودية، من باب الفضائحية، وتعمّد إحداث الصدمة الأخلاقية والاجتماعية، دون الالتزام بالمعايير السردية والجمالية، فإن واقع الرواية النسائية السعودية يبشر بخير كثير، وهناك إنجازات روائية تستحق الإشادة كمشروع رجاء عالم الروائي، وروايات مثل: (البحريات، والوارفة، وجاهلية، ووجهة البوصلة، وعيون الثعالب، وفتنة، وهند والعسكر...)، ولعل فوز رواية رجاء عالم بجائزة البوكر عام 2011م يجدد الأمل في مستقبل واعد للرواية النسائية السعودية.
تميز «البحريات»
* لماذا وقع اختيارك على رواية «البحريات» لأميمة الخميس من بين كثير من الأعمال الأخرى؟
** ما جذبني في رواية «البحريات» لأميمة الخميس هو تميزها الفني والإبداعي وسط كثير من الروايات المجايلة لها، حيث صدرت في عام 2006م، ضمن طوفان الرواية النسائية السعودية آنذاك، الذي ضم كثيرًا من الأعمال الركيكة التي لا يمكن أن تسمى روايات إلا بكثير من التسامح والاستسهال، وتميزت «البحريات» ببنائها السردي المحكم، وخطابها الروائي العميق، والانعكاس الإيجابي للواقع التاريخي والاجتماعي في تفاصيل النص، وحسن توظيف العناصر السردية في خدمة الرؤية الروائية الإبداعية.
* أين يمكن أن تصنف الراوئية رجاء عالم مع الروائيات السعوديات ومع أميمة الخميس بشكل خاص؟
** مشروع رجاء عالم الروائي إنجاز متفرد في الخطاب الروائي السعودي، له خصوصية تميزه في لغته الصوفية، وطرحه الفلسفي، وتوجهه الإنساني العام، وخطابه الروائي الذي يتجاوز آفاق المحلية، أما روايات أميمة الخميس فهي أكثر التصاقًا بالواقع التاريخي والاجتماعي السعودي، وتعكس تفاصيله بمهارة وحرفية عالية، ودائما الطريق إلى العالمية يبدأ من الغوص الجمالي في المحلية.
انحياز للشعر
* للشعر سطوته في الساحة الجازانية برغم بروز القصة فيها.. فلم ذلك؟
** سبب ذلك أن شجرة الشعر في جازان جذورها عميقة وممتدة، وظل الشعر ديوان العربية الأول لفترة طويلة في جازان وغيرها، والجذور تمارس سلطتها المهيمنة على كل مبدع، ولا سيما في جازان، وإن كان السرد قد يبدأ يأخذ نصيبه في خارطة الإبداع الجازاني، كما أن الشعر في جازان يتميز بالهيمنة والانتشار بين فئات المجتمع الجازاني وطبقاته، وينشأ الأطفال على سماعه وتذوقه، وكثير من طلابنا ينظمون الشعر، ودائما كان طلاب جازان يفوزون بالمراكز الأولى في المسابقات الشعرية في منافسات كليات المعلمين على مستوى المملكة.
انتشار واسع
* من واقع تركيز اهتمامك على القصة القصيرة جدًّا.. مَن من المبدعين برأيك أجاد هذا الفن؟
** حازت إبداعات القصة القصيرة جدًّا اهتمام المبدعين والنقاد، وانتشرت انتشارًا واسعًا على امتداد المشهد الإبداعي العربي من المحيط إلى الخليج، وللمبدعين السعوديين إسهامات ملحوظة ولافتة في هذا المجال الإبداعي، وصدرت مجموعات كاملة من هذا النوع السردي، كأعمال جبير المليحان، وفالح الصغير، وحسن البطران، وشيمة الشمري، ومنيرة الأزيمع، ومريم الحسن، وأحمد عسيري، وغيرهم، والتطورات العولمية المتلاحقة تتيح مساحات أكبر من الحضور والتأثير لهدا اللون السردي المكثف.
ريادة الحازمي
* هل يمكن القول أن لحسن حجاب الحازمي الريادة في مجال هذا الفن.. ولأحمد القاضي الإبداع والاهتمام؟
** نعم ريادة هذا اللون السردي في جازان معقودة تاريخيا للمبدع حسن حجاب الحازمي في مجموعته القصصية «ذاكرة الدقائق الأخيرة» الصادرة عام 1413ه، ولكنه تخلى عنها في مجموعته الثانية «تلك التفاصيل»، أما «أحمد القاضي»، فقد توسع فيها، وأكثر من نصوصها، وأضفى عليها بعدًا تجريبيًا في مجموعاته القصصية، ولكنه لم يفردها بمجموعة كاملة حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.