تحولت ثقافة "البشت" من الوقار والمكانة والوجاهة التي يتمتع بها الشخص إلى النصب والاحتيال؛ بسبب أشخاص سلبيين يحاولون الوصول إلى مبتغاهم، فمن أراد إنهاء معاملته كل ما عليه لبس "بشته" ثم الدخول على المسؤول!. وكما هو معروف في القديم أن كبار السن أيام المناسبات والحفلات والأعياد يتقدمون الوفود ب"بشوتهم"، حيث يكن لهم الناس كل الاحترام والتقدير، كذلك هم معروفون بأعمالهم ودورهم في مجتمعهم، إلاّ أن هذه الثقافة تغيّرت، فأصبح كل من يريد أن يعلو بمكانته ارتدى البشت، وهذه ثقافة خاطئة انتشرت مع الأسف في المجتمع. الغريب أن هناك من يحضر جميع مناسباته مع أهله وأقاربه ب"البشت"، بل وتجده يستخدمه في كل مكان.. في الحارة، في المسجد، في سيارته، وعندما تسأل عن وضعه المادي تجد أن راتبه التقاعدي لا يتجاوز (3500) ريال، وربما وجدت آخر ليس لديه وظيفة؛ معتمداً على سيارة "التاكسي"، وربما شاهدت ثالثا في أحد الطوابير أمام الضمان الاجتماعي!، وهنا يجب أن لا نُشوّه ثقافة سلوك وطني اكتسبناه من أجدادنا، فالمطلوب المحافظة عليه واستخدامه بطريقة مثالية بعيداً عن الخداع والتضليل. شكوى وتهديد وأوضح "إبراهيم الجعفري" -مدير مكتب أحد مديري الإدارت الحكومية بالشرقية- أنه يأتية في اليوم ما لا يقل عن الأثنين أو الثلاثة، يرتدون المشلح وفي كامل أناقتهم، وتكون طلباتهم عادة فوق النظام، موضحاً أنهم أصبحوا معروفين لدية بحكم الخبرة، كما أصبحت هذه الممارسات أشبه بالظاهرة. وروى أحد المواقف الطريفة، قائلاً: قدم مواطن أدعى أنه رجل أعمال، ولديه معاملة نحن نتحمل تأخيرها، مبدياً انزعاجه الشديد من هذا التصرف، ومهدداً بأن الأمر إذا لم يحل فأنه سيتصل بالوزير على الفور، وعند طلب ما لديه من أوراق وإثبات الهوية حاول أن يتملص من هذا عن طريق ذكر القضية شفهياً، وعند إصراري على ذلك، أتضح أنه "معقب" لأحدى الشركات، وسط إصرار غريب منه على علاقتة الوطيدة بالوزير، ذاكراً أنه ربما أخذته العزة بالإثم بعد أن انكشف أمره، لافتاً إلى أنه لم يتمالك نفسه من الضحك أمامه، واستمر في تهديدة حتى غادر. استغلال وجاهة المشلح في النصب والاحتيال مسجل في الضمان! وأشار "محمد الزهراني" -تاجر معدات ثقيلة- إلى أنه جاء إليه شخصان يرتديان المشالح السوداء ورائحة العود تفوح منهما، وعرضوا عليه شراء معدتين ثقيلتين كان قد عرضهما للبيع، فوافق على الفور، وكتبوا العقد بينهم، وسلّموه شيكاً بالمبلغ الذي أراده، وطلبوا منه البدء في شحن المعدات إلى جدة في اليوم نفسه، مبيناً أنه عندما طلب منهم الانتظار حتى نقل ملكية المعدات لهم، أظهروا ثقتهم في شخصه، وقالوا ليست مشكلة، سننقلها فيما بعد وما يهمنا الآن هو نقل المعدات إلى جدة لحاجتنا الماسة لها، ذاكراً أنه في اليوم التالي ذهب إلى البنك لصرف الشيكات فتبين لي أنها بدون رصيد، وأصحاب المشالح لا يجيبون على اتصالاته، وبعد معاناة استمرت أكثر من عامين، أستطاعت الشرطة القبض عليهما ولايزالان قابعين في السجن حتى الآن. وأكد "الزهراني" على أنه أكتشف بعد القبض عليهما ومن خلال التحقيق معهم من قبل الشرطة أن أحدهم مسجل في الضمان الاجتماعي، والآخر يعمل في إحدى شركات تأجير السيارات والمعدات الثقيلة، إضافةً إلى أن لديهم سجل سوابق لدى الشرطة، ذاكراً أنه بعد القبض على المحتالين، وجدهم في قسم الشرطة "مطأطأي الرأس"، فذهب به الفكر إلى الأمس القريب، حيث إن كل منهما يتكلم من "رأس خشمه"، واليوم يستعطفونه من أجل التنازل، مقدماً نصيحة بأن العصر الحديث له تعامله، والناس أنفسهم تغيروا، فيجب علينا الحذر من هؤلاء الذي يُسيئون بلبسهم البشوت سمعة أشخاص آخرين نعرفهم بمكانتهم وتقديرهم أمام المجتمع. أصحاب مصالح وصنع البعض من "البشت" -المشلح- وجاهة مزيفة، يختفي في باطنها، ليصبح شخصا مختلفا في أقواله وأفعاله، يحاول أن يخلق لنفسه مكانة بين مجتمعه، وهذا ما تحدث به "عبدالله بن هندي"، قائلاً: إن البشت مثله مثل أي لباس آخر، وليس كل من يلبسه مهماً في مجتمعه، متمنياً أن لا يُسيء أصحاب المصالح لهذا اللباس، فيستخدمونه في تحقيق متطلباتهم، مبيناً أن الإنسان المتميز بعلمه ومكانته في مجتمعه سيبقى مميزاً سواء لبس البشت أم لا، والشخص الذي يرتديه ليحصل على ما يصبو إليه سينتهي به المطاف إلى عدم احترام الآخرين، مشيراً إلى أنه مهما حاول الشخص أن يوهم الطرف المقابل بأهميته فإنه لن يستطيع، فالشبكة العنكبوتية مدون بها اسمك، وبضغطة زر يظهر تاريخك المجيد أن وجد أو العكس، مؤكداً على أن لابس البشت لا يصنع لنفسه المكانة، بل أفعاله وأعماله في مجتمعه هي من تصنعه. سلوك وطني وتحدث "سعد بن بدر المطيري" -عمدة محافظة الخبر-، قائلاً: إن البشت رمز للوجاهة الاجتماعية، وأهم الأزياء التقليدية، كما أنه رمز من رموز العرب، مضيفاً أنه في السابق كان البشت محصوراً على الحُكام ورجال الدين، والآن مع توفر المادة الجميع أصبح يرتديه، وهذا يضيع من قيمته وهيبته، معتبراً أن البشت أصبح الآن بطاقة لدخول عالم كبار الشخصيات، والبعض تعامل مع البشت فجأة، وصار لافتاً للنظر عدم اتقانهم التعامل مع هذا اللباس الفاخر، معتبراً أن لبس البشوت ثقافة مجتمع وسلوك وطني محبب، ويجب أن نحافظ عليه بعدم استخدامه في غير محله، مبيناً أن مناسبات لبس البشوت كثيرة، فالبعض لا يلبس البشت إلاّ مرة واحدة في حياته يوم الزواج على سبيل المثال، والبعض الآخر لمنصبه الحكومي أو الاجتماعي وهو الأغلب، متسائلاً عن مستقبل البشوت وهيبتها في المستقبل بعد استهلاكه بالشكل الحالي في غير موضعه. 1- 2-