تمثل تجربة شيرين، بعد عقد زمني من انطلاقتها 2002 حالة من حالات الغناء العربي في الألفية الثالثة، وتمثل خطاباً من بين خطابات غنائية. هذه دراسة عنها وهي الحلقة الثالثة. لا نتحدث عن الخطابات الغنائية النقيضة مثل خطاب أسمهان وليلى مراد في النصف الأول من القرن العشرين أو خطاب محمد منير وعمر فتحي في الربع الأخير على سبيل التمثيل في الدرجات لا الأنواع. وكما ذكرنا فإن خطاب شيرين استطاع من خلال تراسل التجربة، وبعيداً عن المناكفات الإعلامية، بينها وبين صناع أغنيتها، ولعل أكثرها ما تروج لتضخيمه "صحافة النميمة" بينها وبين المنتج نصر محروس، وتوازيها ما بين أنغام ووالدها الملحن محمد علي سليمان وهكذا. أقول بأنه استطاع هذا الخطاب أن يرسم الملامح والمدى. ففي ظل زخور الفضائيات العربية وسواها، في مدارس اكتشاف الأصوات بالسخرة، عبر برامج "النخاسة الغنائية" التي يدعى بأنها المعبر لكل موهبة صوتية فإن نموذج كل من نانسي عجرم وشيرين يثبت فشل هذه المنافذ في تقديم أصوات تحمل رسائلها. وسطع دور المكتشف – المنتج، الذي يتحول إلى المنتج – المدير، وإدارة الموهبة أحد فنون الإدارة في الأعمال الاحترافية، وهو ما تعجز عن خلقه المؤسسات المدعية اكتشاف واحتكار الأصوات لتسويق منتجات اللهو والتسلية بينما لا تخلق لكل صوت مدير أعمال. غير أن ما يضع "الحسبة في تراكيبها" أو بلغة أخرى "من يرسم قواعد اللعبة" هو الاستعداد الدائم واقتناص الفرصة. وهو ما فرضه نجاح تلقي "آه يا ليل – إيه يعني غرامك ودعني"(2002) : "إيه يعني غرامك ودعني إيه يعني فارقني ولا رجع لي ليه فاكر الدنيا ف بعدك ما فيهاش لا قبلك ولا بعدك " تركبت شخصية شيرين بين توليفة الطفولة والمراهقة والنضج العصي. تتمثل فيها صور الأنماط الغنائية بما يلبس كل واحدة ثوبها من النمط الراقص والغناء الانفعالي (اللون الطربي) والغناء التمثيلي ( الدراما).. وهي تحاكي في صورها حالات التجربة الغنائية النسائية خلال عقود قريبة بين خطاب الإفصاح متمثلاً في "الاحتجاج العاطفي" الذي صعد مع وردة وتمركز مع سميرة سعيد مع تنويعات مائعة بين أصالة وذكرى بينما ظل خطاب الإضمار أو "خطاب التكاتم" يتكرّس في تجربة نجاة وماجدة الرومي ونوال وأنغام.