عقد من الزمن في تجربة أي شخصية ثقافية تمكن من رسم ملامحها ومداها. تتيح تجربة شيرين عبدالوهاب –أو شيرين- بالدخول إلى صلب الثقافة المصرية في الألفية الثالثة، فمن أبسط الأمور اسمها العثماني الثقافة، وهو في أصله الألباني أحد مفاتيح الركام الحضاري المصري، ومن أعقدها كونها تمثل جيلاً عربياً بجنوستها الأنثوية ومجالها الثقافي وهو الغناء وما تحفه من محظورات ملتبسة دينياً–أخلاقياً ومن شغف بالمصريين باللهو والتسلية. يمثل خطاب شيرين الغنائي صورة الإنسان القلق في عناصر متناقضة بين رغبة إسعاد الآخرين، والغناء تفاعل ومشاركة، وبين نقل عواصف الذهن والعاطفة غير المستقرة. تلك النقطة بين العواصف الذهنية وإسعاد الآخرين تقف تجربة شيرين. تمثل في الغناء العربي خطابين غنائيين فيما يخص ما تؤرشفه بالصوت والكلمة والنغمة تسجيلات القرن العشرين، فما تبقى لنا في مدونات الغناء العربي مثل كتاب يونس الكاتب والأغاني للأصفهاني وتجريد الأغاني لابن واصل الحموي ومدونات صفي الدين الحلي وابن إياس وابن حجة الحموي مروراً بالسفن الصوفية: القادرية والشاذلية بالإضافة إلى سفن جماعات الغناء في القرن الثامن عشر كالصهبجية ومنشدي السير الشعبية وجماعات غناء الحواضر العربية مثل فن الصوت والمجرور الحجازي والدان اليمني والدور المصري والقدود الحلبية والمالوف التونسي والنوبة في الجزائر والمغرب. هذان الخطابان الغنائيان، ويتفرع منهما بالدرجة لا النوع خطابات مجاورة، يتجسدان في صيغة خطاب الإفصاح وخطاب الإضمار. "خطاب الإفصاح" يؤسس لعلاقة مباشرة في نقل ومشاركة التجربة الإنسانية في الذهن والعاطفة والجسد مع مجازات تؤسس للجمالي والقيمي في الإبداع على النقيض منه "خطاب الإضمار" الذي يضفر التجربة ويغلفها بما يجعلها وسيلة التكاتم والمجاهلة باستعارة صوت مقنع التعبير والتجاذب. يمثل الخطابين بشكل واضح أن نرى مغنية أو مغنياً يتوحد مع الخطاب الخاص به كأنما هو خطابه الواقعي بكل ما توسل من إجراءات تستعير عناصر الثقافة من أدب ونغم وأداء وسيلة للتعبير، وهو ما يتجسد في الخطاب المهدوي –نسبة إلى منيرة المهدية- والأسمهاني –نسبة لأسمهان بالطبع-، ففي أغنية مثل "ما تخافش عليا" تمثل جيل المهدية، في الربع الأول من القرن العشرين المنصرم- المرأة النازعة إلى الاستقلال عن أهلها والمتمكنة من إدارة رغباتها العاطفية. كذلك حين يمثل خطاب أغنية "يا حبيبي تعال الحقني" لأسمهان خطاب الغربة الإنسانية والوحشة العاطفية في شعور يوقفها على المحك الشخصي بين البوح واللابوح نفسه.