وأخيراً وقف الرئيس تمام سلام ليمد يده لكافة القوى من أجل لبنان. مر ما يقارب عام ولبنان في حال مخاض سياسي عسير من أجل الوصول إلى صيغة توافقية بين الأطراف المتجاذبة أحياناً والمتصارعة كثيراً. ولكن ما يهم من يحب لبنان أو يعشق هذا البلد الجميل المضياف إلا أن يقف في حيرة من أمره فيقول: كيف ينجح اللبناني خارج وطنه أكثر من داخل الوطن؟ أحد الظرفاء اللبنانيين يجيب "نحنا فريق لبنان المغترب، وبالداخل إحنا فرق الطائفة". يعيش لبنان منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي من حالة الحرب الأهلية وتداعياتها. فالسلم الاجتماعي الذي يعني عودة الاستثمار وعودة السياحة لم ينتعش إلا مع الرئيس رفيق الحريري (يرحمه الله). فقد أعطى هذا الرجل نوعاً من الأمل الذي كاد أن يزدهر فيه لبنان إلى أن سقط في براثن الطائفية المقيتة. وبدأ أيضاً يعود إلى لعب الساحة للتجاذبات العربية والإقليمية والتي يدفع ثمنها المواطن اللبناني من قوته وأمنه ومستقبل أبنائه. حتى الحديث بين اللبنانيين أضحى يستخدم لغة غير طائفية عسى أن تعبر من نفق الطائفية مع متنفذ أو نقطة تفتيش. كنت بصحبة صديق لبناني يعشق السياسة ويهرب منها في آن الوقت، وفي كل مرة نقف عند نقطة تفتيش يرسل تحية للجندي بعبارة "مرحبا وطن" أو " ميرسي وطن" بحيث ان الواقف يمثل الوطن وليس الطائفة. وسألت صديقي ماذا تود أن ترى في لبنان؟ فأجابني بحسرة يتركونا في حالنا ونحنا بنعرف نرجع لبنان في قلب العالم. وسألته كيف؟ فأجابني بلغة الواثق اللبناني "ولو، لبنان شركة كبيرة، ونحنا بنعرف كيف نحولها إلى شركة إنتاجية ربحية".. ولقد صدق الرجل لو ان هذه الولادة العسيرة للوزارة اللبنانية تحولت إلى شبه مجلس إدارة لشركة لبنانية تضم جميع أبناء لبنان من أجل مستقبل لبنان بدلاً من المسرح السياسي الهزلي الذي يعيشه الآن وعلى مر العقود القليلة الماضية. بدأت تموت في لبنان تلك البذور الواعدة لصناعات ثقافية متعددة من الترفيه إلى السياحة والثقافة والفنون والأزياء والمعارض، والأهم من هذا جميعا هو الموت التدريجي للنظام المصرفي اللبناني الذي يمكن أن يكون البديل لسويسرا أو على الأقل سويسرا العرب. ألمس الحسرة لدى الكثير من المحبين للبنان في دول الخليج وخاصة المملكة. فلبنان جاذب للسائح السعودي الفردي والعائلي ولكن منذ 2006 بعد القصف الإسرائيلي المدمر والذي سمي نصراً رمزياً لحزب الله لم يعد لبنان ذلك البلد الذي يجذب السائح إليه. والمستفيد من هذا التبلد في العمل على حفظ أمن لبنان الذي يعني ازدهار طوائف لبنان استمرت التناحرات الطائفية لدفع السائح والمستثمر إلى أجزاء أخرى من العالم. ولو تتبعنا فقط ما يدور في شبكات التواصل الاجتماعي العربي والخليجي تحديداً عند حلول موسم السفر نجد أن لبنان خارج الحساب والسياق. حتى اللبناني في الخليج أصبح يتردد على السفارات الفرنسية والكندية والاسترالية والنيوزيلندية لزيارة المهاجرين من أهله لأنها أمتع وأكثر أمنا من زيارة مسقط رأسه. وبالعودة إلى حكومة سلام والمحاصصة فيها لا يخرج عن مجلس ملاك الأسهم في شركة فاشلة وغير مطروحة للاكتتاب العام. وإن أرادت القوى أن تطرح على الأقل الملف الأمني للاكتتاب العام فإن الشعب اللبناني قد يكتتب في شركة الوطن، والانخراط في برامج الشراكة التنموية فيه. المواطن اللبناني الذي يعرف ماذا يريد قدم الكثير من التنازلات إلى أن أصبح لا يريد إلا لقمة العيش والأمن والأمان. تنازل مضطراً وليس مختاراً حق التنازل، فهو يعرف ما لدى وطنه من إمكانات تجعل الكل يحلم بلبنان الجميل. ولكن الإدارات المتعاقبة فشلت في تحقيق أرباح لشركة لبنان الوطن. ولعل تركيبة سلام الجديدة تنتج حالة من الهدوء النسبي لكي يعود الأمن إلى ربوع لبنان. وكما يقول مبدع لبنان ميخائيل نعيمة "أفظع من النظام البشري الفاسد هو اللا نظام". فأهلا برئيس مجلس الإدارة الجديد.