جدد الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري في الذكرى الثامنة لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري ورفاقه «شهداء ثورة الأرز»، وفاءه «لمبادئ انتفاضة الاستقلال، والتمسك بخط الاعتدال الوطني، وبذل المستحيل في سبيل حماية وحدة لبنان وسلامة العيش المشترك بين كل أبنائه». وخاطب الطائفتين الشيعية والسنية في لبنان قائلاً إنه «عندما نطالب بإيجاد حل وطني لمشكلة السلاح، نقصد حلاً لمصلحة كل الوطن والمجموعات وحمايتها الحقيقية. فالسلاح الذي يحمي الشيعة في لبنان هو نفسه السلاح الذي يحمي المسيحيين والسنة والدروز وكل اللبنانيين من دون استثناء. والدولة وحدها هي الحل، والجيش اللبناني وحده هو الجهة المؤتمنة على سلامة الأمن الوطني». وكانت قاعة «بيال»، حيث أقيم المهرجان الخطابي تحت شعار «سنجعل الحلم حقيقة»، غصت بحشد سياسي وحزبي من قوى 14 آذار («الكتائب» و «الاحرار» و «القوات اللبنانية» ومستقلون) ووفد من الحزب «التقدمي الاشتراكي». وتقدم الحضور رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري والنائب ستريدا جعجع والسفيرة الأميركية مورا كونيللي والسفير السعودي علي بن عواض عسيري، كما حضر والد اللواء وسام الحسن. وبدأ الخطاب بكلمة وجهتها أرملة الرئيس الحريري نازك رفيق الحريري للمناسبة، مترافقة مع شريط مصور يلخص محطات ومواقف للرئيس الحريري خلال مسيرته السياسية. كلمة الحريري وخاطب سعد الحريري الحضور عبر شاشة عملاقة من الرياض، قائلاً: «إنها السنة الثامنة، وانتم صامدون، ثابتون على الإيمان بالدولة والشرعية، أوفياء لقضية رفيق الحريري. قضيتك أيها الوالد الحبيب في أيد أمينة، جمهورك يا حبيب لبنان وفيّ للعهد، صابر وصادق على الوعد، لا يتراجع ولا يتخلّى مهما كانت الصعاب، وما أكثرها، وضريحك لا يزال الحد الفاصل بين الحق والباطل». وأضاف قائلاً: «السنة الثامنة وأمانة رفيق الحريري عندكم هي 14 آذار، تاريخ أكبر من كل الأحزاب، تاريخ وطن لن يموت. لا تفرطوا بِها، لا تتراجعوا عن مبادئها، لا تخذلوا الشهداء، ولا تسلموا لبنان لتجار الطائفية والفساد والممانعة. هم حاولوا بكل الوسائل، بالسياسة والإرهاب والقتل والمال والسلاح... حاولوا القضاء على 14 آذار، ولم ينجحوا، نصبوا الفخاخ، زرعوا العبوات، اغتالوا القيادات، فجروا الأحياء والبيوت، نظموا الانقلابات، أثاروا النعرات... ولكنهم لم ينجحوا، ولن ينجحوا، فدماء رفيق الحريري وشهداء 14 آذار أقوى منهم جميعاً، أقوى من أحزاب السلاح، ومن مخططات الأسد والمملوك لتخريب لبنان. كشفهم وسام الحسن فقتلوه، وقبل ذلك كشفهم وسام عيد فقتلوه. تحية في هذا اليوم، في يوم رفيق الحريري، لوسام الحسن ووسام عيد وكل شهداء 14 آذار». وقال: «كشفتهم دماء الشهداء وانتفاضة الاستقلال فانهالوا عليها بسهام الانتقام، لكن 14 آذار بقيت كالأرز، عنواناً للكرامة الوطنية، لا ينكسر. شهداء 14 آذار، من رفيق الحريري إلى باسل فليحان إلى وسام الحسن، لم يسقطوا في سبيل مقاعد نيابية، أو في سبيل قوانين انتخاب، ولا في سبيل رئاسة حكومة، أو أيِّ كرسي من كراسي الحكم والسلطة. هؤلاء شهداء السيادة والحرية والعيش المشترك، وليسوا شهداء النزاع على مغانم سياسية. وأنا في الذكرى الثامنة لهذه الشهادة، أجدد أمامكم القسم على الوفاء لمبادئ انتفاضة الاستقلال، والتمسك بخط الاعتدال الوطني، وبذل المستحيل في سبيل حماية وحدة لبنان وسلامة العيش المشترك بين كل أبنائه». وقال الحريري: «الآن، حانَ وقت السؤال الكبير: هل يبقى لبنان على حاله، مجردَ ساحة مفتوحة لسباق الطوائف والمذاهب، أم نواصل العمل للانتقال إلى مجتمع وطني موحد تدار فيه الخلافات تحت سقف الدولة والشرعية؟ إنه العيب السياسي والوطني أن تصبح الطائفةُ البديلَ عن الدولة، أو أن يتقدم الاحتكامُ للطائفة والمذهب على الاحتكام للدولة ومؤسساتها في كل شيء، في السياسة، والأمن، والدفاع الوطني، والإدارة، والقضاء، والاقتصاد، وحتى في اختيار أنماط الحياة. عندما استشهد الرئيس الحريري سقطت رايات الطوائف وارتفعت رايات لبنان، وتمكن اللبنانيون من طرد قوات بشار الأسد بقوة الأعلام اللبنانية. ومع الأسف، هناك من تستهويه هذه الأيام لعبةُ تنكيس الأعلام اللبنانية وإعادة رفع أعلام الطوائف والمذاهب، لكنّ علم لبنان سيبقى هو الأعلى، لبنان أولاً سيبقى فوق الجميع». ورأى أن «ليس صدفة أن تصل موجة الهواجس والمخاوف، على مشارف الانتخابات وان تصبح مادة في السباق على أصوات الناخبين. وأنا معكم أؤكد اليوم أني سأكون إلى جانبكم في معركة الانتخابات المقبلة، مهما كان القانون ومهما كانت التحديات واشتدت المخاطر، على أساس مشروع وطني سياسي يرفض التفريط بالدولة لحساب مشاريع الهيمنة والاقتسام الطائفي. وبغض النظر عن مشروعية هذه الهواجس وصدقيتها، أؤكد الثوابت التي سبق وأعلنتها في شأن قانون الانتخاب، والأهم من ذلك تصحيح المسار الوطني والدستوري الذي يكفل إنقاذ الوفاق الوطني من الضياع، وتثبيت أركان العيش المشترك على أسس متينة». وقال: «أقر بوجود مأزق تعانيه الحياة الوطنية اللبنانية، وهو مأزق يريد بعضهم أن يختزله بقانون الانتخاب، فيما نراه تعبيراً عن خلل حقيقي أصاب المثلث الذهبي الحقيقي الذي يجب أن ترتكز إليه دولة لبنان. هذا المثلث هو: العيش المشترك - الحياد الإيجابي - حصرية السلطة». وإذ استعاد مبادرته في شأن الانتخابات، شدد على أن «حصرية السلطة بيد الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية والأمنية والعسكرية والقضائية والإدارية، هي بيت القصيد في كلمتي». مشكلة السلاح وإذ اعتبر أن «بعضهم لن يعجبه كلامي»، قال: «مشكلة السلاح في لبنان، السلاح غير الشرعي بكل وظائفه الإقليمية والداخلية والطائفية والعائلية والجهادية والتكفيرية، هي أم المشاكل. كل اللبنانيين يعرفون أن السلاح غير الشرعي مصنع يومي لإنتاج النزاع الأهلي والفتن بين المذاهب، ولإنتاج الجزر الأمنية والجريمة المنظمة وغير المنظمة، والإرهاب، وشبيحة الأحياء، ومخالفة القوانين، والخطف، والفساد، واللصوصية، والتهريب والاستقواء على الدولة، وكل اللبنانيين يعرفون أن «حزب الله» يمتلك ترسانة من الأسلحة الثقيلة والصاروخية والخفيفة يقال إنها تفوق بأهميتها ترسانة الدولة اللبنانية، وكل اللبنانيين يعرفون أن ما يُسمّى «سرايا المقاومة» هي جهات حزبية ودينية وعشائرية وعائلية ومخابراتية يزودها الحزب بالسلاح والمال، وتعمل في كل المناطق». وأوضح أن «سرايا حزب الله، موجودة عملياً في طرابلس وعكار والمنية والضنية وزغرتا والبترون والكورة وكسروان وجبيل والمتن وبعبدا وعاليه والشوف وصيدا، إضافةً الى بيروت والضاحية وكل الجنوب والبقاع. وفي المقابل، هناك فتات من السلاح بأيدي مجموعات ومواطنين وتنظيمات وفصائل لبنانية وفلسطينية خارجة على الشرعية والقانون، في بلدات وأحياء لجأت عملياً إلى هذا الخيار بذريعة الدفاع عن النفس، في ظل الحاضنة المسلحة الكبرى لحزب الله وسرايا حزب الله. هذا هو الخطر الأكبر الذي يتهدد الحياة المشتركة بين اللبنانيين». وأضاف الحريري قائلاً: «حزب الله يرفض رفضاً قاطعاً الاعتراف بهذا الواقع. ويتمسك بمعادلة: كل السياسات في خدمة السلاح. هو مستعد لتقديم التنازل رشوة وزارية لرئيس الحكومة على حساب حصة الحزب، لقاء أن تتشكل حكومة لا تقترب من موضوع السلاح. وهو مستعد أيضاً لمجاراة حليفه ميشال عون بقانون اللقاء الأرثوذكسي للانتخابات، ليضمن بقاء البرلمان تحت سقف السلاح، وهو مستعد لأن يمرّر تمويل المحكمة الدولية في الحكومة، ويتناسى لوليد جنبلاط حملاته السابقة وموقفه المتشدد من نظام الأسد ودور ايران في قمع الشعب السوري، لقاء أن يبقى السلاح بعيداً من التداول وخارجه». واعتبر أن «حزب الله لا يستطيع أن يرى لبنان، من دون المنظومة العسكرية والأمنية التي بنتها إيران على مدى ثلاثين سنة، وهنا يكمن المأزق الكبير، مأزق الدولة التي تتعايش مع دويلة عسكرية فوق غابة من السلاح غير الشرعي، سلاح كل الأطراف والأحزاب من كل الطوائف، من سلاح «حزب الله» إلى سلاح «فتح الإسلام» ومَن هم على صورة «فتح الإسلام»، هذا الكلام لن يرضي فئة من اللبنانيين، وبالأخص لن يرضي فئة كبيرة من الإخوة في الطائفة الشيعية، اي الفئة التي تعتقد أن سلاح «حزب الله» قوة مضافة للطائفة ودورها، لكن مع الأسف، هذه هي الحقيقة، والصراحة تقتضي أن أنبه إلى أن مخاطبتنا حزب الله لا تستهدف أن تُؤخذ الطائفة الشيعية بجريرة هذا الحزب». وقال: «لا نرى ولا نؤمن بأن «حزب الله» هو الطائفة الشيعية. عمر الشيعة في لبنان أكثر من ألف سنة، أما حزب الله، فحالة جاءت مع إيران، منذ ثلاثين سنة. ولكن ما مِن احد يمكن أن ينفي حقيقة أن «حزب الله» يتخذ من جمهور كبير في الطائفة الشيعية قاعدة لمشروعه الداخلي والإقليمي، وهي الحقيقة المؤلمة التي أتمنى على الإخوة الشيعة أن يدركوا أبعادها ومخاطرها على الوحدة الإسلامية خصوصاً، وعلى وحدة اللبنانيين عموماً، مع يقيني بأن فئة غير قليلة تدرك هذا الأمر وتتغاضى عنه، تحت وطأة المخاوف التي يزرعها الحزب حول مصير الطائفة». وأكد أن «مصير الشيعة هو مصيرنا، مصيرنا من مصيركم، مصير لبنان، مصير كل اللبنانيين! ربما يكون «حزب الله» نجح في محو الشخصية الثقافية التعددية التي تميزت بها الطائفة الشيعية على مدى عقود طويلة، كما أجهز على التنوع السياسي فيها، واتخذ من السلاح سبيلاً للتهويل على الشركاء والأقربين، ولكن هذا النجاح الوجه الآخر للفشل الذي حققه الحزب على مستوى علاقة الشيعة بالمجموعات الوطنية الأخرى». وإذ رفض العودة إلى مسألة المتهمين باغتيال الرئيس الحريري ورفْضِ تسليمهم الى المحكمة الدولية، اكتفى بتأكيد أن «المحكمة تتقدم، والمجرمون سينالون العقاب عاجلاً أم آجلاً. ولكن هل يعقل أن يواصل «حزب الله» دفن رأسه في الرمال، ويرفض أن يرى حال القلق والنفور والانقسام القائمة في الساحة الإسلامية، بسبب رفض تسليم المتهمين، وسيادة منطق الاستقواء على الدولة؟ هل يعقل أن يمنع حتى اليوم تسليم المتهم بمحاولة اغتيال بطرس حرب؟ هل يعقل أن نسلِّم قدرنا بالعيش معاً، في المدينة الواحدة والحي الواحد والبيت الواحد، لمشروع حزبي يرفض أن تكون الدولة هي المرجع لكل المواطنين؟ وهل يعقل بعد كل التجارب المريرة التي شهدها لبنان، أن يصر «حزب الله» على جر لبنان، والشيعة خصوصاً، للدوران في الحلقات المفرغة ذاتها». ورأى أن «منذ 40 سنة ولبنان لم يتوقف عن الدوران في حلقات التوتر الأهلي والاستقواء بالقوى الخارجية، والنتيجة كانت الاستمرار في تفكيك النسيج الوطني، وإضعاف دور الدولة، وتشجيع الشباب على اليأس والهجرة. إن أي إنكار لوجود وظيفة مباشرة لسلاح «حزب الله» في الحياة السياسية اللبنانية، هو إنكار فاضح لجوهر المشكلة. وعندما نطالب بإيجاد حل وطني لهذه المشكلة، نقصد بالفعل حلاً وطنياً، حلاً لمصلحة كل الوطن وكل المجموعات وحمايتها الحقيقية، فالسلاح الذي يحمي الشيعة في لبنان هو نفسه السلاح الذي يحمي المسيحيين والسنة والدروز وكل اللبنانيين من دون استثناء. الدولة وحدها هي الحل، والجيش اللبناني وحده هو الجهة المؤتمنة على سلامة الأمن الوطني. وتوجه الى «المسلمين السّنة والشيعة وسائر اللبنانيين، لأن هناك من يخشى على لبنان من تفاقم حال التشنج بين الطائفتين، والتي نقول تارة بنفيها، ونعمل تارة أخرى على التخفيف منها، ونلتقي جميعاً على تأكيد أنها مهما اتسعت لن تكون سبباً لاندلاع الفتنة بين الأهل وبين أبناء الوطن الواحد». وقال: «اعتاد المسلمون العقلاء أن يردّدوا أن لا معنى لوجود لبنان من دون الإخوة المسيحيين، وان هذا البلد وجد لتكون له رسالة إسلامية - مسيحية مشتركة، ومميزة في هذا الشرق. واليوم، أضيف أنه لن يكون هناك معنى لوجود لبنان، من دون المكوِّن الإسلامي الشيعي والسني والدرزي، وان التكامل مع المكوِّن المسيحي، يجب ان يشكل حافزاً مشتركاً لإنهاء التشنج والاحتراب السياسي والكمائن المذهبية». وقال: «أريد أن أبحث مع الإخوة في الطائفة الشيعية، وعموم اللبنانيين، عن مساحة اكبر للاعتدال، وللدولة الحديثة، ولحصرية السلطة بيد الشرعية، وللحياد الإيجابي الذي يحمي لبنان، أي عن مساحة أوسع للعيش الوطني المشترك، وللحياة المشتركة التي لا بديل لنا عنها». واكد أن «نظام بشار الأسد سيسقط حتماً، وسقوطه سيكون مدوياً بإذن الله في سورية وكل العالم العربي، وكل الدنيا. لكن هذا السقوط، لن يكون وسيلة لتكرار تجارب الاستقواء بين اللبنانيين من جديد. إن هذه التجارب يجب أن تتوقف عند الجميع إلى الأبد. ولا أنادي بأي تنازلات ل 14 آذار، ولا ل «تيار المستقبل»، ولا لسعد الحريري، ولا لهذه الطائفة أو تلك. أنادي بتقديم التنازل لدولة لبنان، للشرعية الدستورية، للقانون، للعدالة، للمؤسسات العسكرية والأمنية للعيش المشترك ولرسالة لبنان». ودعا إلى سماعه «جيداً»، قائلاً: «سبق أن قلت إن حلمنا الاحتفال بمرور مئة سنة على دولة لبنان الكبير، بعد 7 سنين، بالوصول إلى دولة لبنان الكبير المدنية. لدينا خارِطة طريق لهذه الدولة، ونعرف ما تعني الدولة المدنية. نحن تيار سياسي مدني، معتدل، ديموقراطي، ولا أحد ولا شيء سيتمكن من جرنا إلى موقع الطائفية أو العنف أو التطرف. واكرر نحن تيار سياسي مدني، معتدل، ديموقراطي، ولا أحد ولا شيء سيتمكن من جرنا إلى موقع الطائفية أو العنف أو التطرف. قدَّمنا مبادرة، ولكن مشروعنا لن يقف عند هذه المبادرة. والأخطاء التي وقعنا فيها لن نكررها، بل سنعمل على إصلاحها، أخطاؤنا نعرفها ولن نكررها بل سنصلحها. ومشروعنا أن نعطي الشباب والشابات حق الانتخاب في سن الثامنة عشرة، وان نعطي اللبنانيين واللبنانيات في بلدان الانتشار حق استرجاع الجنسية اللبنانية. وأن نعطي المرأة اللبنانية مواطنيتها الكاملة، بما فيها حقها في أن تعطي أولادها جنسيتها وجنسية بلدها. وأن نعيد لهذا البلد مكانته بين إخوانه العرب، ومكانه على الخريطة الدولية، وأن نجدد الأمل عند كل اللبنانيين، ومرة جديدة أن نضع الوضع الاقتصادي والتنموي والمعيشي على خط التحسن ونوقف الانهيار الذي يعاني منه كل اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق». «دويلة تأكل الدولة» وقال: «نحن مدرسة رفيق الحريري، ونعرف كيف نعمل. عندما استشهد رفيق الحريري كل لبناني تذكر كيف كان لبنان، وكيف كانت حياة كل لبناني قبل أن يدخل الرئيس الشهيد المعترك السياسي، وكيف صارت بعد ذلك. واليوم كل لبناني قادر على أن يتذكر كيف كان لبنان وكيف كانت حياته وآماله ومعنويّاته ولقمة عيشه، ليس قبل استشهاد رفيق الحريري، بل كيف كانت قبل سنتين، وكيف صارت عليه اليوم. واليوم كل لبناني يستطيع أن يرى أن المشكلة هي أن هناك دويلة تأكل الدولة، تأكل مؤسساتها ونظمها، تأكل المرفأ والمطار والدواء والطعام والمازوت والجامعة والكهرباء والاتصالات. اليوم كل لبناني قادر على أن يرى أن المشكلة ليست في خطأ قاتل وقع في عرسال، المشكلة هي في سلاح قاتل منتشر في كل لبنان، لأن هناك دويلة أقوى من الدولة. كل لبناني يتذكر أن رفيق الحريري كان حلمه هو نفس حلم كل لبناني من كل طائفة وكل منطقة وكل مكان. كان حلمه ألا تعود الكهرباء ولا الاتصالات حلماً، ولا المدرسة ولا الجامعة والطبابة حلماً، ولا الطريق ولا المطار وفرص العمل حلماً، ولا العدالة والأمن والأمان حلماً، حلمه ألا تبقى الدولة حلماً بالنسبة إلى اللبنانيين. واليوم، في الذكرى الثامنة نحن، تيار المستقبل، مدرسة رفيق الحريري، وأنا سعد رفيق الحريري، نقول لكل لبناني ولكل لبنانية: لن يبقى هذا الحلم حلماً، سنحوِّل الحلم إلى حقيقة. والخطوة الأولى الانتخابات النيابية، التي سنخوضها معاً مع حلفائنا في 14 آذار، ومع اللبنانيين المؤمنين بالدولة المدنية من كل الطوائف والمذاهب، المؤمنين بلبنان السيد الحر المستقل الموحد الديموقراطي الناجح. سنخوضها سوياً لتغيير الوضع الحالي، سيربح لبنان، وكل اللبنانيين واللبنانيات». وختم بوعده «إلى اللقاء قريباً في بيروت وكل لبنان بإذن الله». سعيد ووجه منسق الأمانة العامة ل «قوى 14 آذار» فارس سعيد في كلمته التحية إلى الشهداء، وقال إن «لبنان في خطر بسبب الانهيار المتسارع لدولته التي باتت عاجزة عن تطبيق القانون وتوفير الأمن، فحولت لبنان إلى ما يشبه الدولة الفاشلة»، معتبراً أن «بعض من يتولى السلطة لم يتعلم من السابق فيكرّر الأخطاء ذاتها ويحاول مرة جديدة ربط مصير لبنان بمصير النظام البعثي الأسدي بعدما حاول في الماضي ربطه ببعث صدام، وهو يعرّض اللبنانيين لخطر التماهي مع آخر الديكتاتوريات العربية ما يجعلهم على نحو ما شركاء في الجريمة الموصوفة التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه. لبنان في خطر لأنه بات يشكل اليوم آخر نقطة ارتكاز لمشروع إقليمي إيراني فقد مع تحولات العالم العربي معظم أوراقه الإقليمية ولم يعد له من خيار سوى الاحتفاظ بموقعه في لبنان للمساومة عليه والتفاوض انطلاقاً منه». ورأى أن «أولى الأولويات الوطنية اليوم هي مواجهة هذه الأخطار المحدقة بالبلاد والعمل على حماية أنفسنا وبلدنا»، مذكراً بأن «قوى 14 آذار دعت منذ سنة إلى العمل على إطلاق انتفاضة سلام تجدد ربيع لبنان وتؤمن حماية البلد من تداعيات التطورات في سورية». وقال: «نمد اليد إلى أصحاب النيّات الطيّبة وهم الأكثريّة وندعوهم إلى العمل لوقف الانزلاق نحو المجهول وتأمين شبكة أمان من خلال وضع حد لمسار الاختزال في السياسة وفي السلطة والسلطة في حزب والحزب في طائفة والطائفة في شخص». وطالب ب «إعادة الاعتبار إلى اتفاق الطائف وجعله نموذجاً يحتذى في البلدان التي تعاني مما عانينا، فهو يؤمن الضمانات للجماعات الطائفية كما يؤمن الحقوق للمواطنين، والعمل على وضع حد للفتنة المذهبية التي تهدد مستقبلنا في لبنان مثلما تهدد العالم العربي بحروب أهلية، وللبنان دور فاعل في هذا المجال بإمكانه أن يؤجج هذا الصراع القاتل أو يلعب دوراً إيجابيا فيكون قدوة في لجمة وبالتالي فتح عالمنا العربي نحو أفق الاعتدال وقبول الآخر». ورأى أن «حرب لبنان لم تنته بفريق غالب بل بعودة الجميع إلى الدولة بشروط الدولة». وقال: «مع سقوط النظام السوري، على من يهدم الدولة من خارجها وداخلها أن يعود إليها لنبني حياتنا المشتركة بشروط الدولة لا بشروط طائفة ولا بشروط حزب سياسي ولا بشروط ميليشيا مسلحة، وعلينا أن نعيد الاعتبار إلى الدولة بوصفها صاحبة الحق الحصري في امتلاك القوة المسلحة واستخدامها ونشر قواتها على كامل التراب اللبناني وعلى الحدود كلها وبمؤازرة القوات الدولية، وأن نحرر الدولة من الارتهان لشروط المنطق الطائفي، وأن نعمل على إقامة دولة محررة من الإكراهات الطائفية والمذهبية، دولة مدنية ديموقراطية حديثة، وأن نعيد الاعتبار إلى السياسة فنحررها من الطائفيّة وأن نحوّل 14 آذار إلى كتلة سياسية عابرة للطوائف». وأضاف: «علمتنا التجربة منذ اغتيال الحريري أننا قادرون على نقل الجبال إذا توحدنا ونحن قادرون ومصممون على حمل الأمانة». وأكد «إصرار 14 آذار على حمل الأمانة حتى تحقيق المطالب التي استشهد من أجلها شهداؤنا، وهي حرية لبنان استقلاله ودولته الواحدة المدنية الحديثة والمحررة من القيود الداخلية والخارجية». وألقى مصطفى فحص باسم النشطاء كلمة قوطعت بالتصفيق كثيراً، قال فيها: «إني وأمثالي ندين للرئيس الحريري بتعديل وعينا في لبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه والانتماء والوحدة. والتاريخ سيشهد أنه عاد وفتح حقيبة التاجر الفينيقي التاجر المثقف في صيدون، واستفتح بالقرآن وقرأ أمثلة من الإنجيل وتطلع شرقاً نحو الشام إلى دمشق على رغبة ملحة لأن تكون مثيلاً لبيروت وأحلى نداً لا ضداً فقتلوه. قتل رفيق الحريري عندما تيقن أن الحرية تعريف للبنان وأن حرية سورية من دون حرية لبنان منقوصة والعكس صحيح. قتل كي يعود لبنان إلى حجمه وتبقى سورية أقل من حجمها». ولفت إلى أن «كل الثورات تتعرج مساراتها وترتبك ويطول زمانها لكنها في النهاية تصل». وختم قائلاً: «سلاماً يا رئيس الشهداء وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق، رفيق الحريري يدك المضرجة بدمك بدمنا بدم لبنان هي أيدينا التي تدق باب الحرية في عواصم الربيع العربي وكلما أغلق باب فتح الشعب للحرية ألف باب».