التوسع والتآمر والاحتلال ملة المستعمرين والطامعين على مر العصور وهؤلاء تجمعهم المصالح حتى وإن فرقتهم الملل والانتماءات والتاريخ يشهد على مثل تلك التحالفات بين الفرقاء لذلك فإن المصالح هي التي تحكم هذا النوع من التعاون ولذلك فإن الولاءات تتغير حتماً مع تغير المصالح والمصالح أنواع لا حصر لها والمتحكمون بها لهم مشارب وتوجهات عديدة. وإذا أخذنا المصالح الغربية على سبيل المثال نجد أن منها ماله ارتباطات اقتصادية وأخرى أمنية أو عسكرية واستراتيجية ومستقبلية تتعلق بالمحافظة على استمرار تألق حضارتهم وقوتهم وتقدمهم وهذا حق من حقوقهم لا ينازعهم فيه أحد ولكن هناك مصالح لغيرهم يقومون بحمايتها والذود عنها بكل ما أوتوا من قوة ليس برغبة شعوبهم بقدر ما هي رغبة قلة قليلة ملكت المال والإعلام والنفوذ تتمثل في اللوبي الصهيوني والموالين له طمعاً ورهباً لذلك توجه كل الطاقات من أجل حماية إسرائيل وتسليحها والذود عنها وتبرير تصرفاتها وتعطيل كل القرارات الدولية التي تصدر بحقها ليس هذا فحسب بل إن مخابرات تلك الدول ومراكز الدراسات الاستراتيجية رهن إشارة تل أبيب مما جعل إسرائيل تتحرك ليس بقوتها الذاتية فقط بل بكامل قوة اللوبي الصهيوني وكامل انتشاره وجبروته. وإسرائيل منذ وجدت وهي تبحث عن حليف يقاسمها كره العرب والعمل ضد مصالحهم ولا شك ان إسرائيل وجدت ضالتها في إيران حيث إن كلاً منهما مارس الاحتلال للأرض العربية وكلاً منهما نعم بتخاذل العرب وعدم قدرتهم على الاتحاد والدفاع عن مصالحهم لأنهم هانوا على أنفسهم قبل أن يهونوا على الإسرائيليين والإيرانيين فإسرائيل احتلت فلسطين على مرحلتين الأولى عام 1948م والثانية عام 1967م وظلت تعربد وتخرب وتبني المستعمرات دون حسيب أو رقيب إلا اللهم الشجب والتنديد والاستنكار، وإيران احتلت الأرض العربية على مرحلتين الأولى عندما احتلت منطقة عرب ستان عام 1925م والثانية عندما احتلت الجزر الإمارانية الثلاث وكل الذي تلقته الشجب والاستنكار. اليوم إسرائيل من خلال مخابراتها ومخابرات الدول الحليفة لها وجيوشها وبالتعاون مع إيران تخوض معركة تفتيت الدول العربية وخير شاهد على ذلك ما جرى ويجدي في العراق وسورية واليمن وليبيا والسودان وربما مصر في الطريق لا سمح الله. فالعراق احتلته أمريكا وسلمته على طبق من ذهب لإيران على الرغم من العداء الظاهري الذي يخدعنا والاتفاق الباطني الذي يقتلنا، وفي سورية اللاعبون كثر لكن أبرزهم إيران وإسرائيل فإيران تخوض الحرب هناك إلى جانب الأسد من خلال تواجد عناصر الحرس الثوري والدعم المادي والمعنوي والتسليح والقيادة والأركان ومن خلال تواجد كوادر حزب الله المؤدلجة والتي لا تستطيع مغادرة مواقعها في جنوبلبنان إلى سورية لو لم يكن هناك اتفاق مع إسرائيل بعدم مهاجمة مواقع حزب الله في جنوبلبنان. إذاً كل من إيران وإسرائيل تدعم بقاء الأسد حتى تستمر الحرب الأهلية هناك أطول مدة ممكنة لكي تقضي على الأخضر واليابس وتقتل أكبر عدد من السوريين ولهذا تم إدخال عناصر وتنظيمات متناحرة تتقاتل فيما بينها مثل داعش والنصرة والقاعدة والجيش الحر وقوات النظام وحزب الله والحرس الثوري وكل منهم يقتل ويدمر لا على التعيين. إيران اليوم تراهن على تناقضات المصالح وعلى قدرة اللوبي الصهيوني على تحجيم تحالف أمريكا مع المملكة ودول الخليج خصوصاً أن أهم ركائز التحالف هو البترول وضمان إمداداته وبعد تطويع الغاز والبترول الصخري في أمريكا أصبحت أمريكا تحث الخطى نحو الاستغناء عن بترول الخليج وهذا يعتبر هدفاً أمريكياً سامياً قد أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن عام 2007م عندما أعلن صراحة عن ان أمريكا سوف تستغني عن بترول الشرق الأوسط خلال عقد أو عقدين على الأكثر من الزمن. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تقوم إيران ببذل كل الوسائل لإيجاد البدائل أمام أمريكا وغيرها لكي تغير من مواقفها وتحالفاتها خصوصاً ان إيران تدرك ان المصالح هي الحكم في كل أنواع التحالفات وهناك سوابق تخلت فيها أمريكا عن أعز حلفائها وأقرب مثال تخليها عن شاه إيران الذي كان يمثل الحليف الأوفى لهم. وكذلك تخليهم عن مبارك وهو حليف قوى لهم. أعود لأقول إن إيران تسعى إلى التوسع معتمدة على عدة عوامل يتمثل بعض منها في: - إنشاء جيش قوى قوامه أكثر من مليون مقاتل نظامي ومثلهم احتياطي مزود بكل أنواع التسليح وحتى يحافظوا على ذلك وطنوا صناعة السلاح بكل أنواعه ولا استبعد دعم الشركات الغربية وتغاضي الجهات الرسمية لتوجهات إيران العسكرية. - تطوير برنامج نووي ذي توجهات سلمية وعسكرية ظاهرة وباطنة تم غض الطرف عنه طوال عدة سنين والاكتفاء بالتهويش حتى إذا استوى البرنامج على الجودي جاءت العقوبات ومن ثم المحادثات (1+5) التي كان يجب ان تكون دول الخليج جزءاً منها لأنها المتضرر الأول بل المستهدف الأول من ذلك البرنامج وغيره. ولا شك ان الشك ينتاب تلك المحادثات لأنها يمكن ان تتوصل إلى اتفاقيات على حساب دول الخليج ومصالحها ومستقبلها. - إنشاء مراكز ومواقع استقطاب في دول مختلفة ذات كوادر تملك مقومات عسكرية عالية التدريب والتسليح ومؤدلجة إلى درجة غسيل الأدمغة وذلك مثل حزب الله في جنوبلبنان والحوثيين في شمال اليمن والذين بدأوا يطلقون على أنفسهم أنصار الله ناهيك عن الخلايا النائمة في الخليج وغيره. - استئجار بعض الجزر الارتيرية في البحر الأحمر أو شراؤها أسوة بما تفعله إسرائيل للتمركز وإنشاء قواعد فيها لتدريب العناصر الموالية لها من دول الخليج وغيرها ناهيك عن إيجاد بنية تحتية جيدة لقواتها البحرية في البحر الأحمر انطلاقاً من تلك الجزر وربما التعاون مع إسرائيل في هذا الخصوص. - اللعب على حبال الطائفية لتحقيق أجندة فارسية بحتة وخير شاهد على أجندتها الفارسية ان الشيعة ذوي الأصول العربية في العراق مهمشين لوجود أعداد كافية تخدمهم من الشيعة ذوي الأصول الإيرانية وهذا يدل على ان التشيع بالنسبة للسياسة الإيرانية لا يعدو وسيلة لكسب الولاء فالهدف هو إحياء الامبراطورية الفارسية ولهذا هم يدعمون القاعدة أيضاً. وعودة للتاريخ فقد كان الفرس يتحكمون بالعرب من خلال المناذرة والروم يتحكمون بالعرب من خلال الغساسنة ولهذا اتفقت إيران وإسرائيل على إحياء ذلك النهج وتقاسم النفوذ والتاريخ يروي ان لهذين الطرفين ثاراً قديماً ضد العرب. إن المراقب من حقه أن يقول إن قيام الثورة الإيرانية والحرب العراقيةالإيرانية واحتلال الكويت ومن ثم تحريرها وحصار العراق ومن ثم احتلاله وتسليمه لإيران وانفجار الخريف العربي والحرب في سورية وتضعضع الوضع في اليمن وتقسيم السودان والاضطراب في مصر وعدم استقرار ليبيا كلها تمت وتتم وفق سيناريو مرسوم فكلها تسير نحو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى وكلها تدور على رحى سحق الوجود العربي وتحجيمه وكلها تهدف إلى تحويل الدول العربية إلى كانتونات متناحرة فالعالم العربي اليوم يشبه الرجل المريض الذي مرت به الخلافة العثمانية قبل تفتيتها فكل دولة تدور في فلكها غير آبهة بما يدور حولها وبما يستهدفها فالكل مستهدف وليس هناك استثناء. نعم إن إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة قوامها كره العرب والمسلمين والعمل على احتلالهم وتفتيتهم وليس هناك حل لمقاومتهما إلاّ بالقوة الذاتية المعززة بالوحدة الوطنية أما التحالفات فإن لها أهميتها خصوصاً إذا تعددت مشاربها وجاءت كرديف للقوة الذاتية وليست بديلاً عنها. ذلك ان التحالفات قابلة للتغير أما القوة الذاتية المتجددة والمتجذرة فهي التي يحسب لها الأعداء والمتآمرون ألف حساب. نعم على الدول العربية حكومات وشعوباً منفردة ومجتمعة أن تستقرئ التاريخ وتستوعب اللعبة وتفهم الدرس وتعي الخطر المحدق الذي بدأ يمزق كيانها ويقتل أبناءها ويدمر منجزاتها والذي قوامه الفتنة والاقتتال اللذان يستمدان قوتهما من غياب العقل وتفكك الأمة وإعادة استنبات الجاهلية من خلال الطائفية والعرقية والتطرف والتحريض والذهاب ضحية للشائعات والوقوع تحت تأثير الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشبه مسترقي السمع من حيث تلبيس الصدق وهو قليل بالكذب وهو الغالب بصورة ساحقة ناهيك عمن ينفخ في النار ويوقدها من الخارج وفي مقدمتهم إيران وإسرائيل ومن يقف خلفهما من دول ولوبيات وغيرهم.. والله المستعان.