إيران دولة إسلامية تربطها بدول الخليج والدول العربية الأخرى علاقات الدين والتاريخ والجوار والهمّ المشترك. وقد ظلت تلك العلاقة مميزة طوال القرون الماضية وظلت المشاكل والطموحات التي تواجه أو ترغب بها شعوب ودول المنطقة متشابهة حتى حل الاستعمار البريطاني وجثم على كل من إيران والعراق ودول الخليج عدا المملكة العربية السعودية حيث زرع بذور الخلاف الجغرافي والحدودي، وجزأ المنطقة إلى دويلات صغيرة ناهيك عن إلحاق منطقة عربستان بإيران وربط إدارة بعض دول الخليج بالادارة البريطانية في طهران أيضاً. وبعد الاستقلال ظلت الأمور هادئة بين الطرفين على الرغم مما زرعه البريطانيون من تداخلات وتشرذم واختلاف ناهيك عن طموح شاه إيران في أواخر عهده في أن يكون شرطي المنطقة واتجاهه لبناء جيش قوي واحتلاله للجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، وبعد الثورة الإيرانية (1979م) وسقوط الشاه بدأت عملية الاستقطاب في المنطقة نتيجة التوجه إلى تصدير الثورة الإيرانية من خلال التدخل السافر بالدول المجاورة وغيرها إعلامياً وثقافياً وطائفياً وحتى أمنياً وعسكرياً، وكان في مقدمة الدول المستهدفة العراق ودول الخليج العربي.. ونتيجة لتلك التوجهات ونتيجة للخلاف مع الغرب واحتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران واحتدام الخلاف مع العراق نشبت الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1989) وكان لهذه الحرب عدة أهداف منها: * إشغال الناس في كل من إيران والعراق بالحرب فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة وهذا ساعد كلا من حكام طهران والعراق على إسكات خصومهما. * عرقلة الثورة الإيرانية وتحجيمها ومنع تصديرها خصوصاً إلى العراق. * الاستفادة من تلك الحرب في خلق عداء مستتب بين الشعوب الإيرانية والشعوب العربية خصوصاً في العراق ودول الخليج ما مهد لظهور النعرة الطائفية والعرقية وبالتالي استخدامه كوسيلة لتصدير الثورة وخدمة التوسع الإيراني. * هذه الحرب زرعت لدى حكام طهران الرغبة في التفوق العسكري بما في ذلك النووي كوسيلة لتصدير الثورة والتدخل في شؤون الآخرين، وقد تم ذلك التسلح تحت سمع وبصر كل من إسرائيل والدول الغربية التي ظلت ممانعتها لكل من التسلح والتدخل الإيراني في شؤون الآخرين وما زالت مجرد تهويش يرضي الغرور الإيراني بالتحدي والممانعة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تم غض الطرف عن إنشاء حزب الله في لبنان وزرع فروع له في العراق ودول الخليج ليس هذا فحسب بل تم تسليم العراق للإيرانيين على طبق من ذهب. والآن لازال دعم الثورة السورية يلقى ممانعة من دول الغرب بما في ذلك أمريكا وهم السباقون للحسم في كل من العراق وليبيا فما وجه الاختلاف؟ وعلى العموم فإن السياسة الإيرانية ظلت تسير تصاعدياً في تنفيذ أجندتها منذ اليوم الأول لانطلاق تلك الثورة وإعلان توجهاتها، وذلك خلال فترات حكم كل من الإصلاحيين أمثال السيد هاشمي رفسنجاني، والسيد محمد خاتمي أو خلال فترة حكم المتطرفين أمثال أحمدي نجاد. ولهذا نستطيع أن نقول إن وتيرة السياسة الإيرانية لن تتغير من حيث الجوهر ولكنها قد تتغير من حيث المظهر في عهد الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني. نقول هذا لأن من يقود ويوجه السياسة الإيرانية ليس رئيس الجمهورية بل المرشد الأعلى للثورة الولي الفقيه السيد علي خامنئي. نعم، لقد كانت علاقة إيران بدول الخليج خلال فترة حكم الإصلاحيين هادئة على الرغم من أن التسلح الإيراني وتأسيس حزب الله ومد الأجندة الإيرانية كانت على أشدها، ولكن دون تحد أو تشنج ما أدى إلى فتح أسواق دول الخليج أمام المنتجات الإيرانية وزاد التبادل التجاري وفتحت الأبواب أمام السياح والزيارات المتبادلة وكانت مكاسب إيران من ذلك الانفتاح تفوق مكاسب دول الخليج. وبعد ظهور السياسة الإيرانية على حقيقتها من خلال التدخل السافر بدول الخليج والعراق وسورية ولبنان خلال حقبة أحمدي نجاد توترت العلاقات ووصلت إلى ما وصلت إليه من تأزم.. ولعل ما يحدث في العراق والبحرين واليمن ولبنان وسورية خير شاهد على التهديد الإيراني لأمن واستقرار المنطقة برمتها خصوصاً ان الأطماع الإيرانية لم تعد سرية بل هي معلنة على رؤوس الأشهاد. فهذه القوات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني ممثلاً بحزب الله يقتل الشعب السوري جنباً إلى جنب مع قوات الأسد، وها هي تدعم المتطرفين في البحرين لقلب نظام الحكم تمهيداً لضمها إلى إيران وها هي الآمر الناهي في العراق وبالتالي «لم يبق دون الحلق إلا اليدين» كما يقول المثل. إن استعداد إيران العسكري وإنشاء حزب الله في جنوب لبنان كان الهدف المعلن من إنشائه أمام الشعوب الإيرانية والعربية والإسلامية هو تحرير فلسطين وتحرير القدس، وتوحيد المسلمين ولكن الهدف الحقيقي ظهر اليوم على الأرض السورية حيث تقوم تلك القوات ويقوم ذلك الحزب بالقتل الممنهج تحقيقاً لأجندة التوسع الإيراني في المنطقة. نعم دول الخليج أخذت الأمر الآن على محمل الجد وتسلحت بأحدث أنواع العتاد العسكري وهذا الاستعداد لازال يحتاج إلى مزيد من الدعم خصوصاً بالكوادر البشرية، وتشكيل مليشيات شعبية وتوحيد القوات المسلحة، هذا بالاضافة إلى ما هو قائم من تحالفات على المستوى الخليجي والاقليمي والدولي. إن القوة الذاتية لابد أن يشعر بها الصديق قبل العدو؛ لأن الصديق أو الحليف قد تتغير صداقته أو تحالفه طبقاً لتغير مصالحه وتقاطعها مع مصالح قوى أخرى قد تكون مستحكمة بالنسبة له. ناهيك عن أن شروط الحليف تبدأ تتغير عند اختلال موازين القوى. وعند اختلاط الحابل بالنابل وفي غياب القدرة الذاتية ليس للمضطر إلا ركوبها لأنه يصبح أمام خيارين أحلاهما مر، ولهذا فإن درء الخطر اليوم يقوم على ركيزتين أساسيتين إحداهما القوة الذاتية لأنها تردع العدو على أرض الواقع، والثانية التحالفات الاستراتيجية التي تضمن استمرار الردع ومد يد العون له من هذه المنطلقات الكل يرحب بالتعاون والتقارب مع إيران من موقع الند للند وليس من موقع الضعف والخوف، والكل يرحب بتوجهات الرئيس الإيراني المنتخب السيد حسن روحاني إذا كان باستطاعته وقف التدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي وسورية واليمن ولبنان وغيرها. نعم الكل يتمنى أن تفتح صفحة جديدة للعلاقات الإيرانية- العربية ملؤها الانفتاح والانفراج لكل مشاكل المنطقة، وهذا بالطبع يتطلب ما يلي لإثبات حسن النية: * وقف التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية للدول الخليجية (تصدير الثورة) بما في ذلك التحريض والتجسس والتسليح والتدريب ودعم التطرف والتخريب. وإذا حدث وتم وقف تلك الممارسات فإن أبواب الحوار سوف تفتح وقواعد حسن الجوار سوف ترسى وتحترم وهذا هو السبيل للم شمل المسلمين من خلال التقارب والتعايش ودرء الفتن قبل استفحالها إلى أكثر مما هو حاصل الآن. * وقف التدخل الإيراني في سورية ولبنان واليمن وتحجيم حزب الله وسحب مقاتليه من سورية وترك الشعب السوري يقرر مصيره. * الدخول مع دولة الإمارات في مفاوضات حول الجزر الإماراتيةالمحتلة من قبل إيران والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف حتى لو كان من خلال التحكيم الدولي. * إثبات حسن النية من خلال اثبات ان البرنامج النووي الايراني ذو أهداف سلمية والتخلص من كل الوسائل التي تفضي إلى تحوله إلى برنامج عسكري ناهيك عن نقل مفاعل خرم شهر إلى مكان آخر حتى وإن كان ذا تطببيقات سلمية لأنه يشكل قنبلة موقوتة تهدد دولا ومدنا خليجية عديدة في كل من الكويت والعراق والسعودية والبحرين وقطر والإمارات وغيرها وذلك عند وقوع أية خطأ تقني أو كارثة طبيعية والشواهد على ذلك كثيرة من شرنوبل في روسيا (1986م) إلى توسونا في اليابان قبل سنتين. نعم إن الذي يرجوه الجميع أن لا يكون انتخاب الرئيس الاصلاحي حسن روحاني وسيلة تخدير وقرصاً منوماً من خلال الكلام المعسول بينما تستمر جذوة تصدير الثورة تحت الرماد أو تحت التبن تزداد انتشاراً وتدخلاً بأساليب غير متطورة فنعود إلى الدعة والرضا بما يظهره وكأنه اعتدال بينما الحقيقة أن الهدف منه هو كسب الوقت ورفع العقوبات «فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين». إن بذور الفتنة التي زرعت في المنطقة سوف تجد من يسقيها من داخل المنطقة ومن خارجها ذلك أن المنطقة مستهدفة من قبل القوى الصهيونية التي وجدت في التطرف الإيراني ضالتها فاستغلت ذلك التطرف من أجل تحقيق مخططاتها وتطلعاتها التي تتمثل في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما في ذلك إيران وتحويلها إلى دويلات طائفية لا حول لها ولا قوة إلا ما تمليه عليها إسرائيل. إن الذي يحدث في المنطقة من عدم استقرار وتطرف واقتتال يُدعم ويمول ويُسلح من قبل أعداء أمة العروبة والإسلام وهم يستغلون اختلاف الأمة كوسيلة لتدميرها. لذلك الكل يتمنى أن تعود إيران إلى رشدها وتصبح لبنة صالحة في جسم الأمة الإسلامية تزيدها قوة ومنعة وهيبة. والله المستعان..