من المعروف والمشاهد والمقروء والمسموع أن الإعلام سلاح ذو حدين، أحد هذين الحدين ذو أهمية بالغة في حراك الأمة، لأنه يسعى إلى تحقيق مصالح الوطن والدفاع عنها، فهو وسيلة تثقيف وتربية في توجيهٍ وتقريب لوجهات النظر بين الأطياف المختلفة لمكونات المجتمع على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، لذلك يعتبر من أهم وسائل تعزيز لحمة الوحدة الوطنية، وهذا هو الأساس الذي يبنى عليه تحصين الأوطان من الداخل، لهذا فهو لا يعمل على أساس فئوي أو حزبي لأن ذلك التوجه هو طريق الانقسام كما هو حادث في بعض الدول المجاورة. أما على المستوى الخارجي فإن الإعلام يعتبر وسيلة تقارب بين الدول والشعوب، ولذلك فإن مهمته تكون دائماً في مد جسور التواصل، والدفاع عن الثوابت والبعد عن التشنج والعمل على رفع سمعة الوطن حكومة وشعباً في مختلف المحافل والمنتديات، أما إذا أخفق في ذلك وأصبح يتحرك بدوافع تجارية أو نفعية محضة فإنه يصبح وبالاً على الوطن والمواطن؛ لأنه يتحول إلى معول هدم على المستوى الداخلي والخارجي. إن أسوأ الأشياء التي يمكن أن تحدث لأية دولة من الدول هو مقاطعتها من قبل أكبر عدد من الدول الأخرى مثل ما يجري لإيران أو كوريا الشمالية أو كوبا وغيرها، والمصيبة تصبح أكبر إذا كانت تلك الدولة تواجه مخاطر خارجية. اليوم تتعرض المنطقة العربية بصورة عامة والخليج بصورة خاصة لهجمة صهيونية ومطامع توسعية إيرانية لا تحتاج إلى شهود، وبالتالي فإن جميع الجهود الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية يجب أن تركز على درء ذلك الخطر والعمل على تقوية العلاقات مع جميع الدول والشعوب خصوصاً العربية منها وتلك المحيطة بإيران مثل تركيا وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وباكستان، وأن لا يسمح بأي تعكير لصفو العلاقات مع تلك الدول، بل الواجب يحتم أن يتم العمل على تعميق العلاقات معها من خلال ربط تلك الدول بمصالح ثابتة تفوق مصالحها مع إيران. إن التحدي الإيراني بكل ما يحمله من مخاطر يوجب علينا ألا نفتح أي خلاف مع أية جهة أخرى، وذلك على جميع المستويات وخصوصاً الدول وأن نعمل على إعادة ترميم أية علاقة يشوبها أي نوع من التوتر مع أية دولة من الدول ليس هذا فحسب بل يحسن أن يتم السعى لتحسين العلاقات مع الدول التي تقف في صف إيران وتلك التي تدعم النظام السوري وأن نستقطبها إلى جانبنا من خلال توطيد المصالح المشتركة، فالمصالح كما هو معروف تجمع الفرقاء، والسياسة هي تحقيق الممكن فاليوم السياسة وسيلة والمصلحة غاية، وبهذا نستطيع العمل على تغيير موقف روسيا وتحالفها مع كل من إيران ودعمها للنظام السوري إن لم يكن إلى جانبنا فليكن إلى التزام جانب الحياد.. إن موقف روسيا من نظام الأسد لا تحكمه نواح أيديولوجية، وكذلك الوضع مع إيران بقدر ما تحكمه المصالح المادية والاستراتيجية، وروسيا تذكر خسارتها في العراق التي لم تحظ بنصيب من كعكتها لأنها لم تتخذ موقفاً متشدداً آنذاك واليوم تسعى روسيا للفوز بنصيب من الكعكة السورية، مع أن روسيا لو وجدت مصالح بديلة لتحولت إلى وسيط للحل بدل أن تكون عقبة أمامه. وكذلك الأمر مع الدول الأخرى المناصرة لكل من إيران ونظام الأسد، ولعل من أهم وسائل تحقيق ذلك الضرب على وتر المصالح المشتركة من خلال جعل شراكتهم أكثر كسباً لهم من شراكتهم مع إيران ونظام الأسد، خصوصاً إذا كان ذلك مشروطاً بالحياد على الأقل، هذا إذا لم تكن مواقفهم ذات أبعاد صهيونية. إن علينا أن نمد جسور التواصل مع جميع الأطراف ذات العلاقة بالملفين السوري والإيراني، وذلك من خلال الضرب على وتر المصالح لأنها هي التي تدير دفة العمل السياسي في كل زمان ومكان، وهذا ما يجعل الصداقات لا تدوم، والعداوات لا تدوم فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد، وعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم «وتلك الأيام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون» الآية. أما العداء المؤدلج فهو لا يزول إلا بزوال صاحبه ولعل من أبرز الأمثلة على تحالفات التقاء المصالح على حساب الاختلاف ما يلي: * في الحرب العالمية الثانية تحالفت الدول الرأسمالية ممثلة في أمريكا وأوروبا مع خصمها الشيوعي الاتحاد السوفياتي ضد ألمانيا النازية العدو المشترك، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بدأت الحرب الباردة بين الطرفين حتى تفكك الاتحاد السوفياتي عام (1990م). * العداء العقائدي بين المسيحية واليهودية معروف ولكن ذلك لم يمنع تحالف المسيحية الصهيونية مع الصهيونية اليهودية من أجل دعم دولة إسرائيل وضمان تفوقها لأن ذلك حسب عقيدتهم من علامات عودة المسيح عليه السلام، ناهيك عما يكتنف ذلك من مصالح مادية وسياسية وإعلامية سيطر عليها اللوبي الصهيوني وأرغم الآخرين على التحالف معه من أجل مصالحهم. * التقاء المصالح الإيرانية والإسرائيلية حول خلافهما الظاهري إلى اتفاق باطني وهذا يتمثل في أن تحطيم الدول العربية وتفتيتها من أهم أجندات الطرفين وإلا لماذا تقدم أمريكا العراق على طبق من ذهب إلى إيران رغم العداء الظاهري بينهما؟ فإيران اليوم تقوم بزراعة ولاية الفقيه في العراق وتستحوذ على القرار السياسي والاجتماعي هناك وإسرائيل تعمل بكل قوة للقضاء على علماء ورجالات العراق واتباع سياسة فرق تسد في العالم العربي. * في سبيل المصلحة ضحت دول العالم بالعلاقات مع تايوان في سبيل تعزيز علاقاتها مع الصين وذلك بضغط من الأخيرة، وهي التي كانت منبوذة ومقاطعة لعشرات السنين ولكن المصلحة تغلبت على السياسة وذلك عندما دعمت بقوة الإرادة وزخم الواقع وكفة العدد والعدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تجد أمريكا وسيلة لكبح جماح الصين وتصديرها للتقنيات النووية وغيرها إلا بإقامة علاقات الند للند معها قوامها المصالح المشتركة، وهذا ما جعل المصنوعات الصينية تغزو الأسواق الأمريكية في عقر دارها، وفي سبيل تحقيق المصالح الأمريكية يقوم رؤساء ووفود أمريكا بزيارة الصين الواحد تلو الآخر من أجل استمرار التعاون الأمريكي - الصيني وتحييد المواقف المتطرفة للصين التي يمكن أن تحدث عندما تتلاشى مصالحها مع أمريكا. * التقاء مصالح حزب الله وإيران والقاعدة مع تجار ومهربي المخدرات والسلاح والجريمة، فإيران تخضع لحالة حصار، وحزب الله ليس لديه موارد اقتصادية، وكذلك القاعدة ولذلك فإن الحصول على المال يشكل أولوية لكل منهم كما يجمعهم الهدف المتمثل في ضعضعة الاستقرار في المنطقة العربية من خلال تشجيع التطرف والتخريب، وهذا يعني أن المصلحة جمعت الفرقاء. والأمثلة على تحالفات المصالح لا تحصى ولا تعد، ولذلك فإن المملكة تعتبر من أقوى الدول قدرة على التأثير وذلك لما تحظى به من قوة اقتصادية وقدرة شرائية واستقرار وتوازن، فهي الرائد في مجال حوار الحضارات والأديان على المستوى الدولي والحوار على المستوى الداخلي، والحوار بين مذاهب الإسلام وطوائفه على المستوى الإسلامي، وبالتالي فإنها من أقدر الدول على إدارة دفة التحالفات المبنية على المصالح مع جميع الدول المحيطة بإيران وغيرها، وكذلك استقطاب روسيا أو تحييدها على الأقل في الملفين السوري والإيراني.. وفي كل الأحوال يظل الإعلام هو صوت الأمة وضميرها الحي في كل الدول التي يحكمها التوازن في الطرح الإعلامي دون تصنيف أو تمييز، أما إذا أصبح غير متوازن فإنه يؤدي إلى التحزب والتضاد والاستقطاب، وهذه هي النافذة التي يمكن أن يلج منها الأعداء، ولهذا يعتبر الإعلام السلطة الرابعة بعد السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، بل إنه يتربع على الجميع، فهو يؤثر فيها ويقودها، وأحياناً يستغلها ويبتزها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وما عليك إلا النظر لما يحدث في الدول المتقدمة من إرهاصات. إن أسوأ الأشياء التي يمكن أن تحدث لأية دولة من الدول هو مقاطعتها من قبل أكبر عدد من الدول الأخرى مثل ما يجري لإيران أو كوريا الشمالية أو كوبا وغيرها، والمصيبة تصبح أكبر إذا كانت تلك الدولة تواجه مخاطر خارجية. (ولهذا فإن الاعتدال والتوازن اللذين تتميز بهما المملكة في علاقاتها مع الدول الأخرى يعتبران أنموذجاً يحتذى حيث تأتي مواقفها في الوقت الذي يجب أن يكون مثل موقفها تجاه ما تفعل إيران التي أثبتت بالدليل القاطع أن لها أجندة تعمل على تنفيذها سراً وعلناً، تتمثل في تصدير ثورتها من خلال التبشير بأيديولوجيتها بكل الوسائل بما في ذلك استخدام القوة، كما هو حاصل في سورية واحتلال الجزر الإماراتية ودعم حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ناهيك عن التدخل في شؤون دول الخليج كما هو حاصل في البحرين) وغيرها. والله المستعان..