من أوائل المقالات التي تطرقت إلى الأدب العامي تلك المقالة التي كتبها معالي الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً، وقد كتب مقالته هذه وهو طالب بجامعة القاهرة كلية الآداب، وارسلها إلى الأستاذ المحقق والمؤرخ الجغرافي حمد الجاسر حينما كان رئيساً لصحيفة اليمامة، وهذا المقال بعنوان (ألوان من شعر البادية) وذلك بتاريخ شهر ذي القعدة لعام 1373ه وقد كان هذا العدد قد خصه رئيس صحيفة اليمامة عن البادية بالمملكة وعن كل ما يحتاجونه من تعليم وصحة وغيرها من الجوانب التي تتعلق بثقافة البادية، وقد كتب أبا الخيل مقالته عن الشعر العامي وأتى بنماذج شعرية اقتطفها من ديوان النبط لخالد الفرج – رحمه الله – يقول الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل بعدما تحدث عن أشعار شعراء الفصحى في العهد الجاهلي والإسلامي وتعلقهم بذكر الأطلال والأماكن ووصف الصحراء والطبيعة وتقديس العربي الأول لراحلته التي كانت رفيقة دربه وسفره طوال حياته.. يؤكد أبا الخيل هذا قائلاً: (.. وعربي اليوم هو عربي الأمس في الأفكار والأخيلة وإن اختلف أسلوب الصياغة فأصبح للبدو اليوم لون آخر من الشعر العربي باللغة الدارجة لا يقل في روعته وقوة شاعريته عن شعراء الفصحى، وهو لا يقل في الرقة والعذوبة والجمال الشعري عن الشعر الفصيح وهذا اللون من الشعر وإن كان باللغة الدارجة العامية له رسالته وأهدافه ومقوماته الغنية وفيه تعبير واضح بالاحساس ضمن مختلف الميول والرغبات والعواطف.. ثم استهل الأستاذ أبا الخيل بأشعار ابن سبيل – رحمه الله – وأورد نبذة عن حياته نقلاً عن ديوان النبط لخالد الفرج وأتى بقصيدة ابن سبيل الدالية، حيث قال عنها أبا الخيل : إن قصيدته هذه بدأ بوصف الظعائن كما وصف ذلك شعراء المعلقات بقطع الصحاري واقتحام الأهوال في الأسفار المختلفة وقال: يا راكب من عندنا صيعريات من ساس عيرات عراب تلاد بنات حر فحلوه الشررات بالعيش تعنى له جميع البوادي بيض المحاقب والغوارب مشيبات للتلو ما سووا لهن التوادي فج النحور وروكهن مستقلات خضع الرّقاب مفتلات العضادي بالشد ونيات وبالمشي طفقات غرالمسامع والنواظر حدادي عامين يرعن في حيا نجد مشهات من حد الأنجل للنجج باستنادي ويثني الكاتب أبا الخيل على أبيات ابن سبيل بأنها أبيات بديعة في تصوير هذه الإبل أو الرواحل واصفاً خلقتها التي خلقها الله عز وجل بأنه جل جلاله اتقن خلقتها سريعة المشي ذات بصر حاد سهلة الانقياد وأنها قد رعت في رياض نجد سنتين فأكلت من هذه المراعي الطبيعية حتى قويت واستطاعت اجتياز الفيافي البعيدة المدى ، ويقول الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل وهذا التصوير لا يقل في روعته وجودته وتأثيره في النفس عن تصوير شعراء الفصحى بلغتهم وقبل أن نترك هذه القصيدة إلى أخرى لنقرأ ما قاله في آخر هذه القصيدة من حكم ونصائح ومن وصف للحب حيث يقول: وإذا عزمت فحط للرجل مرقاة من خوف يدري بك خطاة الرّبادي ولا تأخذ الدنيا خراص وهقوات يقطعك من نقل الصميل البرادي لك شوفة واحدة وللناس شوفات ولا وادي سيله يفيض بوادي ثم قال واصفاً حالة الحب: الحب كل شايف منه ليعات من عصر نوح وجاي ماله حدادي مشغوف قلبي قدم قلبك وهيهات ما نيب مثلك يا روي الجلادي ولا ينفع المحرور كثر التنهات ولا يسقى الظامي خضيض الورادي انتقل بعد ذلك الأستاذ أبا الخيل إلى شاعر آخر يعد من مشاهير شعراء النبط ألا وهو الشاعر محسن بن عثمان الهزاني وأورد نماذج من قصائده الغزلية، وذكر قصيدة الهزاني في وصف راحلته ومطلعها: قم يا ابن ابوي اركب على كور هباع له بين ابانات والأفلاج مرباع محنوني كالقوس من قطعه البيد ومرقع عن كل ما شاف يرتاع نقوة هجين للمطاريش شافي في مركب له ما يمل الرداف ركاب كوره أمن ما يخافي ولا مشا راسه مما كف زراع ويشيد أبا الخيل بشعر محسن من حيث الجودة والإتقان وغزارة الإنتاج قائلاً: إنه من الشعراء المجيدين في فن الغزل والنسيب.. وتذكرنا طريقته الشعرية بطريقة عمر بن أبي ربيعة الحوارية وهو بالرغم من اتصافه بالغزل في معظم قصائده إلا أنه غالباً ما يبدؤها كغيره من الشعراء بوصف راحلته كما في أبياته السابقة. ثم استرسل الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل في سرد بعض قصائد الهزاني الرقيقة بوصف محبوبته ومنها: ترى حلاياهن بالوصف يا زيد أقرب تهايا كل شي من الصيد لا بطن يلقنه خماض ولا ديد كواعب والكل منهن متلاع نجل النواظر هافيات الخواصر سمر الجدايل نابايات المخاصر لا هن بطوالن ولا بالقواصر ثنتين عادن يسبقني بالأرباع إلى أن يقول: ومنهن فتاة كاعب ما لها رنق خمرية المجدول مسلوبة العنق شميت منها رايحة عنبر طلق مدلولة لا شك ما هيب مطواع تشبه لغصن البان لا من تثنى يا ما لها من مستهام تمنى لا هيب لا نوطا ولا هيب دنا لولا بهاها قلت ذي خشف مرتاع ويوالي الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل في ضرب الأمثلة من القصائد التي نظمها الشاعر محسن الهزاني في مطلع قصائده في الراحلة والناقلة التي يسافر بها الناس، فالشاعر الهزاني رحمه الله له أكثر من قصيدة مبتدأة بوصف الراحلة من حيث انطلاقها من بلده الحريق إلى المراد الذي يهدف إليه الهزاني، له أكثر من عدة قصائد في هذا الموضوع ولعل من أشهرها قصيدته التي أرسلها إلى صديقه سعد المليحي بالأحساء وقصيدته كذلك التي بعثها إلى صديقه سرداح بن عبدالمحسن الخالدي وصديقه بن عفالق ، فالهزاني كغيره من شعراء عصره الذين يستلهون قصائدهم بذكر الراحلة ويصفونها أدق تصوير وأبرع تصوير وأبدع هيئة ، ومن ذلك ما نقله أبا الخيل في مقاله هذا عن محسن الهزاني من قصيدته الفائية وهي : يا راكب يا مرتحلين مراميل منجوب مجهول الفيافي اعجافي ميل المقادم نافلات مراحيل فج المرافق مبهمات الخفافي من سبعة اعوام وهن كنس الحيل دوارب في طي نشر الفيافي إلى أن يقول يخاطب هذه القافلة المسافرة لتبلغ رسالته لمن أحب: تحملوا يا ركب مضمون ماقيل منمق اللفظة عن الكل كافي أبهى من الياقوت بايدي المشاكيل واعذب من السلسل بين الأشافي وهكذا كانت أول مقالة يكتبها كاتب باليمامة عن الأدب الشعبي متحدثاً عن بعض الشعراء من أهل نجد قبل أن تفرد اليمامة صفحات عن الشعر الشعبي لسنوات طويلة. اليمامة صحيفة اسبوعية خالد الفرج عبدالرحمن أبا الخيل